رقصة بألف كلمة عزفت على أوتار القلب وحنايا الوجع الدفين. هكذا كانت البداية التي طافت أرجاء خشبة مسرح مهرجان دبي لمسرح الشباب، في يومه الرابع، عبر عرض «هل أراك؟» للكاتب المسرحي أحمد ماجد وإخراج وسينوغرافيا سمير البلوشي، ومن إنتاج مسرح خورفكان للفنون.

من المثير، ألا نبدأ الحكاية وسرديتها دون التوقف قليلاً عند المشهد الأول، كونه نواة تأسيسية لبيئة العمل، وانعكاساً لأصالته الملحمية بثنائية جمالية للتعبير الأدائي الراقص أدتاها باقتدار الممثلة عذاري السويدى.

في دور «ليلى» والممثلة سارة السعدي في دور «سلمى»، تماهت مع مشاهد السينوغرافيا لبيت قديم مهدم في مساء متشح بالسواد، وهو ما أسهم في تفاعل الجمهور مع القيمة الجمالية لهذا الأداء الاحترافي، الذي تجاور حراك الجسد ليصبح لغة تعبيرية بليغة تنقل المشاعر المعقدة وتبني عالماً متكاملاً من التوتر.

وقد تم استغلال الفضاء المسرحي لتعزيز الأجواء الدرامية، حيث توحي الصالة المهجورة بالإحساس بالعزلة والانفصال، بينما تتحرك الشخصيات فيها كأنها تبحث عن مخرج من ماضيها المعقد.

أسرار مدفونة

مهد الانسجام التام بين الجسد والروح للشخصيات الأنثوية في العمل، «سلمى» و«ليلى» الابنة، لبداية تكشف الخطوط الأولى في النص لظهور الممثل عبدالعزيز حبيب في شخصية «سليمان»، ابن الأخ العائد بعد غياب طويل وهو يحمل في طيات حديثه وعوداً وأسراراً مدفونة حول وفاه والده «يونس»، الذي أوصاه بالبحث عن عائلته وطلب الصفح، بشخصيته المعقدة. وهنا، أبدع عبدالعزيز حبيب في إظهار التناقضات الداخلية، من خلال نبرة صوته وتعبيراته المتغيرة.

يُستقبل سليمان بشكوك وعدائية من «سلمى»، زوجة العم «سليم»، التي تحاول حماية ما تبقى من عائلتها وتراثها الفني في ظل الفوضى والخراب الذي حلّ بهم. تقول سلمى:

«حركة طائشة كل ما يفصل بينك وبين العالم الآخر»، ما يعكس حالة الخوف والترقب التي تعيشها. سلمى، التي تعيش في خوف مستمر من زوار الليل، تجد صعوبة في تصديق نوايا سليمان.

تتصاعد المواجهة بينهما لتكشف عن ماضٍ مليء بالألم والخيانات، حيث يتهم «سليمان» بالبحث عن ثروة العائلة المتمثلة في اللوحات الفنية التي يحتفظ بها عمه سليم.

وببراعة الأداء والانفعالات المتوازنة ينقل أبطال العمل الجمهور إلى أجواء المنزل المتهالك والمشحونة بالتوتر والشكوك، حيث تتصارع الشخصيات على ما تبقى من أمل وذكريات.

تمثل سلمى القوة والصلابة في مواجهة محاولات سليمان للهيمنة. وتُظهر سلمى قوتها في عدة مواقف عندما تقول: «لن تتمكنوا من التصرف بها بدوني.

وهنا يحاول «سليمان» إقناع «سلمى» و«ليلى» ببيع ما تبقى من اللوحات، بدعوى أنها يمكن أن تكون مخرجهم من حياتهم الصعبة، لكن سليم، رغم فقدانه للبصر، يمتلك بصيرة نافذة ويرفض التخلي عن كنوزه الفنية.

وتتجلى في النص رمزية اللوحات التي يحتفظ بها «سليم»، الرجل الضرير، وتشكل محور الصراع. وهنا تبرز شخصية «سليم» الذي أدى دوره ببراعة الممثل علي ديدة موسى.

أعباء نفسية

أما «ليلى»، ابنة سليم، التي أبدعت الممثلة عذاري السويدي في تقمص شخصيتها، التي تحمل روحها أعباء نفسية لا يستهان بها، وأصابتها «باضطراب شد الشعر» في متلازمة حركية أضافت أبعاداً للشخصية، فهي في الوقت ذاته تمثل البراءة والأمل في مستقبل أفضل.

لكنها تجد نفسها محاصرة بين الولاء لعائلتها ورغبتها في فهم العالم من حولها. وتتجلى المأساة في المشهد الأخير في صراع «ليلى» الداخلي ومحاولاتها الهروب من واقعها المرير للحفاظ على ما تبقى لها من كرامة وإنسانية في عالم مضطرب.