لم تتضح ملامح مسار الانتقال السياسي في سوريا بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على سقوط النظام السابق، وتولي هيئة تحرير الشام إدارة مرحلة انتقالية بحكم الأمر الواقع لمدة ثلاثة أشهر.
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن دعا في 18 ديسمبر خلال زيارته دمشق إلى تنظيم انتخابات «حرة وعادلة» مع انتهاء المرحلة الانتقالية في البلاد بعد نحو ثلاثة أشهر. بيدرسن ينطلق من القرار الأممي كأساس للحل.
في الأسبوعين الأولين، توافدت وفود غربية وإقليمية للقاء قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وأظهرت غالبية هذه الوفود دعمها للعملية السياسية في سوريا استناداً للقرار الأممي 2254، الذي يعني عملية انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لا يريده الشرع، الذي صرح أن هذا القرار يحتاج إلى تحديث ليتلاءم مع المرحلة الجديدة.
أحزاب
رغم ذلك، فإن الذي يثير قلق أوساط نخب سورية هو غياب الأحزاب السياسية عن مشهد التطورات في دمشق، وضعف الحراك السياسي بشكل عام. وتتشكل في أفق هذه المرحلة ظاهرة ازدحام البلاد بـ«سياسيين بلا أحزاب سياسية».
وتكاد تتلاشى التشكيلات السياسية التي كانت قائمة ضد النظام، ولم يعد لها وجود فعلي وحتى إعلامي، وهي تتفكك وينخرط أعضاؤها في إطلاق تيارات جديدة تعاني معظمها من ضعف تمثيل المجتمع وغياب تأثيرها السياسي.
الفراغ الدستوري
وتخشى أوساط سورية واسعة من تمدد فترة «الفراغ الدستوري» إلى شهور عديدة بعد الموعد المحدد للمرحلة الانتقالية، وهو مارس المقبل. ويلاحظ تراجع الزيارات الدولية لدمشق في الأيام الأخيرة، حيث رسمت معظم الدول مواقفها وتنتظر الخطوة التالية من حكومة تسيير الأعمال في دمشق.
غياب الأحزاب السياسية الجماهيرية هو في الواقع نتاج تاريخ من تجفيف النظام السابق للمشاركة الشعبية في الحياة السياسية. وفي ظل الواقع الحالي، فإن الكتل السياسية الرئيسية هي عبارة عن تمثيل لقوى عسكرية، فبقايا الائتلاف الوطني هي تمثيل للقوى العسكرية في الجيش الوطني السوري وفصائل أخرى في شمال سوريا، وحكومة تسيير الأعمال في دمشق جاءت من هيئة تحرير الشام.
وفي شمال شرق سوريا هناك مجلس سوريا الديمقراطية، وهو الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو حالياً بمثابة الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب الكردية، ومن غير المرجح مشاركته في المؤتمر الوطني وفق المؤشرات الحالية.
أول من أمس، أكدت الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي أن الأزمة السورية تكمن في ماهية شكل الدولة القادمة، وأن أولى الخطوات التي يجب أن يقوم بها أحمد الشرع هي الدعوة لمؤتمر وطني جامع لكل السوريين.
أما في أوساط المكونات السورية الأخرى فإن المرجعيات الدينية هي التي تمثل الحالة السياسية.
مؤتمر وطني
رغم ذلك، حتى لو عقد المؤتمر الوطني بعد مارس، فإن هناك العديد من الحسابات الإقليمية حول هوية مشاركة أطراف داخلية سورية، الأمر الذي يهدد مرة أخرى بمصادرة القرار السيادي السوري إذا لم تكن هناك ضوابط دولية صارمة لتطبيق كل مراحل عملية الانتقال السياسي، تضع مصلحة سوريا على رأس أولوياتها وتمهد لعودتها الفاعلة إلى محيطها العربي.