أن تعيش في دوامة قتل ودمار، وفي قلب محرقة مستمرة منذ ما يزيد على 410 أيام، وأن تقسو عليك الصواريخ والقذائف الملتهبة 24 ساعة في اليوم، وأن تطل على نهارك تحت غبار القصف العنيف والمكثف، وعلى وقع هدير الطائرات والدبابات، كل هذا وتفاصيل أخرى أكثر مأساوية، غدت جزءاً من حياة اعتادها أهالي غزة في زمن الحرب.

غزة الجريحة، ليلها كنهارها، فالحرب الدموية تواصل تسجيل آثارها اليومية في واجهات المنازل المتهاوية، وجدران منامات الأطفال في خيامهم البدائية، وعلى أجساد المدنيين العزل، الذين تباغتهم غارات المقاتلات الحربية، دون أن يتمكنوا من أخذ احتياطاتهم، إنها الحرب المجنونة التي خلت من استراحة محارب فلا وقت مستقطع فيها لالتقاط الأنفاس.

الحرب اقتحمت أعصابنا قبل خيامنا، وكل مسعى سياسي تواجهه إسرائيل بتصعيد الغارات، فحكومة المستوطنين هي من تملي شروطها على الجيش، هكذا خرج النازح زيد الشافعي من بلدة بيت لاهيا، بهذا الاستنتاج البديهي، مبيناً أنه وعائلته باتوا عرضة للقتل على مدار اليوم ليلاً أو نهاراً، مضيفاً: الجيش الإسرائيلي ينادي علينا بمكبرات الصوت: الأفضل لكم أن تغادروا، ولم نعد نلقي له بالاً لنداءاته، فهو يريد أن يوقعنا في المصيدة.

يشرح الشافعي لـ«البيان»: «يعلن الجنود الإسرائيليون عبر مكبرات الصوت عن ضرورة الإسراع في إخلاء المنطقة، وعندما يخرج الناس، يبدأ القصف عليهم دون سابق إنذار، ويسقط العشرات في الشوارع والطرقات وبين ركام المنازل، ولذلك فضلنا البقاء في خيمتنا مهما كلف الثمن».

خداع وقصف

وعبثاً يحاول قاسم كيلاني تثبيت خيمته استعداداً لشتاء قاس قادم، مبدياً ذات التذمر من سلوك الجيش الإسرائيلي وخداعه للنازحين، مبيناً أن الحرب في غزة متواصلة على مدار الساعة، وكل دقيقة تمر عليه وعائلته كأنها يوم، مشدداً: «نعيش في قبضة الخوف والرعب لحظة بلحظة، وحتى لو نزحنا إلى منطقة أخرى، تبقى أصابع الجنود القناصة متأهبة على الزناد، وأيديهم طليقة للقتل بالطريقة التي يرونها مناسبة».

ويضيف: «التحرك في الشوارع ليس بالسهل أبداً، وحتى الخروج للحصول على وجبة طعام من هنا أو هناك ينطوي على مغامرة ومخاطرة، بسبب الرقابة التي تفرضها الطائرات المسيرة، وبعضها لديها قدرة فائقة في استهداف الأجسام المتحركة على الأرض، سواء كانوا نازحين أو عربات أو دراجات، وتوجيه القذائف نحو الهدف المرصود، كل صور الحياة باتت في دائرة القصف، ما يوقع ضحايا وجرحى كثيرين».

وضع مأساوي

في غزة، القتل في الطرقات، وفي مخيمات النزوح، وحتى في المناطق المسماة آمنة وثمة مدن غزية كبيت لاهيا وبيت حانون ورفح، احتجب تاريخها خلف دخان الحرب المتصاعد، وتغيرت معالمها مع ارتفاع منسوب الضغط العسكري، الذي وصل في الأيام الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة.

وفي خيام النازحين، يواصل أطفال غزة التمتمة بروايتهم الحزينة، وأصعب تفاصيلها استهدافهم من قبل الطائرات والمقاتلات الحربية الإسرائيلية دون أي ذنب اقترفوه، هذا يبحث عن كسرة خبز لعائلته ليبتعد أكثر عن المعنى الحقيقي للطفولة، وهذا وأترابه يحاولون جمع ما تيسر من حطب لإعداد ما يشبه الطعام، ربما لا يدركون ما يجري حولهم، ولماذا كل هذا القتل والدمار، لكن الحرب الدموية حالت دون تملصهم من المسؤولية الملقاة على عاتقهم.