أكدت مباركة إبراهيم، الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي، والمدير التنفيذي لقطاع المعلومات بالإنابة في مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية في حوارها مع «البيان»، أنه من المتوقع أن يصل حجم سوق الرعاية الصحية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم إلى أكثر من 194 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، منوهة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في خفض أخطاء التشخيص بنسبة تصل إلى 25 %.

ولفتت مباركة إبراهيم إلى أن الإمارات تبنت تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل الرعاية الصحية منذ سنوات كخطوة استباقية لتطبيق أفضل المعايير العالمية، والوصول إلى أعلى نسب في الجودة في الخدمات المقدمة للمرضى، لافتة إلى أنه تم خفض معدل زيارات المستشفيات بنسبة 40 % وتوفير أكثر من 15 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون خلال أقل من عامين.

وتالياً نص الحوار:

• كيف تنظرون إلى دور الذكاء الاصطناعي في رسم مستقبل خدمات الرعاية الصحية في الإمارات والعالم؟

يمثل دمج الذكاء الاصطناعي في خدمات الرعاية الصحية نقطة تحوّل فعلية للقطاع، حيث نشهد كيف يسهم توظيف الذكاء الاصطناعي في إعادة تعريف مفاهيم رعاية المرضى والعمليات السريرية والنتائج الصحية الشاملة بشكل جذري وعلى مستوى العالم، من المتوقع أن يصل حجم سوق الرعاية الصحية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 194 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وأن تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في خفض أخطاء التشخيص بنسبة تصل إلى 25 %.

وقد بادرنا في دولة الإمارات إلى تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل الرعاية الصحية، بدءاً من تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليل وقت انتظار المرضى، وصولاً إلى تعزيز الدقة في التشخيص والعلاج، ولعلّ أحد أكثر المجالات إثارة للاهتمام هو التحليلات التنبؤية.

حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد المرضى المعرّضين لخطر الإصابة بالمرض بشكل استباقي، ما يسمح بالتدخل الفوري الذي يمكنه أن ينقذ آلاف الأرواح ولنا أن نتخيّل المستقبل الذي يدير فيه الذكاء الاصطناعي إجراءات الرعاية الصحية بنسبة 85 %، إذ لم يعد هذا حلماً بعيداً، بل واقعاً نسهم في رسمه كل يوم.

الذكاء الاصطناعي لن يحلّ محل الأطباء، بل سيعزز قدرتهم ويتيح لهم مساحة أكبر للتركيز على العنصر البشري في الرعاية الصحية. وطموح دولة الإمارات في هذا المجال واضح، وهو بناء نموذج للرعاية الصحية المستقبلية تجتمع فيه دقة الذكاء الاصطناعي مع الرعاية الإنسانية والشخصية، ما من شأنه إرساء معايير عالمية جديدة.

وفي هذا الجانب، طورنا في مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية العديد من الإمكانيات والقدرات القائمة على الذكاء الاصطناعي والتي ستؤدي إلى تغيير الأسلوب المعتمد في تقديم خدمات الرعاية الصحية في الدولة.

ولدينا منصة ذكاء اصطناعي قوية تساعدنا على تطوير نماذج جديدة للتعلم الآلي، كما أسهمت شبكة شركاء المؤسسة في تسريع نمو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل تقنيات تشخيص سرطان الثدي المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مستشفياتنا، وأنظمة التعرّف على الصوت، وبالتالي لا يتعلق توظيف الذكاء الاصطناعي بتطوير التقنية فحسب، بل بتحسين مستقبل الرعاية الصحية أيضاً.

* ما هي أبرز التحديات التي سرعت من دخول الذكاء الاصطناعي؟

أحد أبرز التحديات التي واجهناها هي أزمة «كوفيد19»، إذ أدت إلى تسريع مبادراتنا الرقمية في القطاع الصحي بنحو عقد من الزمن، ودفعتنا إلى إعادة تصميم خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك تحويل ملايين التفاعلات مع المرضى في المنشآت الصحية التابعة للمؤسسة إلى رعاية افتراضية، ما أدى إلى خفض معدل زيارات المستشفيات بنسبة 40 % وتوفير أكثر من 15 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون خلال أقل من عامين، هذه المحطات ترجمت الالتزام الوطني ببناء مستقبل الرعاية الصحية.

• كيف تعمل دولة الإمارات على ترسيخ مكانتها كجهة رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في قطاع الرعاية الصحية؟

يمتد دور الذكاء الاصطناعي في الاستدامة إلى ما هو أبعد من قطاع الرعاية الصحية، وفي مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية نثبت كيف يمكن للابتكار التكنولوجي أن يقود التغيير الدائم، فمن خلال توسيع نطاق الرعاية الافتراضية، قمنا بتقليل أكثر من 15 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أقل من عامين، ما يدل على أن الرعاية الصحية المستدامة ليست مجرد رؤية، بل واقع.

ومع ذلك، هذه ليست سوى البداية. قطعت دولة الإمارات شوطاً طويلاً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث عينت أول وزير للذكاء الاصطناعي وأطلقت «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي» في عام 2017، بهدف دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الرئيسية - كالرعاية الصحية والنقل والتعليم - لدفع مسيرة التنمية الاقتصادية والتحوّل المجتمعي.

فمن خلال تبني الذكاء الاصطناعي، نستطيع بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. ولا تقتصر مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاستدامة على قطاع الرعاية الصحية. ففي مختلف القطاعات، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين استخدام الطاقة، والحد من النفايات، وإنشاء أنظمة أكثر ذكاء وكفاءة.

وفي قطاع الرعاية الصحية، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي، من خلال توفير التحليلات التنبؤية وتعزيز كفاءة العمليات وتحسين الرعاية الشخصية للمرضى، في تقليل تكاليف الرعاية الصحية العالمية بمقدار 150 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026. ومن خلال تطبيق مبادئ مماثلة في القطاعات الأخرى، يمكننا خفض التأثير البيئي وتعزيز الإنتاجية بشكل كبير.

وتقود دولة الإمارات كذلك جهود تطوير المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تم إنشاء «جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي»، كأول جامعة بحثية على مستوى العالم للدراسات العليا المتخصصة ببحوث الذكاء الاصطناعي في عام 2019.

وكانت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية من أولى الجهات التي حققت معايير الحصول على نظام إدارة الذكاء الاصطناعي آيزو IEC 42001 للتصوير التشخيصي القائم على الذكاء الاصطناعي، ما يعكس التزامنا بالبعد الأخلاقي والاستخدام المسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ومن خلال تعزيز الشراكات والاستثمار في تنمية المواهب وزيادة الاعتماد على ممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية، تتمتع دولة الإمارات بمكانة تؤهلها لقيادة ثورة الذكاء الاصطناعي العالمية، ما يسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وبناء مستقبل مستدام ومزدهر للأجيال القادمة. باختصار، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل قوة فاعلة لإحداث تحوّل عالمي، القوة التي ستعيد تعريف عمليات وممارسات القطاعات ومقومات التنمية الاقتصادية لبناء عالم أكثر استدامة للجميع.

• برأيكم، كيف يتم الموازنة بين الابتكار والمسؤولية الأخلاقية الطبية؟

من موقعنا في مجال الذكاء الاصطناعي، نتحمّل مسؤولية تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية الأخلاقية. فالتقدم السريع للذكاء الاصطناعي يتيح إمكانات هائلة، خاصة في مجال الرعاية الصحية.

وذلك من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية والقدرات التنبؤية. ولكن مع هذا النمو، أصبحت الحاجة إلى وضع قواعد صارمة أمراً بالغ الأهمية فتحقيق التوازن بين المسؤولية الأخلاقية والابتكار يمثل تحدياً صعباً ولكنه عنصر أساسي لقادة المستقبل.

ولا شك أن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للصالح العام هي من مسؤوليات القيادة، وبالتالي يتعيّن على القادة أن يكونوا حلقة الوصل بين الابتكار والتشريعات، وذلك كي يضمنوا الامتثال للمعايير الحالية وتشكيل الأطر المستقبلية في الوقت نفسه، وفي هذا العصر الذي يشهد نمواً غير مسبوق، لا يتعلق الأمر فقط بما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعله، بل يتعلق أيضاً بكيفية توجيه تأثيره على المجتمع، فالقيادة الأخلاقية هي التي ستحدد إرث الذكاء الاصطناعي.