تضرب الآلة العسكرية الإسرائيلية بقوة تدميرية هائلة في مخيم جباليا شمال غزة، ويبدو أن لا شيء معصوم من بطشها وفتكها، فلا البشر يسلم ولا الحجر، في جرائم تهدف في دلالاتها ومضمونها لترحيل سكان المخيم وإحكام السيطرة عليه ضمن ما بات يعرف بـ«خطة الجنرالات».

في عودة الجيش الإسرائيلي لحصار مخيم جباليا، المدمر منذ الأشهر الأولى للحرب، ما يؤشر على المضي قدماً بتحويله إلى مكان غير صالح للعيش الآدمي، للانتقام من مخيم جباليا ورمزيته عند الفلسطينيين، بحسبانه «أول الحجارة» ومهد الانتفاضة الأولى، كما يصفه الفلسطينيون.

في مخيم جباليا ثمة مواطنون يفترشون الشوارع، إذ لا منازل ولا مأوى لهم، في حين في إسرائيل لا صوت يُسمع سوى نداءات الانتقام من سكان المخيم، لكن في موازاة كل هذا الهجوم، يرفض أهالي جباليا، النزوح من جديد.

ويصرون على الصمود حتى لو في كنف بيوتهم المتهالكة، وإن اشتدت عليهم الخطوب والمحن، ويدلل على ذلك، الشعارات التي خطها ناشطون على الجدران من وحي الانتفاضة الأولى، وتدعو المواطنين للبقاء في المخيم.

«لن نغادر المخيم، وسنظل في أرضنا ولو في (أشباه منازل) ونستعين على ذلك بما تبقى معنا من خبز وماء، وأوامر الإخلاء لم تعد تعني لنا شيئاً» قال حمد أبو وردة (37 عاماً)، مبيناً أنه وعائلته اتخذوا قرارهم بالبقاء في المخيم مهما كلف الثمن.

ويقيم أبو وردة مع عائلته قليلة العدد (5 أفراد) في بقايا منزله الذي سبق وأن دمرته الصواريخ الإسرائيلية في الأيام الأولى للحرب، شرق مخيم جباليا، ويكابد أوضاعاً غير مسبوقة من الجوع وانعدام مقومات الحياة، ولا يتوفر لديه سوى الماء والقليل من الخبز، لكنه يرفض النزوح أو الرحيل، وفق قوله.

ويصف شريف أبو نحل (40 عاماً)، المشهد في مخيم جباليا بالخطير والكارثي، مبيناً أن هناك العشرات من الجثث في الشوارع، ولا أحد يستطيع الاقتراب منها، فمن يحاول الخروج من بيته يتربص به القناصة، مشدداً:

«هذه أخطر مرحلة يمر بها مخيم جباليا منذ بدء الحرب، القصف من جهة، والحصار ومنع دخول المساعدات الإغاثية من جهة أخرى، ويزيد من المخاوف انشغال العالم بحرب لبنان، وغياب غزة عن أعين الإعلام، هناك مجازر وإبادة حقيقية لا يراها العالم».

ويحاصر الجيش الإسرائيلي مخيم جباليا من جهاته الأربع، ويتعمد قصف المنازل وخيام النازحين ومراكز الإيواء فوق رؤوس ساكنيها، لدفعهم إلى الرحيل، والنزوح باتجاه جنوب غزة، لكن اللافت هذه المرة أن لا أحد عابئ بتهديداته.

ويرفض سكان المخيم ما بات يعرف بـ«خطة الجنرالات» الإسرائيلية، وقوامها تدمير كل مقومات الحياة في مخيم جباليا، والتخلص من سكانه بطردهم خارجه، ورغم أن ما يجري في المخيم يرقى إلى جرائم الحرب إلا أن السكان يرفضون فكرة النزوح من جديد، وحتى الطرق التي تسميها إسرائيل «ممرات إنسانية» والمفتوحة باتجاه وادي غزة، بدت هذه المرة خالية من النازحين.