كشفت قدرة الليبيين على حل أزمة المصرف المركزي، وفسح المجال أمام استئناف النفط نحو الأسواق العالمية، عن إمكانية اجتماع مختلف الفرقاء حول مائدة حوار واحدة، لحلحلة الأزمة السياسية، والانطلاق نحو وضع الترتيبات الأساسية لتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي لا يزال الليبيون ينتظرونه بفارغ الصبر، لطي صفحة الصراع والانقسام.

ويرى مهتمون بالشأن الليبي، أن الحل ممكن، وهناك الكثير من المؤشرات التي تدل على إمكانية الانطلاق في مسيرة بناء وطني، وفق توافقات سياسية واجتماعية، وبما يصون الحقوق الثقافية للجميع، ويضمن الأمن والاستقرار في مختلف مناطق البلاد.قال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إن «بلاده تعول على الدور الأمريكي لحل أزمة الانقسام في ليبيا».

وأعلن صالح، الذي يزور الولايات المتحدة حالياً، في تصريحات لقناة «الحرة» الأمريكية، اليوم (الأربعاء)، أن الولايات المتحدة تقوم بدور مهم في حل الأزمة الليبية، لافتاً إلى ضرورة العمل على تشكيل حكومة مصغرة، لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.

وعدَّ أن وجود حكومتين «لا يصب في مصلحة ليبيا، ونحن نريد حكومة واحدة مصغرة، تقوم بمهام محددة، بمدة زمنية محددة، لإجراء الانتخابات في البلاد»، معرباً عن رفضه تدخل بعض الدول الغربية، لم يُسمِها، في الشؤون الداخلية للبلاد، وحمّلها المسؤولية الكاملة عن عرقلة تشكيل الحكومة المصغرة في ليبيا.

توحيد المؤسسات

من جهتها، قالت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، ستيفاني خوري، إن الليبيين يمكنهم البناء على الاتفاق الخاص بمصرف ليبيا المركزي، من أجل حل مشكلات أخرى، مثل توحيد مؤسسات الدولة، والذهاب إلى الانتخابات العامة.

وتابعت خوري: «على الرغم من التحديات المعقدة المرتبطة بهذه الأزمة، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يمثل بداية جديدة للاتفاقات المستقبلية، التي يتطلع إليها الشعب الليبي، والتي تحتاجها ليبيا بشكل عاجل»، داعية «جميع الأطراف إلى البناء على هذه التجربة.

والمشاركة البناءة، والتعاون لمعالجة القضايا العالقة، من خلال الحوار الشامل والهادف، وتمهيد الطريق لتوحيد المؤسسات واستعادة شرعيتها. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إجماع سياسي واسع، يفضي إلى انتخابات عامة شاملة وشفافة، وذات مصداقية».

وأكدت خوري أن «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تقف على أهبة الاستعداد للعمل جنباً إلى جنب مع الشعب الليبي، بدعم من شركاء ليبيا، لإنهاء الأزمة السياسية المستمرة، وتحقيق ما تحتاجه وتستحقه ليبيا من سلام واستقرار وازدهار»، وفق تقديرها.

مبادرة جديدة

وبحسب أوساط مقربة من البعثة، فإن المرحلة القادمة ستشهد إطلاق مبادرة جديدة، بهدف فتح باب الحوار بين الفرقاء الأساسيين، فيما سيقوم وفد من الاتحاد الأفريقي، بقيادة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، بزيارة ليبيا يومي 11 و12 أكتوبر الجاري، لإجراء مشاورات مع سلطات طرابلس وبنغازي، حول مشروع المصالحة الوطنية، وحل الأزمة السياسية، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة.

وترى الأوساط أن الاتفاق ممكن التحقيق، شريطة تأمين مصالح مختلف الأطراف، وهو ما يمكن أن يتم عبر تكريس نظام ديمقراطي تعددي وفيدرالي، يحترم مختلف المكونات، ويصون الحقوق للجميع، كما كان مطروحاً مع قيام الدولة الوطنية في عام 1951.

ويشير مراقبون إلى أن أزمة مصرف ليبيا المركزي، التي اندلعت في 19 أغسطس الماضي، كان يمكن أن تدفع نحو إعادة تقسيم المصرف، وتوريط البلاد في أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، لا سيما بعد إغلاق المنشآت النفطية الرئيسة في شرقي ووسط وجنوبي البلاد.

إشادة

وأشاد الاتحاد الأوروبي باتفاق مجلسي النواب والدولة، وبجهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للوصول إلى الاتفاق، مؤكداً مواصلة «دعمه القوي» لدور البعثة الأممية، من أجل تحقيق السلام والاستقرار والأمان في ليبيا.

واعتبرت الولايات المتحدة وعشر دول عربية وأوروبية، هذه الخطوة حاسمة لمعالجة التداعيات السلبية للأزمة الأخيرة على الاقتصاد، حيث حث البيان جميع الأطراف على السماح باستئناف إنتاج النفط، وضمان إدارة عائدات النفط والغاز بطريقة شفافة وعادلة.

وجددت إلى سحب المرتزقة من ليبيا، والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في 23 أكتوبر 2020، كما رحب بالتزامات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، ورئيسي الأركان، بشأن إعادة توحيد الجيش والمؤسسات الأمنية.

تفاؤل

وعرف الشارع الليبي حالة من التفاؤل، بإمكانية التوصل إلى توافقات جديدة، وقال متابعون للشأن السياسي، إن الحل يمكن أن يتحقق، ولكنه يتطلب شرطين أساسيين: أن تكون هناك نوايا صافية، ورغبة حقيقة في إخراج البلاد من النفق، مقابل قطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، التي كانت دائماً عنصر تفرقة لا توحيد، واختلاف لا ائتلاف.