«ثمة شخصيات تاريخية إنسانية تعرف جيداً كيف تحول اللحظة إلى موعد مع التاريخ لأسمائها ولشعوبها»، بهذه الكلمات المعبرة، بدأ الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي رئيس المجلس الاستشاري في الشارقة، حديثه مع «البيان» حول المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين اجتمعا على قلب رجل واحد في حب الوطن وتنميته وإسعاد شعب الإمارات والمقيمين على أرضها الطيبة.
عاد الدكتور بلحيف النعيمي بذاكرته إلى الوراء مسترجعاً سيرة المغفور لهما العطرة وإنجازاتهما الخالدة التي يأتي في مقدمتها اتحاد الدولة، رفقة إخوانهما حكام الإمارات، وقال: في خضم التحديات والمعضلات الصعبة الناتجة عن التركة الثقيلة والفراغ الذي خلفه جلاء المستعمر البريطاني، انبثقت فكرة الاتحاد، فسعى زايد وراشد بدأب لتحقيقها إيماناً بوحدة الإنسان على هذه الأرض ومستقبلها المتمثل في الاتحاد الذي آمنا بأنه الحصن المنيع الشامخ الذي ينعم فيه أبناؤه بثرواته ويتفانون في الإبداع والابتكار في سبيل رفعته، فتركا بصماتهما وشماً على صدر التاريخ، تنمية وازدهاراً وتطوراً، وقال إنهما واجها تحديات مثل تشكيك الكثيرين في إمكانية استمرار فكرة الاتحاد معتقدين بأنها نابعة من فرحتهما بجلاء الإنجليز عن أرضنا وسوف تنتهي وتفشل في غضون أعوام قليلة وربما لن تتجاوز العامين، إلا أن اللحمة الوطنية المتينة التي تجلت في التفاف الشعب حول هذين القائدين وإخوانهما، شكلت الأسس الرئيسة لقيام الدولة، ونسفت كل الرهانات التي توهمت فشل الفكرة.
وأشار إلى أن الترابط والنسب اللذين يجمعان شيوخ الإمارات يزيدان من هذه اللحمة ويقويان النسيج المجتمعي ويجسدان مقولة البيت متوحد، التي برهنت على مدار أكثر من خمسة عقود مضت على قوة هذا البيت ومتانته وازدياد تمسك الناس به.
مكانة عالمية
وقال الدكتور النعيمي إن دولتنا ازدهرت بفضل رؤية زايد وراشد اللذين وفرا العيش الرغيد وارتقيا بمستوى المعيشة من كافة النواحي، حيث ارتفع عدد المدارس من 10 إلى آلاف المدارس، ومن 5 مستشفيات إلى المئات، وشهدت دولة الاتحاد آنذاك تحولاً هائلاً من بدايات متواضعة إلى تبوؤ مكانة عالمية مرموقة، وأضحى الاتحاد اليوم بفضل رؤيتهما وجهودهما أكثر قوة ومتانة وتمسك به الأبناء.
وأوضح الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي أن زايد وراشد لم يعرفا المستحيل يوماً، فقد اهتما ببناء دولة أساسها الإنسان، ومن البديهي أن يصبح ملف الإسكان في غمرة المشاريع الكثيرة التي شكلت هاجساً يؤرقهما، حيث أوليا هذا الملف اهتماماً بالغاً، إدراكاً منهما لأهميته كركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وترجما هذا الاهتمام إلى سياسات ومبادرات طموحة هدفت إلى توفير مساكن شعبية ملائمة للمواطنين، وتعزيز جودة الحياة، حيث أطلق الشيخ زايد البرامج الإسكانية، التي تستهدف مختلف فئات المجتمع، وتابعها الشيخ راشد بن سعيد بنفسه، وانتشرت المجمعات السكنية في كافة إمارات ومدن الدولة. وأشار إلى أن قطاع الإسكان نما بشكل كبير في عهد المؤسسين، وشهدت منظومة الإسكان طفرة نجحت في مواكبة الزيادة السكانية وتطور نمط الحياة منذ سبعينات القرن الماضي.
رفاهية وسعادة
وأضاف أن شخصية كل من الشيخ زايد والشيخ راشد استشرافية للمستقبل، وبمختلف القضايا التي تشمل التنمية والبنية التحتية وجودة الحياة، مشيراً إلى أن ما تقدمه الحكومة اليوم بالاعتماد على الأحياء السكنية متكاملة الخدمات والمرافق يمثل أحد ملامح فكر المغفور لهما لتحقيق الرفاهية والسعادة للمواطنين.
كما تجلى اهتمامهما بالمواطن والإنسان في الاهتمام بالقطاع الصحي والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه بما يواكب طموحاتهما وطموح أهل الإمارات، مشيراً إلى أن رؤية هذين القائدين أسست لهذه الخدمات التي تطورت لأكثر من خمسة عقود مضت.
ويرى أن كافة مظاهر تفوق المرأة الإماراتية وتمكينها يعود إلى الدعم الكبير الذي قدمه لها الوالد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه، حيث أسند ملف المرأة والأسرة لحرمه سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، لتكون قريبة من احتياجات المرأة ومتطلباتها، حيث أدرك في وقت مبكر من الاتحاد أن تمكين المرأة هو جزء لا يتجزأ من تحقيق أهداف الدولة المستقبلية.
ولعل أكثر ما كان يميز الشيخ راشد في مجلسه اليومي أنه كان يحرص على الاستماع بانتباه للمتحدثين الذين كانوا يدلون بآرائهم بحرية تامة ودون أن يقاطعهم الشيخ راشد، واتسمت المداولات والحوارات في ذلك المجلس بالجدية ومعالجة كل الأمور التي تهم المواطنين وقضايا التنمية والعمران. ووصف الدكتور بلحيف النعيمي، الشيخ راشد بن سعيد بـ«أبو التعمير» وقال إنه رأى دبي على ما هي عليه اليوم ورسمها قبل 40 عاماً، وسيظل إحدى العلامات الفارقة في التاريخ العربي القيادي الحديث تماماً مثلما سيظل اسماً يتعالى في تاريخ دولة الإمارات، ذلك لأن رحلة دبي باتجاه التطور والازدهار ترتبط بعلاقة روحية خالصة بين كل حبة رمل على أرض الإمارة وروحه.
نهضة وصرح
وأكد أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استكمل رؤية والده وقاد المسيرة وأكد أن هذه النهضة التي تشهدها دولتنا اليوم منبعها رؤية ومتابعة الأسرة المتوحدة التي أسست لمجتمع دولة الإمارات، ووضعت اللبنات الأولى لدولتنا التي نراها اليوم تزاحم كبرى الدول المتقدمة.
وذكر الدكتور النعيمي موقفاً للشيخ زايد حين وجه بتأسيس جامعة الإمارات، فقد كان هناك تحد يتمثل في عزوف الطلبة عن الالتحاق بالدراسة فيها كونها جديدة ولم تنل بعدُ ثقة ذوي الطلبة، وفي هذا الوقت كان الابتعاث للدراسة في الخارج هو السائد، فقرر بحكمته السديدة والمعهودة استقطاب الطلبة بتخصيص حوافز مادية شهرية لمن يقرر الدراسة في جامعة الإمارات، وفي الوقت ذاته لم يمنع الطلبة الراغبين في الدراسة في الخارج، وترك لهم الخيار، وهذه الحوافز شجعت الكثيرين على الدراسة في جامعة الإمارات التي تخرج منها الكثير من الوزراء والمسؤولين حالياً.
استشراف المستقبل
موقف آخر يستحضره الدكتور النعيمي، حكاه له المهندسون الذين أشرفوا على مشروع تشييد طريق العين، ويقول إنه جلس مع زملائه المهندسين لتحضير الإجابات على الأسئلة المتوقعة من الشيخ زايد قبل الاجتماع معه مثل تكلفة المشروع وكل هذه الأمور وأخذوا يجمعون كافة البيانات حتى لا يقعوا في إحراج مع الشيخ زايد.
واستطرد رئيس المجلس الاستشاري في الشارقة قائلاً إن المهندس أخبره أنه تفاجأ بأسئلة من نوع آخر تدل على بعد نظر القائد المستشرف للمستقبل واستدامة التنمية وجودة الحياة في الدولة، حين شرح له المهندس على الخارطة مسار الشارع وطوله وتكلفته وما إلى ذلك، فرد الشيخ زايد قائلاً: «هل سيستوعب هذا الشارع تطور الحركة العمرانية للعشرين عاماً المقبلة؟ ومتى ينتهي إنجاز المشروع؟».
وحكى لنا موقفاً آخر ذكره أحد المقربين من برزة الشيخ راشد من تجار دبي خلال لقاء تلفزيوني قال فيه إنه عندما قرر الإنجليز الذهاب من هونج كونج طلب الشيخ راشد بن سعيد من هذا التاجر الذهاب إلى هناك للاطلاع على التطور هناك وما الذي أغرى الإنجليز للذهاب إلى هذا البلد وكيف طوروها لتصل إلى العالمية، وهذا الموقف يدل على بعد نظر هذا القائد في ذاك الوقت.