مع إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للأدب اليوم، تنشط التوقعات والتكهنات حول هوية الأديب المحظوظ، وكالعادة، تطرح تساؤلات حول إن كان من الممكن أن يكون عربياً، أو من ثقافة «غير محظوظة» أخرى، أو على الأقل غير الناطقين بالإنجليزية والفرنسية، فقد رسخ في الأذهان أن نوبل جائزة تهيمن عليها القارة الأوروبية، ولغاتها الكبرى، وتلتفت في الغالب لكتاب يمثلون الثقافة الغربية. حتى إن حظ الأدب العربي منها لم يتعدّ فائزاً واحداً، هو الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، الذي حصل عليها قبل 36 عاماً، وتحديداً في 1988.

وفي هذا العام، تحركت توقعات متفائلة، فقد أظهر كتّاب ومثقفون تخمينات بأن اختيارات الجائزة هذا العام، ستكون مخالفة للسائد والتوقعات، أي ربما يكون الفائز بها أديباً من خارج النطاق التقليدي. ولو من باب محاولات لجنة التحكيم المتكررة (دون نجاح يذكر)، بنقض الانطباع السائد عنها، وحول تحيزها لآداب ولغات معينة، بإحداث نوع من المفاجأة، فتناولت التسريبات، هذا العام، أسماء أدباء من الصين.

ويلقي كثير من الكتّاب والأدباء والمختصون اللوم على لجنة تحكيم الجائزة، التي لا تملك الإلمام الكافي بآداب اللغات العالمية الأخرى، خارج نطاق الإنجليزية والفرنسية، مستبعدين أن يذهب الحظ إلى الهند واليابان والعالم العربي، الذي لا تمثل أدبهم كتب مترجمة كثيرة.

«البيان» استطلعت عدداً من الكتّاب، لمعرفة توقعاتهم حول الجائزة، وأسباب ندرة الفائزين العرب، وغيرهم من الجنسيات الأخرى، من الثقافات التي تمتلك أدباً ثرياً، حيث أكدت الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان، أن الجائزة نشأت في الغرب، وبالتالي، لجنة الحكام فيها تحتكم لما تقرأه، وهذا لا يعني أيضاً أن يقوم روائي ما بترجمة أحد أعماله، وتقديمها لهذه الجائزة، فهي تقدّم عن مجمل الأعمال، ولا تقتصر على عمل واحد مميز، ويجب أن يكون لدى هذه الأسماء حصيلة، مثل الكاتب عبد الرحمن منيف، أو توفيق الحكيم، أوحنا مينا وغيرهم.



وقالت: «يجب أن نتساءل عن هذه الأعمال، إلى أي درجة انتشرت في الغرب، فمثلاً الكاتب المعروف أمين معلوف يكتب بالفرنسية من الأساس، لكن لماذا لم يحصل على الجائزة، فعلينا أن نعرف ما إذا كانت لديهم مواصفات خاصة للأدب الذي يهتمون به، لكن الجوائز العالمية التي ترصد لها هذه المبالغ الضخمة، وهذا الاحتفاء الكبير، يجب ألا نأخذها على أنها ظاهرة لها مغزى ثقافي وأدبي فقط، وإن كانت تهتم فعلياً بالأدب، لكن يجب ألا ننحي صفة التحيز أو المعايير الغربية الخاصة، وهذا ليس من مبدأ الكراهية أو التشكيك أو سوء نوايا، لكن يجب أن نعترف بأنها موجودة، لديهم معاييرهم الخاصة، والجائزة تخدم أدباً يسير في اتجاه معين».



أسباب متعددة

وأضافت: «يجب ألا ننظر للجوائز العالمية نظرة بريئة بالمطلق، كما يجب ألا ينظر لأي جائزة نظرة بريئة بكل صراحة. أعتقد أن هناك بلا شك أهدافاً تخدمها هذه الجوائز. وأنا لا أنفي التحيز عن أي جائزة، لكن يجب ألا نجعل التحيز هو السبب الوحيد لعدم وجود أدب، فليس من المعقول أن نوبل ستتحيز ضد الجميع، وتقول إنها عالمية. يمكنها بكل بساطة، أن تعلن أنها جائزة غربية، ولن يحاسبها أحد على ذلك. لكن بالإضافة إلى نسبة التحيز، هناك أسباب أخرى، وهي عدم شيوع الأدب العربي أو الهندي وغيره في الغرب، فكم قارئاً غربياً يستطيع أن يذكر اسم أديب أو كتاب، إن تم سؤاله عن كتّابنا العرب أو الهنود أو غيرهم. إنهم لا يعرفونهم ببساطة. وعموماً، فإن الكاتب غير الموجود بكثافة على الساحة، ولا أفلام وأعمال فنية تقتبس من أعماله، يكون من الصعب أن يحظى بالشهرة والانتشار في العالم الغربي».



ترجمة

وأكدت سلطان أن الترجمة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فنحن كعرب نترجم الأدب العالمي، لكننا لا نترجم أدبنا. لدينا مشاريع ضخمة، وجهود كبيرة مشكورة لترجمة الكتب الغربية، لكن أين ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟ لماذا لا يكون هاجسنا أن نصل نحن إلى الآخر، لا العكس فقط.



الكاتب الإماراتي علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي، قال: يتهم البعض جائزة نوبل للآدب بالانحياز إلى أدباء أوروبا على حساب أدباء القارات الأخرى. وهو اتهام تؤيده قائمة الفائزين بالجائزة منذ إنشائها في 1901 وحتى اليوم، حيث يمثل أدباء أوروبا النسبة الغالبة من الفائزين. وفي رأيي أن الأدب الأوروبي، كان هو السائد عالمياً عند نشأة الجائزة، في حين أن أدب القارات الأخرى لم يكن يصل أوروبا مترجماً.

وعلى مدى 12 عاماً من سنوات الجائزة الأولى، فاز بها أدباء أوروبيون، حتى جاء الشاعر الهندي روبندرونات طاغور، ليكسر هذا الاحتكار، ويفوز بالدورة الثالثة عشرة من الجائزة في 1913 م، لتعود الجائزة بعدها إلى حضن أدباء أوروبا حتى 1930، الذي فاز فيه الأديب الأمريكي سنكلير لويس، وانحازت الجائزة مرة واحدة ويتيمة للأدباء العرب، عندما فاز بها الأديب المصري نجيب محفوظ في 1988 م.



مراهنات

وأضاف: «في اعتقادي أن هناك أدباء كباراً من قارات غير أوروبا يستحقون الجائزة، ففي اليابان، على سبيل المثال، لا يكون السؤال في بداية الخريف من كل عام: من سيفوز بجائزة نوبل للأدب هذا العام؟ وإنما: هل يفوز هاروكي موراكامي بجائزة نوبل هذا العام؟ لكن موراكامي عندما سئل عن الجائزة ومشاعره، وهو يرشح لها كل عام تقريباً، قال: هذا الأمر يزعجني بشدة، أنا لست فرساً في سباق ليتراهن الناس على فوزي بالجائزة».



وأوضح الهاملي أن موراكامي هو أشهر روائي ياباني حالياً، وأكثر الروائيين مبيعاً في العالم، وروايته الأخيرة «تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه»، صدرت الطبعة الثانية منها في اليوم نفسه الذي صدرت فيه الطبعة الأولى، بسبب نفادها خلال ساعات قليلة من نزولها إلى الأسواق. وتساءل الهاملي: هل هناك عدالة فعلاً في اختيار الفائزين بالجائزة؟.



مخاطبة الذات

الكاتب المصري الدكتور أسامة الشاذلي، أكد أن هناك انحيازاً في هذه الجائزة، لكن ليس سببه التعمد، بقدر ما سببه الجهل بما نقدمه نحن كعرب، فنحن حتى الآن كشعوب عربية أو غير متحدثة بالإنجليزية، ما زلنا نخاطب بعضنا البعض، ولا نقوم بقدر كبير من ترجمة أعمالنا، لنقدم منتجاً للجميع، نخاطب به الآخر. ما زلنا حتى الآن نسير في ركاب مخاطبة الذات، دون محاولة مخاطبة الآخر بأعمال تمسهم.



وقال: «نحن محاصرون إلى حد كبير بمشاكلنا، وأغلب إنتاجنا ينحصر في مشاكلنا الداخلية. لدينا عقبات في الترجمة، حيث لا نقدم أعمالنا للآخر لتكون مقبولة ومعروفة لديهم، والمعروف أن قواعد الجائزة تقوم على أساس أن تعمل هيئات مسؤولة في كل بلد على ترشيح الكتّاب الذين ترى أنهم يستحقون الفوز عن مجمل أعمالهم، لا مجرد عمل أو اثنين، وأعتقد أن من الضروري أن يكون هناك ممثلون لهذه اللجان في كل البلدان العربية، ويكون هناك اطلاع على مختلف الأعمال، لا في الرواية فقط، بل الأعمال الكبرى التي تتحدث عن الإنسانية بمجمل عام، ومختلف فروع الثقافة لا الرواية فقط».



معايير

الكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي، ترى أن هناك انحيازاً واضحاً وملحوظاً في جائزة نوبل للآداب تجاه ثقافات معينة، وخاصة الغربية، حيث تميل الجائزة إلى تكريم كتاب من أوروبا وأمريكا، مرجعة ذلك إلى عدة أسباب، منها التاريخ والتأثير الثقافي، حيث لهما قوة على الأدب العالمي، ما يجعل الأدباء الغربيين أكثر شهرة وانتشاراً، وهو ما جعل أعضاء اللجنة الخاصة بالتحكيم، يميلون إلى اختيار كتّاب ينتمون إلى ثقافات مألوفة لهم، أو تتماشى مع معايير أدبية معينة نشأت في الغرب.



وأكدت أن هذا لا يعني أن الأدب غير الغربي ليس ذا قيمة، بل يعكس في بعض الأحيان الفجوة الثقافية، أو التحيز غير المقصود، الذي قد يؤثر في عملية الاختيار. كذلك اللغة والترجمة، يعتبران من التحديات التي قد توثر في عملية الاختيار، فأغلبية الأعمال التي تقدم من لغات مختلفة، قد تترجم، وتؤثر طريقة الترجمة في توصيل المعلومة، فبدلاً من قراءة النص الأدبي من كاتبه، تتم ترجمته، ما يؤثر في جودة الأعمال وطرحها لدى لجنة التحكيم، لكن الكتب المكتوبة بالإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، غالباً ما تكون أكثر وصولاً للجنة، ما يؤثر في خياراتها.



مسؤولية

وأوضحت أن هذا الانحياز يمكن أن يؤدي إلى تجاهل الأصوات الأدبية المهمة، من دول مثل الصين أو اليابان، والعديد من الدول الأفريقية، ما يحد من تنوع الأدب المعترف به عالميا، مضيفة: «يمكن القول إن أعضاء لجنة التحكيم في الجوائز العالمية، مثل نوبل، يتحملون جزءاً من المسؤولية، عن عدم تمثيل ثقافات معينة بشكل كافٍ، فعندما تقتصر الأعمال المرشحة على تلك المكتوبة باللغة الأصلية للجنة، أو بلغات معينة، مثل الإنجليزية، فإن هذا قد يؤدي إلى تجاهل أو تهميش أعمال أدبية قوية، من ثقافات، منها أن كل الأعمال الأدبية لا تُترجم بشكل جيد، وقد لا تنقل الروح أو الأسلوب الأصليين، ما يجعلها أقل جذباً للجنة، وقد يفتقر أعضاء اللجنة إلى المعرفة الكافية بالثقافات الأخرى، ما يجعلهم أقل قدرة على تقدير أعماله، يمكن أن تتأثر اختيارات الأعضاء بأذواقهم الشخصية وتجاربهم، ما يؤدي إلى تفضيل أعمال من ثقافات مألوفة».