لا تزال تسوية وقف إطلاق النار في لبنان تتأرجح بين «هبّة باردة» وأخرى ساخنة، وتسريبات متناقضة، تارة حول قرب التوصل إلى اتفاق، وأخرى حول عراقيل لا تزال تعترضه، ما دفع مصادر سياسية لبنانية إلى التعاطي بحذر مع كل هذه التسريبات، نظراً لما أسمته سوابق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والوسيط الأمريكي، عاموس هوكشتاين في هذا الشأن.

وغداة مرور شهرين تماماً على بدء الحرب في لبنان، اتخذ التصعيد العنيف الذي صب حمم إسرائيل، خلال الأيام الثلاثة الماضية، على مناطق بيروت والضاحية الجنوبية والبقاع الشمالي والجنوب، بعداً سلبياً زاد قتامة الوضع، الأمر الذي زاد المؤشرات لاستبعاد أي تسوية وشيكة.

ومن قلب بيروت إلى ضاحيتها، وصولاً إلى الجنوب والبقاع، رسمت إسرائيل منذ فجر السبت خطاً أحمر بلون الدم.

ولعل المغزى السياسي والدبلوماسي لهذا التدهور الخطير، ووفق تأكيد مصادر مطلعة لـ«البيان»، يختصر بإخفاق متكرر لمشروع وقف النار والتسوية التي أدارها هوكشتاين ولم تنجح، ولم يظهر أي مفعول واقعي لتقدم في الصيغة أو الإطار الذي يعمل عليه المبعوث الأمريكي.

في المقابل، انسحب الجو الإيجابي على مستوى المسار التفاوضي الذي تقوده أمريكا للتوصل لإنهاء الحرب على لبنان، على ما نقله مصدر مطلع لشبكة سي.إن.إن، والذي كشف عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق على اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، من حيث المبدأ، وأشار إلى أن لدى إسرائيل تحفظات على بعض التفاصيل، إلا أنه توقع أن يتم نقل هذه التحفظات إلى الحكومة اللبنانية.

ووفق الشبكة نفسها، أكدت مصادر عدة أن الاتفاق لن يكون نهائياً حتى يتم حل جميع القضايا، كما سيحتاج اتفاق وقف إطلاق النار أيضاً إلى موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي، وهو ما لم يحدث بعد.

في السياق، نُقل عن سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، مايك هرتسوغ، قوله لإذاعة الجيش الإسرائيلي: نحن قريبون من اتفاق، وهذا يمكن أن يحصل خلال أيام، وما بقي هو إغلاق زوايا عدة، في حين نقلت القناة 12 عن جهات مقربة من نتنياهو أن اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان أقرب من أي وقت مضى، والجيش يدعم إبرام الاتفاق لأسباب عديدة، من بينها استراحة القوات وتجديد مخازن السلاح، ما تطابق مع ما نقلته صحيفة معاريف، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه قد يتم التوقيع على اتفاق مع لبنان خلال نهاية الأسبوع الجاري، وربما قبل ذلك.

ووفق التقديرات، فإن الأغلبية المطلوبة لصالح التسوية مضمونة، سواء في مجلس الوزراء أو في الحكومة، رغم معارضة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير.

مخاوف

وما بين المشهدين، فإن ثمة مخاوف جدية من انهيار المفاوضات للتوصل إلى وقف النار في لبنان، لا سيما بعد تصعيد وتيرة تبادل العمليات الميدانية الحربية والغارات الجوية وعمليات القصف الصاروخي بين إسرائيل وحزب الله إلى ذروة غير مسبوقة، من دون اتضاح أي أفق لتحقيق وساطة الموفد الأمريكي، هوكشتاين، اختراقاً حقيقياً؛ ذلك أنه، بالتزامن مع دخول الحرب التصعيدية شهرها الثالث، عكست وقائع الساعات الأخيرة انفجار الحرب على أقصى مدياتها في 3 اتجاهات: تعمق وتوسع التوغل البري الإسرائيلي في جنوب الليطاني، استشراس دموي في الغارات وتعميم المجازر، وقصف صاروخي من حزب الله على إسرائيل تميز بأنه طال عمق إسرائيل.

وتزامن مجمل هذه الوقائع، وفق تأكيد مصادر سياسية لـ«البيان»، مع عدم بلورة أي أفق عملي واضح بعد لمصير وساطة هوكشتاين، رغم المناورات التخديرية التي يتولاها الإعلام الإسرائيلي في ضخ معطيات متفائلة، في حين الواضح، بحسبها، أن إسرائيل تنفذ أجندتها الميدانية، بصرف النظر عن المسارات السياسية والدبلوماسية التي يبدو أنها متعثرة.

مسار مواجهات

وبعيداً عن تفاصيل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل للوصول إلى وقف لإطلاق النار، وبمعزل عن النقاط الشائكة أو الخلافية المستمرة، فإن ثمة كلاماً عن أن الوقائع السياسية والميدانية لا تشير إلى قرب حصول اتفاق، وعن أن مسار المواجهات بين حزب الله وإسرائيل انتقل إلى مرحلة جديدة، بكل ما تحمله من معانٍ عسكرية وتعقيد.

وما بين مضامين هذه المعطيات والوقائع، فإن ثمة كلاماً عن أن الإسرائيليين لم يتأخروا في تبديد كل الأجواء الإيجابية التي أشيعت حول اقتراب الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار؛ ذلك أن كل التسريبات الإسرائيلية حول تمسك تل أبيب بحرية الحركة العسكرية، وبرفض مشاركة فرنسا في لجنة المراقبة، والكلام عن فجوات تحتاج إلى المزيد من المساعي، هي بمثابة مؤشرات إلى السعي الإسرائيلي لكسب المزيد من الوقت في سبيل تغيير الوقائع الميدانية والعسكرية.