لم تتأخر تشظيات انهيار نظام الأسد بسوريا في الظهور لبنانياً مدججة بـ «قلق مشروع» حيال إمكان أن تؤدي هشاشة الهدنة في لبنان وتوسع إسرائيل في الجولان إلى عودة الحرب مجدداً.

وتتحرك القوى السياسية في لبنان، ضاربة أخماساً بأسداس، مع استمرار الخروقات الإسرائيلية المعادية. ذلك أن المشهد الداخلي لا يزال يتقلب على صفيح ساخن من الإرباكات في مختلف مفاصله السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، توازيها حال من الترقب القلق لما هو مخفي من احتمالات كامنة في الأفق. ويفوق ذلك كله تخوف لدى كل المستويات من أن يوضع لبنان في عين العاصفة من جديد.

فالخاصرة السورية في أعلى درجات ارتخائها، حيث يخشى من تمدد الحدث السوري أمنياً إلى هذا البلد، والأخطر من ذلك، بحسب قول مصادر متابعة لـ «البيان»، أن تصيبه من جديد رياح الهجمات التي تشنها إسرائيل على سوريا، إن لجهة التوغل المتمادي داخل الأراضي السورية، وإن للفرط الواضح للجيش السوري وإخراجه من الخدمة بالتدمير الممنهج لقطاعاته وقدراته العسكرية والتسليحية.

وفيما دخلت سوريا في مرحلة إعادة رسم صورتها الجديدة، بعد سقوط نظام الاسد، فإن لبنان، في موازاة ذلك، يجد نفسه في سباق إلزامي مع العواصف المتكونة في محيطه، لبناء حيطان دعم صلبة تصد رياحها المحتملة وتقيه منها، وترتيب بيته الداخلي بحسم الملف الرئاسي، كخطوة أولى لإعادة انتظام حياته السياسية ومؤسساته الدستورية.

في انتظار اتضاح صورة الحكم السوري الجديد، وعلى وقع ضياع في أرقام النازحين، المغادرين والوافدين، حيث اختلط الحابل بالنابل على المعنيين في الدولة اللبنانية، حيث لا تزال السلطات اللبنانية تتحرك على الجهات الحدودية، من الجنوب حيث يمضي الجيش اللبناني في الانتشار، وفقاً لخطة قيادته، ويثبت تواجده على أرض منطقة الخيام عند الحافة الحدودية، في وقت تحاول فيه القوى الأمنية، من أمن عام إلى قوى الأمن الداخلي والجيش، ضبط المعابر الشرقية (المصنع) والشمالية، التي لا تزال قيد العمل لضبط حركة العبور بالاتجاهين عليها.

تزامناً، بدا لمراقبين أن واشنطن تعمل لمنح اتفاق وقف النار في لبنان زخماً استثنائياً، من خلال الحضور المفاجئ لرئيس هيئة القيادة الأمريكية الوسطى الجنرال مايكل كوريلا إلى بيروت، ومواكبته الحثيثة للمجريات في منطقة الخيام الحدودية، حيث بدأ الجيش اللبناني ينفذ أولى خطوات الانتشار جنوباً.

في المقابل، أبدت مصادر مواكبة عبر «البيان» قلقها الشديد من طريقة التعاطي الإسرائيلية مع هذا الملف، إذ تعمدت إسرائيل في الأيام الأخيرة تكثيف خروقاتها للاتفاق، سواء بالغارات وعمليات القصف والنسف التي أدت إلى سقوط مزيد من الضحايا، أم بمنع الأهالي في عدد من قرى الجنوب من الدخول إليها، أم من خلال التحليق المتواصل للطائرات والمسيرات في الأجواء اللبنانية وصولاً إلى بيروت.

ووفق المصادر نفسها، فإن هذا الإمعان الإسرائيلي في خرق الاتفاق، على مرأى ومسمع من أركان لجنة المراقبة وقيادتها الأمريكية، هو سلوك متعمد يهدف إلى إحراج الجانب اللبناني ووضعه أمام أحد خيارين مريرين: إما أن يقوم بالرد على الخروقات ويتم تحميله المسؤولية عن انهيار وقف النار وعودة الحرب، وإما أن يرضخ للأمر.

العد التنازلي

ومع هذه الحركة النشطة لضبط الأمن في الداخل وعند المعابر، نشطت الحركة النيابية باتجاه البحث عن نقاط تلاقٍ، مع بدء العد التنازلي لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 9 يناير المقبل.

وقالت مصادر مواكبة للحراك الرئاسي لـ «البيان» إن ازدحام الإتصالات بشأن الملف الرئاسي، مقرون بتحرك بعض المرشحين الرسميين للرئاسة، يوحي بجدية الملف، ورأت أن هناك كتلاً نيابية لم تكشف أوراقها بعد في انتظار استكمال ما لديها من مشاورات، معربة عن اعتقادها أن هذا الملف قد لا يأخذ استراحة طويلة في الأعياد إذا كان يتسم بالعجلة.

وشهد لبنان، خلال الساعات الماضية، حراكاً داخلياً، في سياق البحث عن ملامح الرئيس الجديد، فيما ترددت معلومات مفادها أن فرنسا والولايات المتحدة وضعتا لائحة تضمنت أربعة أسماء، اعتبرتا أنها مناسبة لتولي الرئاسة الأولى في هذه المرحلة، وعلى رأس اللائحة قائد الجيش العماد جوزف عون.