ما إن تم التوقيع على اتفاق بحل قضية مصرف ليبيا المركزي، حتى أطلت أزمة جديدة برأسها على المشهد العام في البلاد، تتعلق بالمحكمة الدستورية التي أقرها مجلس النواب، والتشكيك في دستوريتها من قبل قوى سياسية فاعلة.

فقد دعا المجلس الرئاسي مجلس النواب إلى «إعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء قراراته الأحادية، والعودة إلى الحوار السياسي»، معتبراً أن إصدار القانون في هذا التوقيت «يعمق حالة الانسداد السياسي»، وذلك بعدما أدى أعضاء المحكمة الجديدة اليمين القانونية بمقر ديوان مجلس النواب في بنغازي. وفي إطار ما اعتبره التزاماً منه «بتعزيز الاستقرار السياسي ودعم سيادة القانون وتأكيداً على أهمية الحفاظ على استقلالية القضاء وضمان توازن السلطات»، شدد المجلس الرئاسي «على أن العملية التشريعية في الدولة الليبية يجب أن تستند إلى أسس دستورية وقانونية ثابتة، تراعي مصلحة البلاد العليا»، مؤكداً على أن «أي تشريع ينبغي أن يكون مدفوعاً بحاجات ضرورية ملحة، لا أن يكون وسيلة لتحقيق مصالح محدودة أو فئوية».



مرحلة دقيقة

وقال المجلس الرئاسي في بيان، إن مشروع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا «كما هو مطروح حالياً، يؤدي إلى تغير النظام القضائي الليبي السائد منذ استقلالها دون نص بالإعلان الدستوري يستند إليه»، لافتاً إلى أنه «لم يعرض على الدائرة الدستورية للمحكمة العليا، والتي استأنفت عملها وتؤدي دورها بكل كفاءة».



وأضاف: «إن توقيت إصدار هذا القانون في هذه المرحلة الدقيقة يثير القلق، حيث من شأنه أن يعمق حالة الانسداد السياسي القائم ويزيد من تعقيد المشهد الوطني»، مبيناً أن «المشروع كما هو مطروح يمنح مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، مما يعزز من نفوذ المجلس على القضاء ويضعف من توازن السلطات في البلاد»، وتابع أن «هذا الوضع من شأنه أن يعزز موقف مجلس النواب في مواجهة الأطراف السياسية الأخرى»، محذراً من أنه «قد يحد من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مبنية على التوافق، وهو ما يتعارض مع أهداف المرحلة الانتقالية التي تتطلب مرونة سياسية وسعياً جاداً لتحقيق المصالحة الوطنية».



عدم دستورية

وذكر المجلس الرئاسي «بأن المحكمة العليا قد أصدرت سابقاً حكماً قضى بعدم دستورية القانون الصادر بشأن إنشاء المحكمة الدستورية»، مشيراً إلى أنه «حكم قضائي واجب الاحترام من قبل الجميع، ما يدعو إلى التريث في إصدار أي تشريع مماثل»، داعياً الأطراف السياسية والقانونية كافة إلى التحلي بروح المسؤولية الوطنية، والعمل على حماية استقلال القضاء وضمان توازن السلطات بما يخدم مصلحة الوطن والشعب الليبي، مشدداً على أن التعاون بين الجميع هو السبيل لتحقيق الاستقرار والدفع بعجلة العملية السياسية نحو الأمام.



وبينما قال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إن إنشاء محكمة دستورية هو تأكيد لما تضمنته المواد، من 138 إلى 145، في مسودة الدستور، التي توافق عليها أعضاء لجنة المسار الدستوري المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولم يعترض عليها أحد، وأن هذا التوافق يؤكد رغبة الجميع في إنشاء قضاء دستوري يحمي الحقوق والحريات، اعتبر أعضاء من مجلس الدولة أنهم لا يعترفون بالقرار، ويعتبرونه لاغياً، ويتمسكون بالحكم الصادر عن المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية المحكمة الدستورية.



ومن جانبها، عبّرت المؤسسة الوطنية لحُقوق الإنسان في ليبيا عن رفضها لتفعيل خطوة إنشاء محكمة دستورية عليا في بنغازي، واعتبرت ذلك عملاً «غير دستوري»، وأرجعت ذلك إلى أن قانون إنشاء المحكمة «قضى بعدم دستوريته»، داعية أعضاء الهيئات القضائية كافة، على اختلاف أدوارهم ومواقعهم، إلى «التمسك بوحدة السلطة القضائية والدفاع عنّ استقلالها، وعدم السماح بالتدخل في شؤونها».



وكان مجلس النواب أصدر في ديسمبر 2022 قراراً باستحداث محكمة دستورية تتكون من 13 عضواً ومقرها بنغازي، وأقر في نهاية مارس 2023 قانوناً بإنشاء المحكمة الدستورية العليا، على أن تحال لها اختصاصات الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس التي رفضت بدورها القرار وقضت بعدم دستوريته.