تنطوي رمزيات دلالات النباتات ومفردات البيئة المحلية في دولة الإمارات خاصة، ومنطقة الخليج العربي عامة، على مجموعة غنية من القيم والقصص التي ترتبط بحياة الناس، إذ انعكس ذاك على شتى ميادين الحياة، وبقيت مشدودة إلى أوتار علاقة وثيقة مع قصص فرح الناس وأحزانهم، وكذا طقوس يومياتهم وأحوالهم المتنوعة، وهي في العموم، مثلت وتمثل قيمة حياتية جمالية، خلدتها الذاكرة المحلية والخليجية، عناوين براقة، تؤشر إلى جملة معانٍ أو حكايات وحالات وطقوس.

وفي السياق، تعكف الكاتبة الإماراتية الدكتورة مريم حسن الشناصي المتخصصة في العلوم البيولوجية بمجال الميكرو فلورا من جامعة غلاسكو كالدونين في المملكة المتحدة، حالياً، على دراسة رمزية النباتات في الحكايات الخليجية بشكل عام، وتحديداً الإماراتية، لتصدر قريباً كتاباً خاصاً بعنوان «رمزية النبات في الحكايات التراثية الخليجية».

وأوضحت الشناصي لـ «البيان»، أن الإمارات تمتلك إرثاً غنياً من الحكايات التراثية، منبعها الحياة اليومية ومقومات الطبيعة، فهي أرض تستيقظ على قصص تفلت من واقعها، تؤطرها ألسنة الناس عبر العصور، وفق عناصر وأبجديات حياتهم وإرثهم، تلك الحكايات التي يغذيها الناس بمشاعر الحب وأحواله.. وفق طقوس فكرية ومعتقدات تتبدل بين ردهات الزمن. وأشارت د. مريم الشناصي، إلى أن الإمارات تشتهر بالقفار والجبال والصحاري، التي تزينها نباتات وأشجار معمرة، وبعض النباتات والزهور الحولية، وأفلاج المياه، وتلك عناصر الطبيعة التي ألهمت الرواة بحكايا يدخل النبات معبراً عن الإرث التراثي والثقافي فيها.

الزعفران

وتابعت حديثها: «بعض الحكايات تشير إلى الزعفران، وهو مستورد من زهور الدول المجاورة، حيث انتقل للدولة عن طريق التبادل التجاري، والاحتكاك بالبلدان المتنوعة، لكنه يستخدم على نطاق واسع في الإمارات ومنطقة الخليج، وهو تعبير عن النصر والفوز في السباقات التراثية.. وكان يرتبط سابقاً بمجريات وقصص الحروب، وانعكس على حياة الناس وحكاياتهم الشعبية، فالزعفران مضرب الأمثال».

«الحناء»

وتحدثت الشناصي عن أحد أشهر أنواع النبات الإماراتية «الحناء»، والذي يرمز في كثير من الأحيان لطقوس الزواج والفرح والبهجة والاحتفال بالأعياد الدينية، كما أن أوراقه معروفة في الثقافة الخليجية، ولها خصوصياتها، أما «الحنوط» المكون من بعض أنواع أوراق النباتات بطقوس حزينة محددة، فتلك النباتات لها دلالات الحزن والوداع والرحيل والفراق الأبدي.

النخلة

وأردفت الشناصي: «لا تخلو بعض الحكايات من رمزية النخلة وحصاد التمور، وهي في الغالب تشير إلى البيئات الزراعية في حياتهم، وتأثير النخلة كأشجار/ نباتات تثمر موسمياً، وترتبط بأهازيج وعادات متوارثة، لها دلالات للاستقرار البشري، والاكتفاء من المؤونة، وتأثيرها في حياتهم الاجتماعية، بالإضافة إلى بعض الأجزاء والمصطلحات والكلمات التي ترتبط بالنخلة، مثل «الخصف» و«الجريد»، بعكس حياة الرعاة والرعي، التي ترتبط بنباتات موسم المطر وظهور العشب، وازدهار المرعي، وبالتالي، تأثير ذلك في بناء الحكاية».

وتحكي الشناصي عن الرابط بين الحياة الزراعية والرعي، فزراعة البذور التي تفيد، كونها أعلافاً، ضرورة في حياة الناس، وتشكل قيمة أساسية لمختلف أنواع المواشي، مثل: «الجت» أي البرسيم، ويرد ذكر هذا البنات في الحكاية الشعبية والتراث الأدبي، كلما تطرقنا إلى الحياة الزراعية.

وتلفت الشناصي إلى أن أصل الحياة النباتية البرية والزراعية، نوع التربة والمياه، وبالتالي، استحوذت الأفلاج وعيون الماء على نصيب كبير في الحكاية والأدب الإماراتي، فالمياه تعتبر نواة الحياة ومنبعها، وتتشعب القصص وتتداخل عند ذكر المياه، لأنها بؤرة الاستيطان البشري، والنشأة الاجتماعية والاقتصادية، التي تنعكس على التراث والأدب.

وتبين الدكتورة الشناصي، أن بعض الفواكه الإماراتية تعبّر عن موقع الحكاية، مثل الرمان والموز، فهي ترمز إلى بعض المواقع الجغرافية التي تشتهر بتلك الفواكه في المنطقة، وانعكاساتها على الأدب الخليجي، موضحة أنه بالتركيز على أحد النباتات المعمرة، نرى أنه تشير الدراسات الأركيولوجية إلى وجودها في المنطقة لأكثر من 5 آلاف عام، وهي شجرة السدر المعمرة، التي تستخدم أوراقها وثمارها «النبق»، وجذوعها في بعض الأحيان لأغراض محددة.

وتضيف الشناصي: إنها شجرة بالتأكيد تدور حولها وعنها العديد من الحكايات، والتي يطلق الخيال العنان فيها، وتتناقلها الألسن بمزيد من الإثارة.

كذلك، فإن لزهور الرياحين أو ما يعرف بأوراق نبات «المشموم» في التراث الإماراتي دلالات ورموزاً، وتقاليد متوارثة عبر الأجيال، فهي رمز للابتهاج والفرح، وعادة تكون ضمن طقوس الزواج التقليدية، فتلك النبتة تكون ضمن الموروث الإماراتي، ورمز للضيافة والترحاب، ولمباركة العروسين بتزيين العروس.

وأشارت مريم الشناصي إلى امتداد تأثيرات ورمزية النبات للأسواق المحلية في الوقت المعاصر، مؤكدة أنها في الدراسات البحثية التي تجريها، تركز على أشجار السدر، والحناء، واللوز، واللبان، والورد، وأهميتها كعناصر أساسية في الطبيعة، التي تشكلت منها طرق التجارة والحضارة والزينة، وجزء من الموروث الاجتماعي، وانعكاساتها في الأدب الخليجي والحكايات التراثية.