يشق مبنى الخط العربي «ديواني» لمالكه المصمم الإماراتي هشام المظلوم، في الشارقة، طريقه إلى عوالم الإبداع المتقن لحفظ وتوثيق مسارات اللغة العربية وتاريخها العريق الذي جاب العالم شرقاً وغرباً. واستمد الخط العربي أصالة سماته من الترحال والأسفار المتنقلة بين مدن العالم الإسلامي، ويحتفي المبنى في كل ركن من أركانه ببصمة هذا الفن العريق، حيث تحول إلى متحف للفنون الحرفية والإسلامية، واستطاع مؤخراً أن يحصد جائزتين مرموقتين على مستوى العالم، كأفضل تصميم عمارة معاصرة، والمركز الأول كأفضل تصوير فوتوغرافي لمبنى معاصر. ويحتوي المبنى على مجموعة مميزة من الأعمال التاريخية تصل إلى 200 عمل إبداعي لأكثر من 85 خطاطاً وفناناً من رواد الخط العربي.

فخامة القصور



وحول أهمية مبنى «ديواني» يؤكد المالك الفنان والمصمم الإماراتي هشام المظلوم لـ«البيان» أن المبنى موسوعة شاملة لكافة أشكال الخط والفنون الإسلامية، وهو مزيج متناغم من الشكل والفن، يقدم مثالاً حياً على كيفية أن الخط العربي يمكن أن يؤثر ويثري البيئة، ولقد تم تصميمه من العديد من الخطوات والعمليات الفنية المعقدة، والتي انعكست على جماليات الجدران والسقوف والأرضيات التي تحمل فخامة القصور العربية القديمة، حيث تعكس الخطوط المعقدة والمنحنيات الأنيقة للخط العربي هوية ثقافية عميقة.



تقنيات متوارثة

ويشير هشام إلى أن «ديواني» هو أول مبنى في العالم يتم بناؤه على هذا الشكل، موضحاً أن البناء كان مدروساً بعناية كبيرة لإبراز فنون العمارة والخط، وتمت فيه مراعاة كل تفصيل، بحيث تبدو العلاقة بينه وبين الخط تبادلية ومتناغمة، بمساعدة وتعاون مشترك مع الفنان خالد الساعي الذي رافق هذه الرحلة بما يملكه من معرفة كبيرة وأفكار مختلفة ساهمت في تكوين هذا الصرح المتكامل من البوابة الخارجية إلى أدق تفصيل.



ويتابع: أصبح المبنى نموذجاً يختصر مسيرة وتاريخ فن الخط بكل حيثياته، من حيث استعمال كل أنواع الخط كالثلث والنسخ والإجازة والديواني والجلي والكوفي بأنواعه والخط المغربي والخطوط المعاصرة، بجانب استخدام كافة التقنيات الممكنة.



مشربية الخط

وفيما يتعلق بأهمية وحضور الواجهة الرئيسة للمبنى يشير هشام إلى أنها المحور الرئيس للتعريف بهذا المشروع، ومكونة من مخطوطة بالخط الكوفي المربع للآية القرآنية (وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) خطها زهير عفانة من الأردن على 80 قطعة حجر بسماكة 10 سم مربع، وبارتفاع 3 أمتار وعرض 25 مترا، إلا أنها تمثل في الوقت ذاته «المشربية» في فن العمارة الإسلامية القديمة كاستخدام وكشكل.



ويضيف: يحتوي مبنى «ديواني» على مجموعة مميزة من الأعمال التاريخية تصل إلى 200 عمل إبداعي لأكثر من 85 خطاطاً وفناناً من رواد الخط العربي والفنانين على مر الزمان، وتمثل المدارس كافة، بما في ذلك المدرسة العثمانية والعراقية والمصرية وغيرها.



ويضيف هشام: «ديواني» يفتح أبوابه أمام جميع محبي الفنون الإسلامية والحرف العربي لتتلاقى في المبنى الفنون والحداثة بسلاسة. كما تحمل كلمة «ديواني» دلالات عميقة، تجسد مساحة قاعة المجلس المخصصة للاجتماعات العائلية والأصدقاء وكذلك الضيوف، حيث تتقوى وتتمسك الروابط العائلية.



يدمج المبنى جماليات المعمار والخط العربي في تكوين مستدام التفاصيل والحضور في المضمون والفكرة ليسرد للزائرين عمق تاريخي وفلسفي جوهرة التفاني والحرفية للصناعات الإبداعية المصنوعة يدوياً على مساحة 850 متراً مربعاً وهي المساحة الكلية للمنزل.



ويؤكد هشام أن تفاصيل «ديواني» تعيد إلى الأذهان فكرة المتحف الدائم والمتخصص في الفنون الإسلامية والخط العربي بداية من الهيكل الرئيسي والمكون من الحجر الأبيض المزين بكتابة الكوفي والمنحوتة بمهارة، والتي يرتقي باندماج عناصر هياكل أصغر من الحجر الرمادي. هذا الانطباع الأول يحدد السياق للرحلة الفنية التي تكشف عن نفسها بالداخل، حيث تم تنظيم وتخطيط البيت حول محور مركزي، مع توزيع المساحات بعناية على كلا الجانبين. ينشأ هذا الترتيب العميق من الفناءات، كل منها مصمم لأغراض محددة. من غرفة المعيشة ذات الارتفاع المزدوج التي تطل على تراس خارجي وبركة سباحة إلى فناء المجلس الخاص الذي يحتوي على منطقة جلوس منخفضة.



مزيج فريد

ولفت هشام أن «ديواني» بمثابة موسوعة شاملة لفنون الخط العربي بأشكاله الكلاسيكية والتقليدية والمعاصرة. وقد أسفرت الجهود التعاونية بين الفنانين والمهندسين المعماريين عن مزيج فريد، حيث يعمل الخط كزخرفة وعنصر تصميمي أساسي. تُعاد أعمال أصلية لفنانين مشهورين من المنطقة باستخدام الحجر أو المعادن أو الفسيفساء الزجاجية. يضمن هذا النهج الدقيق أن يحتفظ الفن بجوهره، بينما يندمج بسلاسة مع تصميم المبنى، متجاوزاً المظاهر السطحية، ويصبح جزءاً أساسياً من الفضاء السكني.