يقال إننا نعيش في عصر الرواية، وها هي الرواية تأتي لتثبت وجودها على أراضٍ صلبة في واقع ثقافي يحمل العديد من الفنون الأخرى، إلا أن «الرواية» تقف شامخة أمام جميع فنون الأدب محتفية بنجاحها وتفوقها عليها، وبقائها رغم تغير الظروف على مر العصور.

وخلال الاحتفاء بالأسبوع العالمي للرواية، استطلعت «البيان» آراء أبرز كتاب الرواية وعشاقها في الدولة لمعرفة سبب كبر حظ الرواية بين مختلف الفنون الثقافية الأخرى، وبقائها على مر الزمن، والاحتفاء بها من قبل كبرى الجوائز العالمية بشكل خاص يفوق غيرها من صنوف الأدب.

تيار

الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان أكدت لـ«البيان» أن ثمة اتجاهاً بشكل عام بين الناس منحازاً للرواية، ولا يقتصر ذلك على الجوائز فقط. وأضافت: «وأتصور أن للرواية الحظ الأوفر من القراءات على مستوى فردي، مثلاً أندية الكتب والقراء والجوائز المحلية.

وأنا مثلاً لا أبرئ نفسي، فأنا لدي صالون أدبي، وخلال 5 سنوات من القراءة والمناقشة واللقاءات، أستطيع أن أقول إن حظ القصة القصيرة كان مناقشتين لا أكثر، أما الشعر فلم تكن له جلسة». وتتساءل: لكن هل هو انحياز مقصود، هل قصدت أن أقصي الشعر أو القصة القصيرة لسبب ما معلوم في داخلي وأخص الرواية بالنقاشات، أم لأني مستسلمة لتيار يدفع باتجاه الرواية؟

وقالت: «كقارئ تجد نفسك محاطاً دائماً بأخبار تعتني بشؤون الرواية، فالنقاد يهتمون بنقد الرواية وتحليلها، مع أن مسماهم نقاد أدبيون، والأدب ليس رواية فقط. وهذا لا يعمم على الجميع، ولكني أتكلم عن العموم.

فأغلب ما يتناولونه عن الرواية والروائيين، وكذلك في الأخبار والصحافة هناك احتفاء خاص بالرواية، ولا نجد مستوى استقبال أو احتفاء الصحافة والقراء وأندية الكتب والمثقفين بجائزة للقصة القصيرة هو مستوى الاحتفاء نفسه بالرواية وجوائزها».

مأساة القصة

وأكدت سلطان أنه لم يناقش أحد لماذا، مع أن الأصل هو القصة وليس الرواية. القصة القصيرة هي الأدب الأكثر تاريخاً من الرواية، ففي روسيا يحتفون بتولستوي وغوركي وغيرهما، لكن الذي أفرزهما هو قاص وليس روائياً، القصة القصيرة ظهرت في روسيا ورائدها أنطون تشيخوف، لكن الناس لا يقرأون لتشيخوف، بل يقرأون للروائيين.

هذا على مستوى العالم، ونتدرج إلى الأعلى نجد قاعدة القراء، وأندية القراءة والصحافة الثقافية والصحافيين والنقاد الأدبيين يتناولون في معظم الوقت الرواية، نحن في زمن الرواية بلا شك.

وأشارت إلى أننا نسينا المسرح، متسائلة: «من يتذكر اليوم أن هناك مسرحاً ومسرحيات؟ من يتذكر توفيق الحكيم ومسرحه العظيم؟ هل تم عمل جائزة للمسرح والمسرحيات وتم الاحتفاء بها؟ برأيي هناك إبهار ووهج تمنحه الرواية للجوائز والأشخاص الذين يتعاملون معها.

ولذلك ما إن نرى ظهور قاص إلا سرعان ما يتحول إلى روائي. الكل يريد أن يكون روائياً؛ لأنهم يرون أنك تصبح نجماً عندما تكون روائياً، ولا يكاد أحد يعرفك عندما تكون قاصاً، سوى أصدقائك والمهتمين، ومثلاً لا تحظى جائزة نجيب محفوظ للقصة القصيرة أو جائزة الملتقى للقصة في الكويت، وغيرهما من جوائز القصة الأخرى بالشهرة التي تحظى بها الجوائز المخصصة للرواية».

ذاكرة وتاريخ

من جهته أكد الكاتب الإماراتي علي أبو الريش أن الرواية ليست مجرد كتابة أدبية، لكنها ديوان الأدب؛ لذلك لا بد على العرب أن يحتفوا بها قبل العالم كله؛ لأنها تعنيهم في الأساس؛ فالرواية هي استدعاء للذاكرة والتاريخ العربي، ومثلما بدأت القصة في تكوين هذه الجمهورية الإنسانية العالمية، جاءت الرواية بنت الخرافة، والخرافة وليدة الفلسفة، والفلسفة ليست حقيقة موضوعية وإنما هي طريقة تفكير.

وأشار أبو الريش إلى أن الإنسان من خلال الرواية لا يبحث عن العالم، بل يبحث عن نفسه من خلال هذا العالم، من هنا تأتي أهمية العمل الروائي الذي يجعل الإنسان أكثر تألقاً وأكثر تأملاً في وجوده، فالكاتب الروائي عندما يكتب الرواية لا يكتبها لمجرد المتعة، وإنما لإثبات الوجود له وللقارئ أساساً، وعندما نتكلم عن القصة القصيرة نرى أنها مجرد ومضة، لا تستطيع أن تقدم الإجابة الكاملة عن سؤال الوجود «من أنا» أساساً، مهما بلغت من بهاء وبلاغة وحصافة.

وفي حين أن الرواية هي محيط، فإن القصة القصيرة مجرد بحيرة في هذا المحيط، وهذا ليس انتقاصاً من القصة القصيرة، فهما في النهاية لونان أدبيان يكمل أحدهما الآخر؛ ولذلك نرى أن العديد من كتاب الرواية بدأوا بكتابة القصة، لكن تطور الفكر لديهم عن أنفسهم والعالم حتى استطاعوا أن يقولوا للقصة القصيرة: كفى! أنت لا تستطيعين الوفاء بما نحتاج إليه؛ ولهذا استغرق الكتاب زمناً طويلاً للوصول إلى مفهوم الرواية.

ثورة «المخيال»

وأضاف: «الإنسان مر بثورات عديدة إلى أن وصل إلى ثورة «المخيال الأدبي»، وهي كلمة مشتقة من الخيال الذي استطاع عن طريقه أن يعرف وجوده، الإنسان بدأ بالخرافة، ومنها نشأت الرواية، ولطالما ظن الناس أن الخرافة خارجة عن العقل، لكنها في الأساس تأتي من صلب العقل.

فكل ما أنتجه الإنسان واخترعه كان أساسه الخرافة. الآن لدينا الطيران الذي وصل إلى هذا المستوى من الخيال، بدأ بفكرة خرافية في عقل عباس بن فرناس، الذي وضع جناحين وفكر في الطيران، وفشل، لكن في النهاية تطورت هذه الخرافة، تطورت وأصبحت فكرة حية يستمتع بها الإنسان.

والآن مثلاً كل الاختراعات والإبداعات في العالم بدأت من عوالم الرواية، والروايات في العالم تمت الاستفادة منها في صناعات تخدم الإنسان على الرغم من أنها بدأت من خيال كاتب.

لكن الخيال تحول إلى واقع، وأي عمل روائي مهما كان فيه من خيال فإنه نبع من الواقع الذي يعيشه الإنسان؛ لذا يجب أن لا نستغرب عندما تحتفي الإنسانية جمعاء بالرواية، وأنا لا أقلل من قيمة الشعر، ففيه من التعابير والمفاهيم والخيال الكثير، لكنه كان مفيداً وكافياً في عصر ما، وزمن ما، ولم يعد الآن يكفي من وجهة نظري. لا تكفي القصيدة خيال الإنسان وطموحاته، نحتاج إلى وعاء أكبر، كما ذكرت، كالرواية».