العظماء لا يرحلون، إذ يتركون أثراً طيباً وسيرة عطرة تبقى خالدة في وجدان الأجيال، لقد كان المغفور لهما بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، مثالاً يحتذى في بناء الوطن وترسيخ أسس الاتحاد، وما قدماه من رؤية وحياة كريمة ما زالت ثمارها حاضرة، يتنعم بها أبناء الوطن، وتتناقلها الأجيال إرثاً ثميناً يضيء لهم دروب المستقبل.

هكذا يستذكر علي ميحد السويدي، وكيل وزارة التربية والتعليم سابقاً، محطات مضيئة في حياة المغفور لهما بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، ويقول إن إرثهما ليس مجرد بناء أو إنجازات مادية، بل هو رؤية شاملة ترتكز على الإنسان وتضع مصلحته ورفاهيته في المقدمة، جاعلين من الإمارات واحة للأمان والتعليم والرعاية الصحية وتوفير الموارد، وإن ما بدآه من مسيرة البناء والتطوير هو أساس متين تستمر عليه الدولة، وتواصل قيادتها السير على نهجهما القويم، مؤمنة بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية للوطن.

ويتابع: لقد شهدت الإمارات لحظة تاريخية لا تنسى عندما أعلن المؤسسان عن قيام الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971، ولم يكن هذا الإعلان وليد الصدفة، بل نتاج رؤية حكيمة وعزيمة صلبة وضعها القائدان لتوحيد الصفوف وجمع الإمارات السبع تحت راية واحدة، كما أن الترحيب بقيام الدولة لم يكن محلياً فحسب، بل امتد صداه إلى الخارج، حيث بادرت العديد من الدول الشقيقة والصديقة إلى تأييده، وأعربت عن دعمها الكامل له، ككيان جديد وفاعل في المنطقة، وقد رأت الدول العربية فيه خطوة نحو تعزيز التضامن البيني وتقوية العلاقات الإقليمية، بينما اعتبرته الدول الأخرى نموذجاً للوحدة والاستقرار في منطقة تشهد تحولات عديدة.

ويوضح السويدي أن التعليم في فكر الشيخ زايد كان أولوية قصوى منذ بدايات الاتحاد، إيماناً منه بأنه أساس بناء الأجيال وتطوير المجتمع، ولذلك وضع نصب عينيه ضرورة نشر التعليم في كل أرجاء الدولة، وفي ذلك الوقت، كان من الصعب على الكثير من الأسر السماح لأبنائها بالذهاب إلى المدارس، إذ اعتقدوا أن مشاركة الأطفال في الأعمال الأسرية أكثر أهمية من التعليم، ورأوا أن ذلك يساهم في تحسين معيشتهم اليومية، إلا أن الشيخ زايد، برؤيته الاستباقية وحرصه على ربط المجتمع بالمدرسة، قام بمنح رواتب للطلاب لتحفيز الأسر على إرسال أبنائها إلى المدارس، وكانت هذه الخطوة الأولى في تغيير نظرة المجتمع نحو التعليم.

«وفضلاً عن ذلك فقد كان الشيخ زايد يمتلك رؤية بعيدة المدى في الاستثمار في الإنسان، مؤمناً بأن الثروة الحقيقية للوطن تكمن في أبنائه المتعلمين، واستطاع من خلال جهوده أن يغير فكر المجتمع، ممهداً الطريق أمام بناء دولة مزدهرة تقوم على العلم والمعرفة. وأصبحت المدارس بذلك محوراً مركزياً في حياة المجتمع».

ويتابع المتحدث: «أما الشيخ راشد فقد ترك بصمة مضيئة في مسيرة التعليم عبر إدخاله التعليم الخاص إلى الدولة، إدراكاً بأهمية توفير فرص تعليمية متنوعة تتناسب مع احتياجات الوافدين الذين يعملون في مختلف القطاعات، خاصة في مجال التجارة، ولذلك فتح العديد من المدارس الخاصة التي تقدم التعليم باللغة الإنجليزية، مما أتاح الفرصة لأبناء الوافدين للحصول على تعليم يتماشى مع لغتهم وثقافتهم، وساهم في ترسيخ التنوع والانفتاح في المجتمع الإماراتي».

ويواصل السويدي: «كما قدم الشيخ راشد تسهيلات كبيرة للمستثمرين الراغبين في تأسيس مدارس خاصة في إمارة دبي، مما ساهم في تعزيز القطاع وازدهاره بشكل كبير، وهذا الدعم والمساندة للمؤسسات التعليمية الخاصة لم يكن هدفه الربح، بل توفير بيئة تعليمية متكاملة تتناسب مع مختلف الجاليات المقيمة، وبفضل هذه السياسات، أصبحت دبي مركزاً تعليمياً جاذباً لأسر الوافدين».

ولا يزال علي السويدي يذكر لحظة توليه منصب وكيل وزارة التربية والتعليم، حيث كان لديه اهتمام خاص بتطوير قطاع التعليم وفهم متطلباته، وطلب تقريراً من فريقة عن عدد المدارس في الدولة، فوجد أنه يبلغ 700 مدرسة، مما أدهشه وأيقن معه أن الشيخ زايد والشيخ راشد قد نجحا في بناء حوالي 26 مدرسة كل عام منذ قيام الاتحاد، وهذه المدارس لم تكن مجرد منشآت، بل جُهزت لتلبية احتياجات جميع مراحل التعليم، مضيفاً: ولم يكتف القائدان بذلك، بل خصصا 3 مدارس للذكور ومثلها للإناث في كل منطقة، ليطمئن الأهالي على أبنائهم وبناتهم، ويشجعوا تعليمهم في بيئة آمنة ومناسبة.

أبواب مفتوحة

ويوضح السويدي أن الشيخ زايد، كان من القادة الذين فتحوا مجالسهم لاستقبال المواطنين من كافة أنحاء الدولة، وكان قريباً من الناس، يستمع إلى طلباتهم، ويعمل على تلبية احتياجاتهم، مما جعله قائداً محبباً في قلوب أبناء شعبه، والعرب جميعاً، وقد كان هدفه، إلى جانب الشيخ راشد تحقيق جودة حياة أفضل لأبناء الوطن، مما دفعهما إلى العمل بجد على توفير حياة كريمة ومستقرة لكل مواطن.

كما حرص القائدان على تقديم الإعانات الاجتماعية التي تركت أثراً عميقاً في حياة الأرامل والمطلقات والأسر غير القادرة، حيث أصبحت هذه الفئات تعيش بكرامة وأمان بفضل هذه المساعدات، وكانت هذه الفكرة جديدة في المجتمع الإماراتي حينذاك، وكان لها وقع إيجابي عظيم لدى الشعب، الذي ثمّن هذا الدعم الموجه للمرأة والأسر التي تفتقر إلى مصادر الدخل الكافية، وأسهمت هذه الإعانات في تمكين النساء وتحقيق استقرار اجتماعي أوسع في كافة إمارات الدولة.

منازل حديثة

ويقول السويدي: قام الشيخ زايد بجهود عظيمة لتحسين حياة المواطنين، حيث حول المنازل التي كانت تبنى من سعف النخيل إلى بيوت حديثة، في خطوة مثلت نقلة حضارية للشعب الإماراتي، وبهذا التحول، أصبحت منازلهم تتماشى مع أساليب الحياة العصرية، وأسهمت في رفع جودة الحياة وتوفير السكن الملائم للمواطنين، مما عزز شعورهم بالاستقرار والانتماء.

وفي إطار حرصه على تعزيز استقرار المجتمع ورفاهية أبنائه، قام الشيخ زايد ببناء المنازل للبدو الذين يعيشون في الصحراء، فشيّد لهم بيوتاً في أماكنهم، محافظاً بذلك على ارتباطهم ببيئتهم التقليدية ورافضاً فكرة إجبارهم على الانتقال إلى المدن، وهذه السياسة المتفردة تعكس رؤية الشيخ زايد لأهمية الحفاظ على الهوية الوطنية والإرث الاجتماعي الإماراتي، مع توفير الحياة الكريمة لهم.

دعم الاقتصاد

وتبنى الشيخ زايد والشيخ راشد سياسة «الأبواب المفتوحة»، التي عززت التواصل المباشر مع الشعب، وجعلت القيادة قريبة من الناس، وكان الشيخ راشد حريصاً على التواجد اليومي في جمارك دبي، حيث يستقبل التجار والسفن، ويتابع حركة التجارة عن قرب، وهذا الحرص على متابعة الأنشطة التجارية ساهم في تحقيق نمو اقتصادي كبير، إذ كان الشيخ راشد يستمع إلى الآراء والأفكار التطويرية ويسعى دائماً لتحسين مستوى الخدمات، بحسب ما يروي علي ميحد السويدي.