خرجت "قواعد الاشتباك" بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي عن السيطرة في الأسابيع الماضية، بعد صمودها 11 شهراً منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.

لكن منذ أقل من شهر، تغيرت القواعد، وشنت إسرائيل هجوماً شاملاً على حزب الله، وبدأتها باغتيال القيادي فؤاد شكر، ثم هجوم البيجرات وزادته باغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله، وخلفه هاشم صفي الدين، وما زال الهجوم مستمراً.

تفككت المنظومة القيادية لحزب الله جراء الضغط الإسرائيلي، ولأول مرة يتخلى الحزب علناً عن مبدأ "وحدة الساحات" التي حكمت طيلة سنوات سياسات ما يسمى "محور المقاومة"، ويتلخص هذا المبدأ في عدم ترك أي فصيل يواجه إسرائيل بشكل منفرد، لذلك دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على القول إن بلاده تواجه حرباً على سبع جبهات.

لكن المفاجئ أن إسرائيل التي عملت طيلة 11 شهراً الماضية على إجبار حزب الله على التخلي عن "وحدة الساحات"، هي التي غيرت موقفها أيضاً بعد انتصاراتها الأخيرة، وباتت هذه المرة تتمسك بـ "وحدة ساحات محور المقاومة".

رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي فاجأ نظيره الأمريكي وطلب ربط المحادثات مع «حزب الله» و«حماس» لإخراج صفقة شاملة لوقف النار على الجبهتين، وربما أيضاً على جبهة إيران، في تطبيق إسرائيلي لفكرة «وحدة الساحات» التي كانت تحاربها تل أبيب.

الفصل بين لبنان وغزة محسوم لدى حزب الله واللافت أن إسرائيل هي من تحاول الربط بينهما، لأنها ترى أن حزب الله جثى على ركبتيه وستواصل توجيه الضربات له دون ترك أي فرصة للحزب لالتقاط أنفاسه.

طوال الوقت الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله كان يتحدث عن الربط بين غزة ولبنان ووحدة الساحات بشكل دعائي، ولكن عمليا من كان ينفذ وحدة الساحات هي إسرائيل بالغارات في سوريا واليمن ولبنان وغزة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتقد أن الضغط على إيران وحزب الله قد يؤدي لتليين موقف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيي السنوار.

بعد أن كانت إسرائيل تحارب فكرة "وحدة الساحات" التي يُقصد بها الهجوم الموحَّد على إسرائيل من غزة ولبنان وغيرها، وتعدها "مؤامرة إيرانية"، فاجأ رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجية "الموساد" دافيد برنياع، نظيره رئيس المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز، بالمطالبة بربط المحادثات مع "حزب الله" و"حماس" لإخراج صفقة شاملة لوقف النار على الجبهتين، وربما أيضاً على جبهة إيران.

ودائماً، ما عدت إسرائيل حرب المواكبة أو المشاغلة التي بدأها "حزب الله" في إطار ما يقول إنه "دعم لغزة"، منسجماً مع ما تراه خططاً لرئيس المكتب السياسي لـ "حماس" يحيى السنوار.

وبسبب إصرار "حزب الله" على ربط المسارين، رفض الحزب قبول مقترح المبعوث الأمريكي الخاص للبنان آموس هوكستين، لوقف إطلاق النار اللبناني - الإسرائيلي، وأصر على وقف النار في غزة بالتزامن.

وأشار التقرير نقلاً عن المسؤول، إلى أن "هذا التوجه يأتي بعد أن حاولت إسرائيل، خلال العام الذي مضى على الحرب، الفصل بين الجبهات، والسعي إلى التوصل إلى تسوية في لبنان بمعزل عن قطاع غزة. والآن، يسعى برنياع إلى الربط بين الجبهات، عبر اشتراط إسرائيلي التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، للموافقة على تهدئة في لبنان وفي إطار المواجهة مع إيران".

بهذه الخطوة، وبعد أن اعتبر كثيرون أن إسرائيل نجحت بالضغط العسكري بفك مفهوم وحدة الساحات لدى ما يسمى "محور المقاومة" بموافقة لبنان على فصل الجبهة اللبنانية عن غزة، أعاد إسرائيل وحدة الساحات من جديد ولكن انطلاقا من مصلحة إسرائيلية، وعبر استراتيجية "الانقلاب على حزب الله" التي قرر الجيش الإسرائيلي اعتمادها اخيراً.

والخطة تهدف إلى ربط وقف إطلاق النار في لبنان بإتمام صفقة التبادل في غزة، بغرض الضغط على حماس وحزب الله في آن، وأن هذه الرسالة دليل واضح على مدى تعقيد الوضع في المنطقة، خصوصا أن إسرائيل تحاول بكل جهد ربط الساحات المختلفة من أجل تحقيق أهدافها.

يُذكر أن "وحدة الساحات"، تعبير استخدمه تنظيم "الجهاد " في قطاع غزة لأول مرة في شهر أكتوبر من عام 2022، بعدما هاجمته إسرائيل بعملية عسكرية سمّاها الفلسطينيون "سيف القدس"، واغتالت القيادي في "الجهاد" تيسير الجعبري.

وحينها رفضت "حماس" الانضمام إلى المعركة، ففهم الإسرائيليون أن هذا الرفض نابع من ردعها، بينما ترى اليوم أن هذا التقدير كان خطأ استراتيجياً، ففي الحقيقة أن "حماس" كانت تضلل إسرائيل وتغرس في عقليتها مفهوماً راسخاً مفاده أنها لا تريد المغامرة بحرب أخرى تهدم غزة مرة أخرى.