لطالما كانت العلاقة بين روسيا ومنظمة حلف شمالي الأطلسي «ناتو» محفوفة بالتوترات، ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، بات هذا الصراع محورياً في تحديد مستقبل العلاقة بين الطرفين وحدود التصعيد المتوقع.
«القيادة الحالية لناتو سوف تُحدث فرقاً حقيقياً لأوكرانيا في ساحة المعركة ولأمن أوروبا»، هذا ما ذكره الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي (ناتو) مارك روته، أخيراً، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن احتمالات المواجهة مع روسيا، ودخول الصراع بين الجانبين مرحلة جديدة قد تصل إلى حد المواجهة المباشرة.
الدعم العسكري
أحدث التصريحات الصادرة عن روته أضافت بعداً جديداً لهذا الصراع، مع تأكيداته أن الحلف سيواصل تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا وضمان عدم انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، موضحاً أن انضمام كييف إلى ناتو ليس سوى «مسألة وقت».
لكن بعض المحللين رأوا أن تلك التصريحات لا تعدو سوى «مناورة» في سياق حرب الأعصاب بين الطرفين، ولتهدئة بعض من المخاوف الأوكرانية. لكن على الجانب الآخر يعتقد آخرون بأنها قد تكون إيذاناً بمرحلة جديدة من العلاقات بين ناتو وروسيا تشهد تصعيداً يقود للمواجهات المباشرة.
مواجهة محتملة
خبير العلاقات الدولية والأستاذ بجامعة لوباتشيفسكي الروسية، الدكتور عمرو الديب، يقول في تصريحات خاصة لـ«البيان» إن المواجهة بين روسيا وناتو مستمرة منذ أكثر من عامين ونصف عام بشكل شبه مباشر، فالتدريبات والمناورات العسكرية التي تُجرى باستمرار قرب الحدود الشمالية والغربية لروسيا تدل على أن ناتو يتحضر لمواجهة محتملة قد تحدث في أي لحظة.
من الجهة الأخرى، يحاول الجانب الروسي تأمين حلفاء له، سواء مع الصين أو كوريا الشمالية، أو حتى إيران، استعداداً لهذه المواجهة المحتملة.
ويضيف الديب: مسألة التحضيرات والتساؤلات عن «مَن» سيخوض هذه المواجهة و«متى» و«كيف» ستحدث، قد تتضح بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. إذ إن نتائج هذه الانتخابات قد تحدد بشكل كبير السياسة الأمريكية للسنوات الأربع المقبلة.
في حال فاز ترامب، قد نشهد مرحلة جديدة من محاولات التهدئة العالمية الصادرة عن البيت الأبيض لتجميد هذه الصراعات، سواء في الشرق الأوسط، أو أوكرانيا، أو آسيا الوسطى، أو القطب الشمالي، أو حتى قرب فنلندا والسويد. بالمقابل، إذا استمر الحزب الديمقراطي في الحكم، فقد تزداد التوترات والمخاطر التي قد تؤدي إلى صراع في أي لحظة.
سيناريو التصعيد
يتفق معه الأستاذ بكلية موسكو العليا، رامي القليوبي، الذي يشير في تصريحات خاصة لـ«البيان» إلى أنه بعد عامين ونصف عام من الحرب في أوكرانيا بات واضحاً أن الأمور تتجه نحو التصعيد، ولكنه تصعيد محسوب ومدروس من كلا الطرفين.
كلما اقترب الطرفان من تجاوز خطوط حمراء معينة، يتم التراجع. على سبيل المثال، لم تبت الدول الأوروبية فعلياً في مسألة السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية بعيدة المدى، وهناك تصريحات مثل تصريحات الألماني أولاف شولتس بشأن استعداده للحوار مع بوتين.
هذا - في تقدير القليوبي - يعكس حالة من التصعيد، ولكنه تصعيد بغرض التهدئة كما تعدل روسيا عقيدتها النووية ليس لاستخدام السلاح النووي، وإنما لتعزيز موقفها في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق سلام بشروط مرضية.
الانتخابات الأمريكية
ويعتقد محللون على نطاق واسع بأن المواجهة بين روسيا و«ناتو» ستُحسم من خلال نتائج انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية المقبلة، التي ستكون حاسمة في تقرير مصير دول الاتحاد الأوروبي ورسم خريطة جديدة للعلاقات الدولية. هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى تفاهم مع روسيا لحل الأزمة الأوكرانية أو ربما غير ذلك. وهو الرأي يتبناه المحلل السياسي الباحث في الشأن السياسي الروسي، ديمتري بريجع.
ويشير بريجع في تصريحات خاصة لـ«البيان» في سياق متصل إلى أن أوروبا تعاني من أزمة اللاجئين والتغيرات السياسية، إلى جانب صعود اليمين المتطرف في عدة دول. السبب الرئيس لهذه الأزمات هو السياسات الأوروبية نفسها، التي كانت وراء هذه المشكلات.
الآن، تدفع أوروبا ثمن دعمها لأوكرانيا وتأثير ذلك في قوتها الاقتصادية، إضافة إلى سياسات الهجرة وعلاقتها المتزايدة مع الولايات المتحدة.
ويستطرد: السياسات الأوروبية سمحت للولايات المتحدة بالتأثير في سياستها الداخلية والخارجية، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة. لذلك، هذه العوامل هي التي ستحدد مصير المواجهة.