مر أكثر من شهر على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكنه لم يخلُ من محاولات إسرائيلية لكسره وإبقائه هشاً، ويكفي للتدليل أن الـ24 ساعة الماضية فقط قتل الجيش الإسرائيلي فيها 29 فلسطينياً، بينهم أطفال وإعلاميون وعمال إغاثة، في ظل مأساة إنسانية متواصلة، وشبه انعدام للطعام في شهر الصيام.
ووفقاً لوكالة وام «استشهد 29 فلسطينياً، بينهم 15 جرى انتشالهم من تحت الأنقاض، إضافة إلى 51 إصابة خلال الساعات الـ24 الماضية، وذلك نتيجة للقصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة».
وتنقل الوكالة عن تقارير ميدانية «أن عدداً من الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم جراء القصف المستمر، وبذلك يرتفع إجمالي عدد الشهداء إلى 48,572 شهيداً، بينما بلغ عدد الإصابات 112,032».
من بين الضحايا مسن فلسطيني (62 عاماً) قتلته طائرة مسيرة إسرائيلية أمس، في بلدة جحر الديك وسط القطاع، وفق المركز الفلسطيني للإعلام، الذي نقل عن مصادر محلية تحدثت عن «استشهاد شابة متأثرة بإصابتها في قصف منزلها في مخيم النصيرات» وسط القطاع.
توسيع الأهداف
وتتوقع مصادر في الجيش الإسرائيلي أن توافق الحكومة الإسرائيلية على شن «عمليات عسكرية» في غزة، إذا لم يحدث أي تقدم في اللحظة الأخيرة في اتفاق وقف إطلاق النار. وحسب ما تنقل صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن مصادر عسكرية إسرائيلية، فإن مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والقيادة الجنوبية، وسّعت ما تسميه «بنك الأهداف المحتملة لحماس في جميع أنحاء قطاع غزة، خلال وقف إطلاق النار».
وأحد الخيارات المطروحة كأداة ضغط إضافية هو إعادة احتلال مناطق في شمال غزة، غير أن مسؤولين عسكريين يؤكدون ضرورة دراسة وقف إطلاق النار والمفاوضات بشكل كامل قبل أي تصعيد عسكري إضافي.
ويتوقع أن تستأنف المفاوضات غير المباشرة في الدوحة في محاولة لحل الخلافات العميقة بشأن شروط استمرار وقف إطلاق النار. لكن ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أمس، حول وجود وفد إسرائيلي في مصر حالياً، يحصر مهمة الوفد في بحث موضوع الأسرى المحتجزين في غزة، ولا شيء آخر.
وقال المكتب: «أوعز رئيس الوزراء إلى فريق التفاوض بالاستعداد لمواصلة المحادثات على أساس رد الوسطاء على اقتراح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بالإفراج الفوري عن إحدى عشرة رهينة من الأحياء، ونصف الرهائن القتلى»، مستبعداً بذلك عرض الحركة الإفراج عن أسير إسرائيلي-أمريكي وإعادة جثث أربعة آخرين.
ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر في حماس: «وفد حماس القيادي برئاسة خليل الحية، رئيس الوفد المفاوض، غادر أمس إلى الدوحة».
مفترق طرق
في ظل هذا المشهد، تقف غزة على مفترق طرق حاسم، فإما الذهاب في طريق الاستقرار وإعادة الإعمار، أو العودة إلى الحرب والدمار وما تخلفه من قتل واستمرار للأزمات الإنسانية.
الفصائل الفلسطينية في غزة غير راغبة في عودة الحرب، والرأي العام داخل إسرائيل يرفع صوته ضد استئناف الحرب، باستثناء بعض الأصوات الأشد تطرفاً، وبعضها صاحب قرار. فقوى اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتانياهو بقيادة إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المستقيل، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الحالي، تدفع باتجاه حرب ماحقة وتهجير في غزة وحرب ضم في الضفة.
ويصعب التكهن أي الاتجاهين سيفرض نفسه، وفيما إذا كانت القوى الدولية ترغب أو تستطيع التأثير في أي من الاتجاهين. ورغم أنه لا مؤشرات على استئناف الحرب، فإن وجود أطراف متطرفة فاعلة ومؤثرة، يجعل احتمالية عودة الحرب أمراً ممكناً.