انطلقت في العاصمة أبوظبي أمس، فعاليات النسخة الحادية عشرة من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، تحت عنوان «وهم الاستقرار: عالم في اضطراب»، وناقش الملتقى الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومين في قصر الإمارات، اتجاهات المشهد الاستراتيجي العالمي الراهن، وما يكتنفه من تحولات ومتغيرات مؤثرة، سواء على صعيد الأمن العالمي أو التحالفات الاستراتيجية الجديدة أو أدوار القوى العظمى، وتحديات عدم الاستقرار في الشرق الأوسط في ظل التوترات الإقليمية والنزاعات الدائرة.

وألقى الكلمة الرئيسية معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، الذي أكد أن رؤية دولة الإمارات ترتكز على جعل الدولة مركزاً عالمياً للاستثمارات والابتكار الاقتصادي، ويشمل ذلك تشجيع نظام شامل حاضن لريادة الأعمال، وإنشاء مختبرات متقدمة للفرص الاقتصادية الناشئة، كما تركز استراتيجياتنا على التنوع المدعوم بالتقدم العلمي والتكنولوجي.

كما أشار معاليه إلى أهمية القيادة القوية والمتمكنة والقادرة، وخاصة عبر العمل المشترك مع الشركاء الدوليين الرئيسيين والعمل معاً نحو مستقبل تكون فيه «الكرامة الإنسانية» والسلامة لجميع الأفراد في طليعة أولويات صنع القرار السياسي والدبلوماسي.

استقرار

وأكد معالي الدكتور أنور قرقاش أهمية تعزيز الاستقرار والتعاون والازدهار في المنطقة.

وقال معاليه: «من غزة إلى لبنان إلى السودان، جعلنا الدعم الإنساني محوراً أساسياً للسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة. وهنا، يجب أن ندرك أيضاً أنه على الرغم من الأزمات الإقليمية، فإنه يجب أن تستمر طموحاتنا الوطنية ورؤيتنا المستقبلية لصالح الجميع بمن في ذلك الشباب والأجيال القادمة.

ومن الضروري معالجة مخاوف الحاضر، مع بناء مستقبل آمن ومزدهر للأجيال القادمة، وإنّ دولة الإمارات تؤمن أن هذا المسار الموازي لمعالجة التحديات الإقليمية والعمل نحو المستقبل هو أمر ضروري في هذه الأوقات الصعبة. وهذا من شأنه أن يعزّز أهدافنا الأوسع والجماعية لتحقيق التقدم والتنمية الشاملة».

وأشار إلى أن الأوضاع في الشرق الأوسط تتطلب التعاطف والتضامن والحوار والتحرك البناء، مؤكداً أن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» لا تزال تعكس التزاماً متقدماً وراسخاً بالدعم الإنساني، وتغليب الحلول السياسية، وبناء الجسور، وبذل كل الجهود لخفض التصعيد.

دور محوري

وأكد معاليه أنه في ظل الأوقات المضطربة التي نمر بها، يظل الدور القيادي والشراكة الأمريكية لا غنى عنهما. إذ لعبت الولايات المتحدة تاريخياً دوراً محورياً في الشرق الأوسط، ومشاركتها - بخاصة خلال الأزمات التي نشهدها اليوم – حاسمة، ومع ذلك، فمن الضروري أن ندرك أن المشاركة لا تكفي أبداً؛ نحن بحاجة إلى قيادة قوية وفاعلة تعطي الأولوية للاعتبارات الإنسانية إلى جانب المصالح الاستراتيجية، ويتعيّن علينا أن نضمن أن القرارات السياسية المتخذة تأخذ بعين الاعتبار التداعيات الإنسانية التي قد تترتب عليها. وهذا يتطلب تحولاً جذرياً، تحولاً يدمج المنظور الإنساني، في التقديرات والحسابات الاستراتيجية.

وقال معاليه: إن من الأهمية بمكان أن ندرك أنه ليس كل الأزمات تنبع وتنبثق من القضية الفلسطينية، ومع ذلك فهي بلا شكّ لا تزال تشكّل محوراً للصراعات في منطقتنا. وبعد أن أيقنا أنّ سياسة الاحتواء قد فشلت، فإننا ندرك أن هذا الترابط يتطلّب منا أن نتعامل مع القضية الفلسطينية بقدر كبير من الواقعية، وأن ندعو إلى الوصول إلى حلّ يضمن كرامة وحقوق الشعب الفلسطيني، ويعزز السلام والاستقرار في المنطقة، مؤكداً الحاجة إلى أفق سياسي جاد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال السلام العادل والشامل، وبما يتماشى مع حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكجزء من التزامنا التاريخي تجاه الأشقاء الفلسطينيين، كانت الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول في تقديم المساعدات الإنسانية الملحة والعاجلة لقطاع غزة، وعبر كلّ السبل والطرق والأدوات المتاحة.

وفي ما يتعلق بلبنان، أكد معالي الدكتور أنور قرقاش أن دولة الإمارات تؤمن بأهمية تعزيز وحدة لبنان وسيادته الوطنية وسلامة أراضيه، ودعمها الراسخ لشعبه في هذه الفترة الصعبة، وقال «قد أكد موقفنا الثابت والراسخ باستمرار على الدور المركزي للدولة الوطنية ومؤسّساتها، والتي من الضروري أن تحتفظ بالسلطة الحصرية والسيطرة الوحيدة على السلاح والشؤون العسكرية والدفاعية.

وبالتالي، لا ينبغي التسامح مع وجود الميليشيات والجماعات المسلّحة»، مشيراً أن المستقبل الآمن والمزدهر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التنسيق مع أشقائنا العرب، حيث إننا نؤمن بأن أي مبادرة يجب أن تنفّذ بشكل جماعي ومنسّق.

تحولات

من جهتها، أكدت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، أن الملتقى يتمحور تركيزه حول اتجاهات المشهد الاستراتيجي العالمي الراهن، وما يكتنفه من تحولات ومتغيرات مؤثرة، سواء على صعيدِ الأمن العالمي، والتحالفات الاستراتيجية الجديدة، وتنامي العسكرة، وأدوار القوى العظمى، مع التركيز على تحديات عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، في ظل التوترات الإقليمية والنزاعات الدائرة.

وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي: لو سألنا: لماذا وَهمُ الاستقرار واضطراب النظام الدولي؟ فلأن الدبلوماسية عجزت عن حلّ الصراع في الشرق الأوسط وأوكرانيا، كما أن الصراعات والمواجهات والأزمات في تزايد، والحلول والتسويات في تناقص وشبه غياب، ولأن صراع السرديات المتنافرة مستمر، بينما تنكفئ الإجماعات والتوافقات تجاه العالم الذي نريد أن نعيش فيه معاً، ولأن إصلاح النظام الدولي لا يزال بعيد المنال، وسياسة الكيل بمكيالين مستمرة، ولأن القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني يُنتهكان بشكل عميق، واستخدام القوة العسكرية في تزايد حول العالم، ومثل هذه الظروف هي الوقود الذي تتغذى منه الشعبويات والأصوليات ونزعات التشدد والعنصرية والعنف الأعمى وكراهية الآخر، الأمر الذي يُقوّض معاني الإنسانية المشتركة، والعدالة والتعايش، ألمْ نراقب أن إضفاء الصبغة الدينية على حرب غزة فاق ما شهدته الحروب العربية-الإسرائيلية السابقة من ظلال دينية ورمزيات تُغذي الانفصال والمعادلات الصفرية ونفي الآخر؟! ألمْ ننتقل من الحديث عن تغيّر قواعد الاشتباك إلى مرحلة اشتباك بلا قواعد وخطوط حمراء تقريباً؟!

وتناولت جلسات اليوم الأول قضايا دولية واستراتيجية حيوية، من قبيل: التحولات الجوهرية في النظام الدولي على صعيد الرؤى المتنافسة بين القوى العظمى، والتغيرات في طبيعة التحالفات الاستراتيجية وهياكلها، وتنامي العسكرة، وبروز دور القوى المتوسطة؛ واستشراف اتجاهات الولايات المتحدة على الصعيدين الخارجي والمحلي، في ضوء نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024؛ وطموحات ومناورات روسيا لإعادة تأكيد نفسها قوة عالمية؛ واستكشاف استراتيجية الولايات المتحدة والصين في الإندوباسيفيك وقواعد المنافسة بينهما، والتحديات الاستراتيجية التي تواجه الأوروبيين التي تشمل الحرب الأوكرانية، والعلاقات مع الولايات المتحدة، وتداعيات التنافس الأمريكي-الصيني، فضلاً عن التحديات المتمثلة بالانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وصعود اليمين، وقضايا مثل الهجرة وعدم المساواة الاجتماعية-الاقتصادية والطاقة.