الكاتب والباحث المصري إيهاب الملاح، المتخصص في التراث والتاريخ الثقافي، يعمل نائباً لرئيس التحرير في «مجلة أكتوبر»، صدر له العديد من المؤلفات من بينها كتاب «سيرة الضمير المصري.. معالم في تاريخ الفكر المصري الحديث»، وكتاب «طه حسين.. تجديد ذكرى عميد الأدب العربي»، الذي حصل به على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2022.

تحدث الملاح لهذه المساحة في «البيان»، مستعرضاً علاقته بالدولة، وانطباعاته القوية عن دبي والحياة الثقافية فيها..

بدايات

في مستهل حديثه، قال الملاح الذي بدأ مهنته الصحافية في 2005 بالنشر في «مجلة أكتوبر»: «من حسن حظي أني أكتب في جريدة إماراتية، وهذه الفرصة أتاحت لي البدء في كتابة الموضوعات ذات الأفق المتماسك ما بين التراث والمعاصرة والنقد الأدبي، ومن هنا بدأت انتظم في الكتابة والنشر حتى وقتنا هذا، داخل وخارج مصر».

وبما يخص النشر المنتظم، أشار الملاح إلى أنه منذ 2015 صدر أول كتاب له بعنوان «مشاغبات مع الكتب»، وهو عبارة عن مجموعة مختارة مما نشره بشكل بسيط، لكن الكتاب جاء مهماً لأنه يضيء على تاريخ مؤسسة «دار المعارف»، ويتناول تاريخ المؤسسات الثقافية عموماً، لأن «دار المعارف» أكثر من كونها دار نشر، بل هي مؤسسة ثقافية رائدة يتجاوز عمرها 135 عاماً.

وواكبت مصر الحديثة والحراك المعاصر للثقافة العربية منذ عصر التنوير، وارتبطت بأسماء مثقفين ومفكرين وكتّاب وشعراء كبار، ما زالت أسماؤهم وأعمالهم تعيش معنا إلى اليوم.

وأضاف: «ومع ذلك، فقد كان كتاباً منهجياً ورصيناً. وتوالت بعده الأعمال، حيث صدر لي أكثر من 20 كتاباً في الدراسات الأدبية والنقدية وتاريخ المؤسسات الثقافية والتراث العربي والاهتمام البحثي وإعادة نشر مجموعة من الكتب المهمة في تاريخ الفكر والثقافة العربية».

وجهة ثقافية



وقال الملاح: «لم أسافر بكثافة إلى بلد بقدر ما سافرت إلى الإمارات، لأن لي علاقة وثيقة بها، خاصة في السنوات العشر الأخيرة، وربما لأن الإمارات عموماً أصبحت مركزاً ثقافياً حقيقياً، ففيها كم كبير جاذب من الفعاليات والمعارض والملتقيات وكل ما يتعلق بالمعارف والفنون، ونتفق جميعاً على أن هناك مدناً ثقافية مهمة في الإمارات:

الشارقة باعتبارها أيقونة للثقافة العربية الإسلامية الأصيلة والتراث العربي وصونه، وأبوظبي حاضنة المعارض الكبرى كمعرض الكتاب والمتاحف الفنية وغيرها، ثم نأتي إلى دبي وهي الوسط الذي يجتمع فيه الأمران:

التراث والمعاصرة، بطابع عالمي منفتح، أي أنها قادرة على استيعاب واحتضان أي فئة بغض النظر عن العرق والطائفة واللون والجنس، مع توفر الأمن والتسامح اللذين يحظى بهما جميع من يقيم على أرضها، وتقدم لهم الفرصة ليقدموا أفضل ما عندهم.

وبالنسبة لي، تذكرني دبي بحراكها ومسعاها الثقافي، بالإسكندرية في أزهى عصورها، حينما كانت حاضنة حقيقية لكل أبناء الجنسيات والثقافات الذين تلاقوا وتبادلوا المعارف، ونشأت بينهم حالة إنسانية خلاقة. أعتقد أن دبي واحدة من أهم المراكز الثقافية ليس فقط على المستوى العربي بل عالمياً».

وأوضح الملاح أن معظم الدعوات التي شارك فيها كانت في الشارقة وأبوظبي، لكن دبي هي واسطة العقد، وهي خياره الشخصي الذي يحرص دوماً على المرور بها والتعرف في كل مرة على ما تقدمه في مجالات الفن والثقافة والأدب، مضيفاً:

«دبي حاضرة بمؤسساتها وأنشطتها أينما كنا، فمؤخراً شهدت في مصر حفل تحدي القراءة العربي الذي تنظمه «مبادرات محمد بن راشد العالمية» في مختلف دول العالم، وتجاوزت إشعاعاته دولة الإمارات «أي العالم»، ودائماً ما أقف عند هذه النقطة حين نتكلم عن الممارسة الثقافية في دبي المرتبطة بثقافة وفكر قيادتها الرشيدة وأبنائها الطموحين».

جسور المعرفة

وقال الملاح: «تمارس دبي دوراً ثقافياً حقيقياً في مد جسور المعرفة إلى مختلف دول العالم العربي. وهي تجربة استوقفتني كثيراً، وكتبت عنها مقالاً أعتز به، تحدثت فيه كيف تكون هناك طريقة مقوننة للقراءة في دبي في حين لم أسمع في حياتي عن أي بلد سن قانوناً للقراءة أو مبادرة شبيهة تصدره أعلى هيئة تأسيسية في الدولة، وتقدم رؤية واضحة لدعم القراءة والحض عليها ومكافأة القارئين أيضاً. وأنا حقيقة شديد الاعتزاز والفرح بهذه المبادرة التي أعلم يقيناً أن دبي لن تقف عندها، وستواصل مفاجأة العالم بالمزيد من المبادرات الإبداعية».

وقال الملاح: «دائماً دبي لديها القدرة على ابتكار المبادرات التي تستوعب أصحاب الخبرات والكفاءات والإبداعات والإنجازات، لأن هذا فقط ما يجعل أي مدينة في العالم تحقق خلال سنوات محدودة ما يمكن إنجازه في سنوات طويلة».