الحرب الإسرائيلية ضد لبنان مستمرة، لكن المبعوث الأمريكي، آموس هوكشتاين، عائد إلى بيروت مجدداً، غداً الثلاثاء على الأرجح. إنها خلاصة الساعات الأخيرة التي توزعت بين الحرب والدبلوماسية. في الميدان.
كما درجت التسمية، لم تتوقف استهدافات إسرائيل براً وجواً، لا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت وصور ومناطق أخرى جنوباً وبقاعاً، ما عكس، وفق تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، المسار المعقد والصعب للمفاوضات التي يتولاها هوكشتاين لتسويق مشروع وقف النار الذي أُبلغ إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أيام وينتظر رد لبنان رسمياً عليه خلال الساعات القليلة المقبلة، علماً أن إسرائيل لم تعلن بعد ما إذا كانت توافق على هذا المشروع أو تتحفظ على بعض بنوده قبل أن تبلغ من الأمريكيين الرد اللبناني.
شهد يوم أمس استكمال الوتيرة النارية والتدميرية التصعيدية، التي دفعت بالطيران الحربي الإسرائيلي لشن عشرات الغارات المتلاحقة التدميرية، لا سيما على الضاحية الجنوبية، وبدت أشبه باجتياح جوي قياسي في التدمير، في حين كانت الجبهة البرية عند الحدود الجنوبية تسجل تصعيداً كبيراً في توسيع محاور الاشتباكات ومحاولات التقدم والتوغل الإسرائيلي.
أما على المقلب الآخر من الصورة، فلم تُكشف رسمياً تفاصيل مسودة المقترح الأمريكي الذي يتضمن 13 بنداً، غير أن معلومات ترددت، ومفادها أنه في حال تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، فإن الولايات المتحدة وفرنسا ستعلنان ذلك في بيان، وسيكون هناك وقف لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وسيبدأ لبنان بنشر الجيش على الحدود الجنوبية.
والحل المنتظر هو حل الفرصة الأخيرة في عهد الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن. أما المعلومات الواردة من عواصم القرار، فتفيد بأنه لا رهانات كبيرة على زيارة هوكشتاين لبيروت، وأنها قد تكون شكلية لا أكثر ولا أقل، لكن العبرة تبقى في النتائج.
لا سيما أن القراءات السياسية المتسرعة لتأثير التغيير في البيت الأبيض على المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً عادت لتستقر في منطقة الترقب والحذر، وذلك في انتظار خطوات ملموسة تصب باتجاه وقف النار والتوصل لاتفاق سياسي.. فهل ينجح هوكشتاين في مسعاه الصعب، أم يفشل، ما يؤدي إلى تمدد النيران في لبنان والإقليم حتى 20 يناير المقبل، تاريخ دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض؟
شكوك
في السياق، علمت «البيان» أن الجانب اللبناني المفاوض، ممثلاً بالرئيس نبيه بري الذي سيبلغ الجانب الأمريكي، اليوم أو غداً، رد لبنان الرسمي على الاقتراح، لن يعمد إلى التسبب باتهام لبنان بأنه أسقط الاقتراح لعدم تحميله تبعة مضي إسرائيل في الحرب عليه، لكن ثمة رفضاً لبعض البنود الواردة في الاقتراح سيطاول بند حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان.
إضافة لبند توسيع آلية مراقبة التزام الفرقاء بالقرار 1701، لجهة ضم بريطانيا وألمانيا إليها، علماً أن لبنان سيوافق على ضم الولايات المتحدة وفرنسا للجنة الثلاثية التي تضم لبنان والأمم المتحدة وإسرائيل، ولذا فإن ثمة شكوكاً أن تسلك الأمور طريق إنجاز اتفاق على الاقتراح الأمريكي، لأن إسرائيل، بعد الجواب اللبناني المتوقع، سيكون لها على الأرجح مزيد من الشروط غير القابلة للموافقة اللبنانية.
إلى ذلك، ووفق القراءات السياسية، فإن لبنان يعرف أن المنطقة، وفي الطليعة نقاط الصراع أو النقاط الملتهبة، في مرحلة خلط أوراق وتغيير موفدين، أو على الأقل فترة انتقالية، بين من هم ذاهبون ومن هم داخلون إلى الأدوار والمهمات، وعليه، فإن ثمة إجماعاً على أن لبنان أمام غموض غير بنّاء، من اليوم وحتى دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض في 20 يناير المقبل.
ترقب وتتبع
وفي الانتظار، لم تتوقف الغارات الإسرائيلية أمس، إذ أمعنت إسرائيل في استهداف مناطق من خارج خريطة الإنذار، مخلفة المجازر والعدد الكبير من الضحايا، وهو ما يتوقع استكماله بعنف خلال هذه المرحلة الحرجة من الهجوم الإسرائيلي على لبنان، في حين يترقب لبنان عودة هوكشتاين إلى بيروت لاستئناف مهمته.
وفي الانتظار أيضاً، فإن المشهد يبدو موزعاً بين ترقب نتائج المفاوضات الأمريكية وبين تتبع سيل الإنذارات والغارات الإسرائيلية، ذلك أن الانتظار الثقيل، وفق مصادر متابعة، سيبقى سيد الموقف طوال الأسبوع الجاري، فبعد الرد اللبناني، سينتظر لبنان الإجابات الإسرائيلية. وفي مرحلة الانتظار هذه، ستبقى الإنذارات والاستهدافات حاضرة، كما ستبقى المعارك في الجنوب محتدمة، لأن إسرائيل ستحاول أن تضغط بالنار لتعزيز وضعها التفاوضي.
استمرار عمليات
وما بين خط الميدان السالك، وخط المفاوضات المفخخ بالألغام، فإن العمليات العسكرية مستمرة، وفي كل منطقة تتخذ طابعاً خاصاً، على الرغم من أن القاسم المشترك هو القدرة التدميرية، فخبراء الميدان يرون أن كل وقت ضائع وتأخير في القبول بالبنود هو وقت إضافي لمزيد من العمليات الميدانية والتدمير، مع ما يعنيه الأمر من كون الساعات المتبقية لإعطاء جواب هي ساعات غارات وقصف وتدمير وعمليات توغل بري موضعي، ومن يدري؟ فما يمكن أن يكون مقبولاً اليوم يصبح مرفوضاً غداً.