لم يسبق لمباحثات التهدئة ووقف الحرب على قطاع غزة، أن حظيت بهذه الهالة، إذ يعكس الأداء التفاوضي رغبة من الجانبين (حركة حماس وإسرائيل)، في الاستجابة لنبض الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي، وإن كانت هذه المباحثات ما زالت تجري على أرض زلقة، ما يجعلها تهتز، وربما تسقط.
مرد التطورات الإيجابية المبثوثة من العاصمة القطرية الدوحة، أن التطورات الإقليمية الأخيرة، مزقت خرائط وقزّمت أهدافاً عدة، بل وأسقطت جدراناً كانت عالية وعنيدة أمام الحل، فيما روزنامة البيت الأبيض تحمل معها تهديدات «جهنمية»، كما وصفها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ما لم تنتهِ الحرب قبل أن يطل العام 2025 برأسه.
وفق مراقبين، فالمناخات التي تسود مباحثات الدوحة تبدو إيجابية، وإن لم تصل بعض الملفات إلى مرحلة الحسم، وعليه، ترى أوساط سياسية أن الماراثون التفاوضي ربما يحتاج لمزيد من الوقت، حتى ينضج الاتفاق.
في قطاع غزة، وصلت فظاعة المشهد حداً لا يستوعبه عقل بشر، مصحوبة باعترافات لبعض جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، بترك جثث الضحايا على الأرض كي تنهشها الكلاب، وكل ما يهم الغزيين أن تتوقف الحرب، ويخمد لهيب النار، الذي طال الأخضر واليابس، ولم يبقِ حجراً على حجر.
وإذ توحي مجريات المفاوضات السياسية بأن الأمور تتجه إلى الاتفاق، تثار مخاوف كبيرة من أن تذهب الأمور إلى واقع التسوية المؤقتة، بدلاً من الحسم لمستقبل الحرب.
وما زالت الأوساط السياسية، تكرر التنبؤات آناء الليل وأطراف النهار، بأن وقف الحرب خط أحمر، لا يمكن تجاوزه، باعتباره الأهم، على أن تأتي تفاصيل ومراحل تنفيذ الاتفاق لاحقاً، خصوصاً أن كرة النار ما زالت تلتهم غزة وأهلها.
وهناك في المباحثات الجارية حصيلتان متباينتان، وفق ما أكدت مصادر واسعة الاطّلاع لـ «البيان»، إذ يتفاوض الجانبان المتحاربان على عدد ونوعية الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء، الذين سيتم الإفراج عنهم في المرحلة الأولى، التي تعقب توقيع الاتفاق، وكلا التفسيرين، حسب المصادر ذاتها، يندرجان في إطار سباق التفوق جماهيرياً، والخروج بصورة المنتصر.
خطوة تكتيكية
ويقرأ محللون في رغبة حركة «حماس»، بوقف الحرب، بأنه خطوة تكتيكية، تستند إلى قناعتها بأن الأهالي الذين تطحنهم آلة الحرب في قطاع غزة، عانوا الكثير من ويلات القتل والتدمير والنزوح والجوع.
وبالتالي، سيفرحون كثيراً لوقف هذه المأساة، حتى لو عنى ذلك فشل أهداف هجوم 7 أكتوبر، في حين إسرائيل تجنح للسلم، استجابة لضغط الشارع والرغبة الأمريكية، حتى لو لم تمسك بمقاليد النصر المؤزر، ولو عنى ذلك فشل أهداف الحرب.
إلى أين تتجه الأمور؟ وماذا يعني هذا الموقف.. يقول الباحث والمحلل السياسي محمـد التميمي، إن خيار المواجهة العسكرية بكل الأحوال، ما هو إلا قفزة مغامرة، من شأنها أن تقود الطرفين إلى غياهب المجهول، وما لم تسجل نهاية لهذه الحرب الدامية، فخيار الاستمرار بها، يبدو خياراً مستحيلاً، بالنسبة للطرفين.
ضغوطات
ويوضح لـ «البيان»: «الأمور بدأت تفلت من يد الجهتين (حماس وإسرائيل)، بفعل التطورات الهائلة التي طرأت على الإقليم، والضغوطات والتدخلات الدولية على الجانبين لوقف الحرب.
وثمة لغز محير يغلف مفاوضات التهدئة، تتطاير فيه الأوراق بشكل عشوائي، وتختلط فيه المصالح بالاستراتيجيات، بانتظار «ولادة من الخاصرة» لغزة جديدة، ولو على أنقاض متغيرات قزمت أهداف الحرب.