تبدو الولايات المتحدة على يقين هذه المرة أن إسرائيل سترد على إيران بضربة قوية، رداً على وابل الصواريخ الإيرانية التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل. إلا أن إدارة الرئيس جو بايدن تظهر في بياناتها المعلنة أنها تكافح من أجل استثناء المنشآت النووية والنفطية الإيرانية من الضربة الإسرائيلية، لأن من شأن ذلك أن يدفع طهران إلى رد على الرد مجدداً، وهكذا تدخل المنطقة في أجواء حرب شاملة.

رغم ذلك، لا يأخذ القادة الإسرائيليون الحسابات الأمريكية والدولية في الحسبان وهم يقلبون خياراتهم للرد على الصواريخ الإيرانية، ويرى العديد من هؤلاء أن إسرائيل أمام فرصة تاريخية لن تكرر لتسوية حسابها مع طهران لمرة واحدة وبشكل جذري، بتدمير قدراتها النووية وتعطيل مصادر الطاقة بما يدفع الدولة الإيرانية إلى شلل اقتصادي فوري.

وكتب ياروسلاف تروفيموف في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" اليوم، أن في ظل كفاح اثنين من أقوى حلفاء إيران ــ حزب الله وحماس ــ من أجل إنقاذ وجودهما، فقدت طهران ركيزة أساسية من ركائز استراتيجيتها الرادعة.

وتوعدت إسرائيل برد قوي على الضربات الإيرانية. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إن طهران ارتكبت "خطأ كبيرا وستدفع ثمنه". ولا يزال من غير الواضح متى وكيف سترد إسرائيل، وكذلك مسألة ما إذا كانت ستختار استهداف البرنامج النووي لطهران.

وترى "وول ستريت جورنال" مفارقة عجيبة، على حد وصفها، وهو أن المفترض أن يثني التهديد بالانتقام من جانب حزب الله، وحماس، إسرائيل عن أي هجوم مباشر على إيران. ولكن الآن، ومع نجاح إسرائيل في إضعاف المنظمتين المسلحتين، اللتين تعتبرهما الولايات المتحدة جماعات إرهابية، مهد الطريق لضربة أكبر محتملة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت: "حزب الله وحماس مشلولان مؤقتًا وإيران مكشوفة. وليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم. لدى إسرائيل أعظم فرصة منذ خمسين عامًا لتغيير وجه الشرق الأوسط".

يرى قادة إسرائيليون أن الرد على هجوم إيران سيكون مختلفًا تمامًا عن ردها بعد هجوم مماثل في أبريل، عندما تم إسقاط جميع الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية تقريبًا، بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء الغرب والشركاء العرب.

في ذلك الوقت، وافق نتنياهو على مضض على حث الرئيس بايدن على "انتزاع الفوز" والامتناع عن القيام بعمل عسكري كبير. ودعا بايدن يوم الأربعاء إلى رد إسرائيلي "متناسب"، قائلاً إنه لن يدعم أي ضربة على المواقع النووية في إيران، التي كانت تخزن اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من مستويات الأسلحة.

وبينيت من بين أولئك الذين دعوا القادة الإسرائيليين إلى اغتنام اللحظة والسعي إلى توجيه ضربة مدمرة لإيران من خلال استهداف منشآتها النووية وصناعتها النفطية وقيادتها. وقال بينيت: "الآن هو الوقت المناسب لضرب رأس الأخطبوط، وإلا يمكنهم التعافي"، على حد تعبيره. والأخطبوط نظرية متداولة في إسرائيل ووسائل إعلامها بخصوص المواجهة الشاملة في المنطقة، والتي ترى إيران محرك الصراع، الأمر الذي تنفيه طهران وتتهم إسرائيل بالسعي لتوسيع الصراع.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت استخدام لغة قريبة من بينيت، فقال: "إيران لم تتعلم الدرس. أولئك الذين يهاجمون دولة إسرائيل يدفعون ثمنًا باهظًا".

وقال مايكل نايتس، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لصحيفة "وول ستريت دورنال": "إن الانتقام الإسرائيلي يميل دائما إلى مواكبة الانخفاض في معنويات المدنيين، وذلك كنوع من الطمأنينة بأن التفوق النوعي الإسرائيلي لا يزال موجودا وأن إسرائيل قادرة على ضرب أعدائها بقوة أكبر مما يستطيعون ضربها".

لقد قدم اغتيال نصر الله في 27 سبتمبر، لإيران خيارين. كان أحد الخيارات هو الجلوس في حين يتم تفكيك جوهرة التاج في "محور المقاومة". القرار الذي اتخذته في النهاية - بشن ضربة صاروخية على تل أبيب والقواعد الجوية الإسرائيلية - يعني أن إيران تواجه الآن ضربات مدمرة محتملة لبنيتها التحتية العسكرية أو المدنية، مما يفتح دوامة تصعيد ضد عدو أكثر قوة.

يقول اللواء المتقاعد يعقوب أميدرور، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لنتنياهو: "واجه الإيرانيون خيارين سيئين، واختاروا أحدهما. إذا أظهرت إسرائيل أنها قادرة على اختراق النظام الإيراني وتدمير أهداف مهمة، فسوف يواجه الإيرانيون مشكلة أكبر وانتكاسة أخرى لأحلامهم".

ونقلت صحيفة واشنطن بوست اليوم عن مسؤولين أمريكيين قولهم إنهم يشجعون إسرائيل على الرد على الصواريخ الإيرانية بطريقة مدروسة.

ويقول مسؤولون في إدارة بايدن إنه في الوقت الذي اقترح فيه القادة الإسرائيليون بانهم سيتصرفون بضبط النفس، فإن هذا قد يتغير بمجرد مرور عملية صنع القرار لدى نتانياهو عبر خلاط السياسة الإسرائيلية، حيث تتمتع الأصوات اليمينية المتطرفة بسلطة كبيرة.