Al Bayan

لبنان بين فكي المساعي الدبلوماسية والتصعيد العسكري

سحابة من الدخان في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تشهد لبنان تسابقاً بين المساعي الدبلوماسية للتوصل إلى وقف قريب لإطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، والتصعيد العسكري ، حيث استهدفت مسيّرة أطلقت من لبنان مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في قيساريا، ما زاد من خطاب التصعيد. في وقت عبّر الموفد الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتاين، بوضوح، عن المطلوب أمريكياً لوقف اعتداءات إسرائيل على لبنان: «تعديل القرار 1701، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية».

وأورد مكتب نتانياهو في بيان أن «مسيّرة أطلقت نحو مسكن رئيس الوزراء في قيساريا»، مضيفاً أن «رئيس الوزراء وزوجته لم يكونا هناك ولم يوقع الحادث أي ضحايا»، من غير أن يتضح ما إذا كان مسكن نتانياهو هو «المنشأة» التي ذكرها الجيش.

ونجحت المسيّرة في الوصول إلى «قيساريا» بعد أن أسقط الجيش مسيرتين أطلقتا كذلك من لبنان. وأظهرت لقطات فيديو المسيرة في سماء المنطقة ترافقها طائرة حربية إسرائيلية، قبل أن يتضح لاحقاً أنها اختفت عن أجهزة الرادار، ونجحت في الوصول إلى هدفها. وفتح الجيش تحقيقاً في الحادثة وتوعد بالتصعيد ردا على هذا الهجوم .

واقع الميدان

ثمّة كلاماً عن أن مجريات هذه الحرب التي أطبقت على لبنان تتجه نحو مزيد من فصول تصعيديّة، ارتسمت معالمها بوضوح، أولاً من خلال إقدام إسرائيل على مزيد من المجازر بين المناطق المأهولة، وثانياً من خلال المواقف القديمة - المتجدّدة التي أعلنها «حزب الله»، ولا يزال، معيداً عبرها ربط لبنان بغزّة، ومنذراً بتعميم الحرب وتعميقها.

وعلى وقع ازدياد منسوب وحشيّة المجازر التي ترتكبها إسرائيل في المناطق اللبنانية، شهدت مدينة جونية، أمس، ضربة إسرائيلية سابقة من نوعها في عمق قضاء كسروان، إذ استهدفت رجلاً وزوجته بدقّة، فيما تردّد أن المستهدف هو قيادي عسكري في مخابرات «حزب الله»، وأن الجيش الإسرائيلي استخدم صاروخ «النينجا» في البداية، وبعدها حاول الشخص المستهدف الفرار فتمّت ملاحقته بالمسيّرة وأطلقت صاروخاً متفجراً أودى بحياته وحياة زوجته.

ضغوط

واللافت أن لبنان مقبل على التصعيد طالما أن الظروف لم تنضح بما فيه الكفاية للذهاب إلى تسوية، إلا أن مصادر سياسية متابعة لـ«البيان»، أشارت إلى أن الضغوط الأمريكية على لبنان «ستشتد»، لافتةً إلى أن الرسالة الأمريكية تعكس ما مفاده أن الفرصة متاحة حالياً لإجراء الانتخابات الرئاسية، تحت ضغط اعتداءات إسرائيل وتراجع نفوذ «حزب الله».

وعشيّة انعقاد مؤتمر باريس لدعم لبنان في 24 من الشهر الجاري، ووصول هوكشتاين إلى بيروت الأسبوع المقبل، رأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنه «ربما يتعين إعادة النظر في بعثة اليونيفيل في لبنان»، لافتاً في الوقت عينه إلى أن وقف إطلاق النار هو «الأولوية».  

ولم تثمر غزارة التحركات والاتصالات الجارية في مختلف الاتجاهات عن أي تقدم ملموس في اتجاه وقف إطلاق النار ونسج تسوية تنهي الهجوم الإسرائيلي المتواصل فصولاً على لبنان، بينما كل ما يرشح في هذا الإطار، وبحسب تأكيد أوساط مطلعة لـ«البيان»، ما زال يصب في خط التشاؤم، مع ما يعنيه الأمر من أن أي تفاؤل بالانفراج هو سابق لأوانه.

ذلك أن كل المعلومات تتقاطع على تأكيد أن وقف إطلاق النار لن يحصل الآن. وعليه، فإن ثمة خشية من أن ترفع إسرائيل وتيرة الحرب بشكل جنوني، كما يهدد مسؤولوها، وذلك من قبيل التحاور مع لبنان بالنار ومحاولة فرض الخيارات بالقوة.

مخاوف

وفي موازاة انسداد الأفق الدبلوماسي، تتبدى صورة داخلية مربكة بالكامل، حيث النزوح الكثيف يضغط بثقل على كل مفاصل الدولة والمؤسسات الاجتماعية، والصعوبة الكبرى في توفير المتطلبات الإغاثية لما يزيد على مليون ونصف مليون نازح منتشرين في كل الأرجاء اللبنانية، مع ما يعنيه الأمر، وفق تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، من ازدياد التعقيدات وتعمق المخاوف من المجهول الأخطر.

أما المعطيات اليومية، فتشير إلى أن إسرائيل لم تعد في وارد تطبيق وقف لإطلاق النار قبل استكمال تنفيذ مخططها في لبنان، وبالتالي هي ماضية في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة التي طبقتها في النبطية، إذْ حلت بلديتها بالدم وارتكبت جريمة حرب جديدة من دون أن تنتظر تأنيب العالم.

أما «قانا الجليل»، فنامت على أشلائها، واستفاقت على حزن جديد، وهي التي تعرف عدوها بشهادة مجزرتيْن اثنتين على مر التاريخ الحديث. علماً أن ميدان الكلام لا يتسع لتعداد المجازر، من الجنوب إلى قرى البقاع، حيث يعلو الركام أكثر فوق أطلال البلاد، بفعل الحرب التدميرية.