بعد 14 شهراً من الحرب الدامية في قطاع غزة، تترنح معطيات قديمة جديدة على مجريات الأحداث، عنوانها «مفاوضات التهدئة» التي عادت إلى الأجواء بعد لجم الحرب على جبهة لبنان، فيما النار تلتهم أبناء القطاع صباح مساء.

القذائف تنصب على رؤوس الأبرياء العزل، والأشلاء تتطاير، والجوع ينهش أجساد الجميع، رجالاً ونساءً وأطفالاً ومسنين، ولا حديث في مخيمات النزوح إلا بلغة المجازر، التي عمّت وفاضت، موقعة الآلاف من الضحايا، ما يؤشر على أن مباحثات التهدئة، يجري إعدادها على نار متوهجة ومستعرة.

هكذا تترقب غزة مفاوضات وقف النار، فالأهالي ينامون ويستيقظون على هدير الطائرات وأزيز الرصاص الذي لا يرحم، ولا يسلم حي أو مركز نزوح من الهجمات الدامية، التي تقتحم خيام النازحين، وتغتال أحلامهم باليوم الذي ينجلي فيه غبار الحرب.

ومع توالي التصريحات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون بأن الظروف قد نضجت للتوصل إلى تهدئة وصفقة تبادل للأسرى، تتقاطع سيناريوهات عدة، حول الاتفاق الذي ينتظر أن يكون «جزئياً» في المرحلة الأولى، مع تحديد الملامح التي سينجلي عليها المشهد بشأن مستقبل قطاع غزة، من أجل تعبيد الطريق أمام اتفاق الوقف الشامل للحرب.

فرصة

وفق مراقبين، فالمرحلة الحالية تتطلب أعلى درجات الحنكة الدبلوماسية، بحيث يتم أعطاء الفرصة لأهالي غزة لالتقاط الأنفاس، ومنح الفرصة ذاتها لعدد من الأسرى الفلسطينيين كي يتنسموا الحرية، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها السجون الإسرائيلية، ضمن اتفاقيات تكفلها وتتفق عليها الأطراف الراعية للجهود السياسية.

فحسب الباحث والمحلل السياسي رائد عبدالله، تقتضي المرحلة القبول بوقف جزئي لإطلاق النار وتسوية سياسية، لأن البديل هو اتساع رقعة الدم والنار، في قطاع غزة المأزوم، وخصوصاً بعد تغيير الكثير من القواعد في المنطقة، في إشارة منه إلى لبنان وسوريا. يوالي عبدالله لـ«البيان»: «طالما أن الحرب ما زالت تفتك بقطاع غزة، فالمصلحة الفلسطينية في عدم زجه في أتون مواجهة لا سقف لها، خصوصاً مع التغييرات التي فرضت نفسها على ما يعرف بمحور الممانعة» مرجحاً أن تكون اللمسات الأخيرة قد وضعت على الاتفاق.

تحذير

على الضفة الأخرى، حذر المحلل السياسي هاني المصري من أن يكون الحديث عن مساعٍ لوقف النار في غزة، محاولة لكسب مزيد من الوقت، وإفشال الجهود السياسية كما جرت العادة في كل الجولات السابقة، منوهاً إلى أن الأهداف الإسرائيلية من وراء مفاوضات التهدئة، لا تتجاوز الظفر بإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المحتجزين الإسرائيليين.

ولعل في جولة المبعوث الأمريكي جيك سوليفان إلى المنطقة، ما يعزز محاولة «الدفع الثلاثي» نحو التهدئة في غزة والتوصل إلى اتفاق يخمد لهيب النار، قبل 20 يناير، موعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن يبقى الرهان على جدية إسرائيل، ومرونة حركة حماس إزاء ذلك.

وإذ تعكس قراءات المراقبين، قرب التوصل إلى صفقة، يبقى عبور منعطف غزة هو الأصعب، فلا يعقل أن يقطع جميع «لاعبي الحرب» حبل العودة المشدود على وعاء النار، بينما تبقى غزة وحدها تقفز من شجرة إلى أخرى أعلى، خشية من أن تجهز عليها نار الحرب الموقدة، أو أن يكون نزولها على أرض محروقة.