يثير الاجتياح الإسرائيلي البري الثالث لمخيم جباليا علامات استفهام حول سبب اختيار هذا التوقيت تحديداً مع دخول الهجوم الإسرائيلي على غزة عامه الثاني وتبدو أهداف عملية جباليا مُركّبة ومتقاطعة بين أهداف عسكرية وتكتيكية بهدف إفراغ المنطقة من سكانها، باستخدام أسلوب الصدمة والترويع والتجويع.

يفرض الجيش الإسرائيلي منذ 9 أيام، حصاراً مطبقاً على جباليا لتهجير الفلسطينيين عبر تنفيذ ما بات يعرف بـ«خطة الجنرالات» التي تقضي بتهجير سكان شمالي غزة كافة ضمن ترتيبات لإقامة منطقة عسكرية على الحدود مع القطاع. وأنذر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بإخلاء مساكنهم في جباليا وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا والتوجه جنوباً.

اقترح ضباط إسرائيليون بداية الشهر الماضي خطة جديدة حول مستقبل قطاع غزة، تحمل اسم «خطة الجنرالات» أو «الجزيرة» وتقضي الخطة بتحويل شمالي قطاع غزة إلى منطقة عسكرية مغلقة، تحت ذريعة أنّ عزل جزء من شمالي القطاع وإخضاعه لسيطرة عسكرية دائمة، كفيل بهزيمة «حماس». وتنصّ الخطة على تهجير أكثر من 200 ألف فلسطيني من شمالي القطاع إلى جنوبيه، عبر ممرين آمنين قبل فرض السيطرة العسكرية الكاملة على المنطقة الشمالية بالقطاع.

في الأسبوع الماضي، تم تحويل مخيم جباليا رسمياً إلى منطقة قتال مع بداية العملية البرية في جنوبي لبنان. ويبدو أن إسرائيل أرادت الإثبات أن جيشها «قادر على خوض قتال على عدة جبهات في الوقت نفسه»، أي لبنان وغزة، والاستعداد لتنفيذ هجوم مرتقب على إيران ولكن تل أبيب لا تعترف رسمياً بهذه النية، وتبرر العملية بأنها تأتي في ضوء معلومات استخباراتية بشأن إعادة حركة «حماس» ترميم قدرات عسكرية وإدارية في المنطقة.

وتتولى فرقة 162 العسكرية الإسرائيلية مهمة التوغل في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شمالي القطاع، حيث استكملت تطويق جباليا من جميع الجهات، وسط قصف جوي وبري مكثف، ونسف هائل للمنازل والبنى التحتية، لدرجة تغيير معالم المكان. وهذا الاجتياح الثالث الذي ينفذه الجيش في المنطقة منذ بدء الحرب، إذ كانت المرة الأولى في ديسمبر 2023، ثم عملية ثانية في مايو 2024، قبل اقتحامها مجدداً، ضمن عملية تبدو أنها ستستغرق وقتاً أطول.

العملية تجرى وسط محاولات إسرائيلية لدفع أكبر عدد من السكان إلى النزوح، في ظل إصرار الأغلبية على البقاء؛ لأنهم يرفضون فكرة النزوح منذ اليوم الأول للحرب ولكن بدأت بسلاح الجوع لإجبارهم على ترك المخيم. ويبقى السيناريو المرجح بخصوص العملية الإسرائيلية، يتمثل في تأمين إقامة محور جديد يسيطر عليه الجيش مهمته فصل شمالي القطاع عن غربيه ولا سيما بعد استقدام تعزيزات جديدة، ما يؤشر إلى نية واضحة لمواصلة الهجوم بشكل أكبر بهدف خلق واقع جديد، كما يتبع الجيش استراتيجية العزل والتقطيع، عبر إنشاء سواتر ترابية في الشوارع الرئيسة بين مدينة غزة وشمالي القطاع، وذلك ضمن سياسة تقسيم وتشتيت، تهدف إلى فرض عزلة خانقة على المناطق المستهدفة.

الساسة الإسرائيليون أكدوا في تصريحات سابقة أن تحقيق النصر المطلق في هذه الحرب معقودٌ بالدخول إلى مدينة رفح؛ لتدمير البنى التحتية لـ«حماس»، بعدما تم تحييد الحركة في جباليا، فهل العودة مجدداً للمخيم تعود إلى عودة «حماس» مجدداً إلى المخيم بعد انسحاب الجيش منه أم أنها تقضي بمعلومات استخباراتية حول وجود الرهائن الإسرائيليين في المخيم ما قد يخفّف عن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أوراق الضغط في المفاوضات القادمة أم أنها تكملة لخطط إسرائيلية في تهجير سكان غزة كافة وفصل شمالي القطاع عن مدينة غزة بشكل كامل؟