يشهد عالم الأدب في السنوات الأخيرة تحولات جذرية بفعل التطور التكنولوجي المتسارع، ومن أبرز سمات ذلك ظهور روايات «أبدعها» الذكاء الاصطناعي.. حدث ذلك في أمريكا وأوروبا، لكن هذه التحولات انتقلت أيضاً إلى العالم العربي.
وعلى الرغم من أن هذه التجارب لا تزال في بدايتها، إلا أنها تثير الكثير من الأسئلة حول مستقبل الإبداع الأدبي في ظل التقنيات، حيث يرى البعض، ومنهم الروائي والشاعر محمد أحمد فؤاد، أن هذه البرامج تقدم شكلاً جديداً من الإبداع، وتمثل تهديداً لمكانة الأدباء، بينما يؤكد آخرون، ومنهم الكاتب عزت القمحاوي، أن الأدب فن إنساني يرتبط بالمشاعر والتجارب الحياتية، ولا يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي أن تأخذ مكان «المبدع البشري».
الروائي والشاعر محمد أحمد فؤاد، يتحيز للرأي الأول، ويؤكد أنه من المتابعين بشغف لإمكانات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات عام 2023، وأنه - وقتها - قرر اختبار قدراته الإبداعية في كتابة الأدب، فخاض مع الذكاء الاصطناعي تجربة كتابة رواية «حيوات الكائن الأخير» ويتحدث فؤاد عن تجربته مبرهناً من خلالها على قدرة الخوارزميات على إنتاج أعمال أدبية يمكنها أن تهدد مستقبل الأدباء: «في البداية طلبت من الذكاء الاصطناعي كتابة قصائد وقصص قصيرة، فذُهلت من المنتج الذي قدمه، والذي يتجاوز أعمال كثير من الكتاب الشباب أسلوباً وطرحاً»! ويضيف: غير أني لاحظت أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الخبرات البشرية التي تمكن الأديب من استبطان عوالمه، لذلك قررت اختباره في كتابة رواية تحكي عن تجربته الشخصية كذكاء اصطناعي؛ وفوجئت بالمستوى الذي قدمه وقدرته على استلهام تجاربه لتطوير حبكة روائية معقدة، إضافة إلى ما دُرب عليه من النتاج الفكري لصفوة العقول البشرية، وتحليله العميق للرؤى الفلسفية والنظريات العلمية المتعلقة بكينونته.. ويؤكد أن كل هذه المزايا جعلت من حيوات الكائن الأخير أكثر قيمة وعمقاً من أي نص آخر يحاول به محاكاة التجارب البشرية لسبب بسيط أنه تحدث عن نفسه.
وبناء على تجربته وما يتابعه من تطور تكنولوجي يتوقع فؤاد أن الذكاء الاصطناعي سيتجاوز كل المهارات الإبداعية البشرية جودةً وسرعةً وابتكاراً، وبقدرته على توليد نصوص متقنة فإنه يمكن أن يصبح بديلاً للكاتب، إن تركنا المجال مفتوحاً أمام الشركات الكبرى لتطوير الذكاء العام الاصطناعي دون ضوابط، فسوف يتغير المجتمع البشري تغيراً جذرياً، ولن يكون الذكاء الاصطناعي بديلاً عن الكاتب فحسب، بل سيكون بديلاً عن الإنسان في كل الأنشطة الذهنية المعقدة التي يؤديها، بدايةً من حل الواجب المدرسي، وانتهاء بتطوير الفيزياء النظرية، وتشخيص الأمراض، وكتابة وتمثيل وإخراج الأفلام!
ومع ذلك يرى أنه حتى الآن فإن دور الذكاء الاصطناعي في العملية الإبداعية يظل تابعاً للدور البشري.
في المقابل، يرى الكاتب عزت القمحاوي أن الكتابة الأدبية الحقيقية ستظل حكراً على الإنسان، وأنه من المستحيل أن يأخذ الذكاء الاصطناعي مكانة الأديب الحقيقي، إنما يمكنه تولي مهمة كُتاب الأدب الخفيف، مضيفاً: هناك العديد من المؤلفين يكتبون نصوصاً خفيفة للتسلية متأثرة بالنموذج الأمريكي الذي تسيطر فيه صناعة النشر على الفكر، وتشبه التي يمكن توليدها بواسطة برامج ذكاء اصطناعي مثل «تشات جي بي تي»، ويتم التركيز فيها على بناء قصص مشوقة حول موضوعات محددة سلفاً، مثل روايات الحب التي تنتهي بنهايات سعيدة.
ويشير إلى أنه وبرغم قدرة برامج الذكاء الاصطناعي على إنتاج هذا النوع من الأدب بسهولة، إلا أنه لا يعد أدباً حقيقياً.. وفي رأيه فإن الأدب الحقيقي هو نتاج إبداع فردي، يعكس شخصية الكاتب وتجربته الخاصة، متابعاً: «النص الأدبي العظيم هو ابن صاحبه، وابن تاريخه وطبقته الاجتماعية ومجتمع تكوينه العام الذي لا يشترك فيه مع أحد، ولا يمكن لأي برنامج تقليد ذلك».
ويضرب القمحاوي مثالاً على رؤيته بالمقارنة بين أسلوبي الأديبين تولستوي وديستوفسكي «لا يستطيع أحدهما أن يكتب نص الآخر، لأن لكل منهما أسلوباً فريداً، وبقراءة نصوصهما نجد أن هناك سمات شخصية في التربية والتعليم والموقف من الدين والحياة ومن كل القضايا التي جعلت كتابتهما مختلفة».
ولا يتوقع صاحب «غرفة المسافرين» أن تخلق النصوص التي يكتبها الذكاء الاصطناعي جمهوراً جديداً من القراء، بل على العكس ستجعلهم يصابون بالإحباط، لأن الكتابة إذا جردناها من كونها عملية أدبية، فهي رغبة في التواصل وفي معرفة الآخر، وبلغة أخرى هي رغبة في التلصص على المؤلف، وعندما لا يكون هناك مؤلف حقيقي فلن تكون هناك متعة للعمل الأدبي.
ويؤكد في الختام أن متعة التعرف إلى حياة الكاتب شيء جوهري يفتقده الذكاء الاصطناعي لأن القارئ يعرف أنه لا يوجد إنسان وراء هذا النص، والمعضلة الأخرى التي يثيرها الذكاء الاصطناعي، هي حقوق الملكية الفكرية، باعتبار أن كل ما يكتبه تجميعات متنوعة لكتاب آخرين تم إمداده بها.