يمثل الإبداع في الإمارات جوهر الحياة ورافعة التطوير والتنمية، إذ تعنى قيادة الدولة بتعزيز مكانته وقيمته إيماناً منهم بدوره الجوهري في ترسيخ ركائز التطور وتعضيد مقومات ريادة الدولة.

وهو ما تتلقفه وتترجمه مؤسسات الدولة في استراتيجيات ومشروعات عمل فريدة من نوعها تحصن معها البيئة الإبداعية وتعزز وتثري ينابيع ومسارات الاقتصاد الإبداعي وفق نهوج عصرية، وتبرز في الخصوص مناهج ومشروعات عمل وزارة الثقافة، ومن أهمها البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع الذي يجسد التزام الدولة بدعم قطاعاتها الثقافية والإبداعية وتنميتها، والاستفادة من فرص الاستثمار في المبدعين، سعياً إلى تقوية أعمدة وأسس الاقتصاد الإبداعي المستدام.

ويضم البرنامج، الذي أطلقت الوزارة دورته الثالثة قبل أيام، مجموعة من المنح لدعم المبدعين الإماراتيين من أجل تعزيز جهودهم في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يشمل بهذا التوجه بانوراما إبداعية شاملة وجوهرية.

إذ تُقدم معه منح مالية للمبدعين الإماراتيين، لدعم مشاريعهم الإبداعية، وإتاحة الفرصة لعرض أعمالهم محلياً وإقليمياً ودولياً، والتعريف بالمواهب والإنتاج الثقافي والإبداعي في الدولة، ما يعكس التزام الوزارة بدعم وتنمية واستدامة قطاعاتها الثقافية والإبداعية، والاستفادة من فرص الاستثمار فـي المبدعين الذين يلعبون دوراً أساسياً في الجهود الوطنية لأجل بناء اقتصاد إبداعي مستدام لأجيال المستقبل.

وأكد مثقفون ومعنيون لـ «البيان» أن البرنامج ركيزة محورية في تعزيز بنى تمكين الاقتصاد الإبداعي المتفرد للدولة، لافتين إلى أهميته على صعيد اعتنائه في أهدافه بإثراء النمو الإبداعي والفكري والمهني للمبدعين الإماراتيين، والحفاظ على الهوية الوطنية والموروث الإماراتي.

إلى جانب بناء تجمع قوي للمواهب، وتوسيع شبكة الصناعات الثقافية والإبداعية المحلية في الدولة، وتقوية قيمتها الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى تشجيع الاستدامة في الممارسات الفنية للفنانين والممارسين المبدعين، من خلال استخدام المواد والعمليات الصديقة للبيئة.

تميز

واستفاد من البرنامج في دورته الأولى 26 مبدعًا ومبدعة من أصل 183 متقدمًا، فيما ساهمت الدورة الثانية بالوصول إلى 43 مبدعًا ومبدعة من أصل 224 متقدمًا، محققة نسبة نمو بلغت 160%. وبلغ إجمالي المنح المقدمة للعام الماضي 1.8 مليون درهم، فيما تم رصد 3.3 مليون درهم للدورة الثانية بنسبة نمو بلغت 183% بما يعكس حجم ومكانة البرنامج ودوره في دعم الفئات الموهوبة.

مجالات

ويشمل البرنامج عدة مجالات، أبرزها: الفنون البصرية والتصميم، والتأليف والنشر، والفنون الأدائية والمسرح، والموسيقى، والأفلام والتلفزيون، وألعاب الفيديو، والتراث الثقافي. بالإضافة إلى الفئات المتصلة بكل مجال من تلك المجالات مثل: الإبداع والإنتاج، التي خصصت لها تصل تبلغ قيمتها إلى 100 ألف درهم إماراتي، وتم تخصيصها لتمويل إنتاج أعمال فنية وإبداعية أصيلة ومبتكرة عبر وسائل مختلفة، مثل الأفلام والموسيقى والعروض، وألعاب الفيديو.

وتدعم المنحة المشروعات، التي تظهر التميز الفني والجاذبية الإبداعية والتفرد، وفي مجال الترويج للمشاركات المحلية، بما يصل إلى 80 ألف درهم، بحيث تغطي تكاليف توزيع وترويج ونشر المشاريع الإبداعية، لزيادة إبراز الأعمال الفنية المنتجة محلياً وخلق فرص للمجتمع الإبداعي.

كما تشمل مجال تنمية المهارات بمنحة تصل إلى 50 ألف درهم، تهدف إلى دعم التطوير المهني للمبدعين من خلال تطوير مهاراتهم وتنمية معارفهم، حيث تغطي المنحة رسوم البرامج المهنية قصيرة الأجل مثل الدورات المعتمدة والدبلومات المهنية في مجالات الإرشاد وتنمية المهارات، والإقامات الفنية، والتدريب المهني أو ورش العمل، والمشاركة في الندوات التي تدعم تطوير المبدع مهنياً في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية.

وكذلك بمجال السفر والتنقل الدولي بما يصل إلى 50 ألف درهم، بهدف دعم المبدعين للمشاركة في الفعاليات والفرص المتاحة من خلال تمويل تكاليف السفر والإقامة وتكاليف المشاركة لتمثيل دولة الإمارات في محافل عالمية.

تجارب

وحول آفاق وادوار البرنامج في إثراء الحراك الإبداعي، يقول الكاتب والشاعر محمد الحبسي، مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»، والذي حصل على المنحة بالبرنامج عن فئة الترويج والمشاركات المحلية، أن المنحة هذه تعطي همة وتحفيزاً للمبدع من عدة جوانب، فكم هو جميل ورائع التقدير، وخاصة إذا ما كان من جهة حكومية بارزة مثل وزارة الثقافة، ما يجعل المبدع يشعر بالتقدير والاحتضان والرعاية.

وتابع: من جانب آخر، ساهمت هذه المنحة في تسويق عملي، وهذا أمر مهم جداً يوصل العمل لأماكن وأشخاص لم يكونوا على علم ودراية به، إذ إن التسويق جزء لا يتجزأ من العملية الابداعية، لأنه يروج له، ويظهره بشكله المطلوب، ويصل لفئة كبيرة من الجمهور، ويسلط الضوء على العمل، ويوضح الهدف منه، بل ويجعله يصل لأكبر شريحة ممكنة، وهذا ما كنت أسعى إليه من هذه المنحة، لافتاً إلى أنه مهتم بالترويج للرواية التاريخية، وهي نوع الأدب الذي يمارسه.

وأضاف الحبسي : الأمر الإيجابي أيضاً أن الكثيرين يسمعون، أما من يرون فهم قلة، فلطالما سمعنا عن منح وحوافز تشجيعية للأدب والفن والثقافة، لكننا فعلياً رأينا ذلك حقيقة وعلى أرض الواقع، متجسداً بهذه المنحة الرائعة، التي تشجع وتحفز صناع الأدب والفن والثقافة على السير في طريق الإبداع، وتدعمهم في مشوارهم، حتى إن العديد من الأشخاص تواصلوا معي ليعرفوا طريقة التقديم وآلية الحصول على هذه المنحة، ما يعد حراكاً ثقافياً جميلاً، يرينا مدى الإقبال على الإبداع من قبل المهتمين.

وأشاد الحبسي بجهود ، الذين لا يكتفون بتقديم العون المادي، بل خصصوا لهم موقعاً إلكترونياً، كما أنهم يتابعون المبدع خطوة بخطوة، إلى أين وصل، وكيف تطور أداؤه وعمله، ما يعد حافزاً إيجابياً.

آفاق

الإعلامي والفنان الإماراتي إبراهيم استادي، الذي حصل على المنحة عن فئة السفر والتنقل الدولي، أكد أنها المرة الأولى التي يقدم فيها على منحة، ولطالما اعتمد على نفسه. وفي رمضان الماضي قرر أن يخوض التجربة للمرة الأولى. وهي تجربة إنتاجية بسيطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً الإنستغرام، فبدأ بعمل فوازير مصغرة، ورأى أن لها صدى كبيراً وتحظى بالتفاعل من قبل الجمهور.

وعندما تقدم بطلب المنحة من الوزارة، كان يرغب في أن يوسع من نطاق عمله الإنتاجي، وتمكن من خلال طموحه والمنحة من التحضير حالياً للموسم الثاني من «طرائف الخوالي»، التي تقدم قصصاً غير مستهلكة عن منطقة الخليج والمناطق المجاورة، ليس الهدف منها فقط سرد قصص، بل تعمل على تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة والمغلوطة، وتعيد تقديم الثقافة الجميلة التي كانت موجودة في التراث العربي الأصيل، وهو ما يحتاج لبحث وعمل طويلين.

تحدٍ

وقال: «أشعر هذه المرة بتحدٍ أكبر لأنني لم أعد لوحدي، بل أحمل على عاتقي اسم وزارة الثقافة، التي قدمت لي المنحة لتعزيز خطوتي في العمل الإنتاجي، وتجويد ما أقدمه وتجديده والعمل عليه بشكل أوسع وأجمل، وسعدت جداً بالحصول على هذه المنحة ضمن العديد من المتقدمين لها، كما أسعدني أنني كنت عند حسن الظن والاختيار، وهذه الخطوة ستفتح لي أبواباً وآفاقاً كبيرة وجديدة نحو أعمال أكثر إبداعاً».

تميز

وأكدت الفنانة عزة القبيسي التي حصلت على المنحة عن فئة الفنون البصرية والتصميم، أن المنحة كانت بمثابة المنقذ لها، حيث صادف أن تلقت دعوة للمشاركة في أحد المعارض الكبرى في مصر، وكانت بحاجة لشحن الأعمال الفنية الخاصة بها إلى هناك.

وأوصت القبيسي كافة الفنانين والمبدعين الراغبين في الدعم المادي بالتقدم للحصول على هذه المنحة المفتوحة على مختلف أنواع وأشكال المجالات الإبداعية.

آلية وإجراءات

يستهدف البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع اﻟﻨﺎﺷﺌﻴﻦ واﻟﻤﺤﺘﺮﻓﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﻲ الدوﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ، ممن لديهم خلفية أكاديمية وخبرة عملية لمدة لا تقل عن 3 سنوات، أو وجود سجل مهني حافل من الإنجازات في المجالات الإبداعية المستهدفة.

وتعتمد آلية الاختيار على مراجعة الطلبات المقدمة من قبل فريق مختص بالتقييم من قبل وزارة الثقافة، إلى جانب لجان من الخبراء في المجالات الثقافية والإبداعية، عبر ست مراحل لاختيار المرشحين النهائيين بناءً على الأحقية ومطابقة معايير البرنامج ومدى التأثير على الصناعات الثقافية والإبداعية وجودة المشاريع أو الفرص وكفاءة الأدلة.