من خلف غبار الحرب الأعتى على جبهتي غزة ولبنان، عادت الدبلوماسية تشق طريقها، وإن بدا المشهد شائكاً ومحفوفاً بتقاطعات تسابق الانفجار العاصف، على أمل تحقيق اختراق سياسي ولو بالأحرف الأولى، ونزع فتيل التصعيد.

جولات مكوكية تحاول فتح نافذة سياسية من البيت الأبيض، مباحثات في الدوحة، ومبادرة مصرية، هكذا تحاول الأطراف المعنية والراعية للمنازلة السياسية إخماد الحريق، لكن طالما أن الدخان ما زال ينبعث من أفواه الطائرات الحربية، فكل الطرق تؤدي إلى مدلول واحد «الحرب لم تخمد نيرانها بعد».

ما يزيد المشهد تعقيداً، أن مفاوضات التهدئة تجري «بين نارين» في غزة ولبنان، وفي كل مرة تحاول أطراف الدبلوماسية الفصل بين الجبهتين، تصطدم بالإصرار على الربط، مرات من «حزب الله» وهذه المرة من إسرائيل.

مباحثات

المتتبع لماراثون المباحثات السياسية، يخرج بخلاصة واحدة، وهي أن وقف الحرب يحتاج إلى «كاسحة ألغام» وفتح مخرج عربي دولي، عله ينتهي إلى تفاهم، يتبعه ترسيم حدود سياسية له، فالمنطقة بدت وكأنها تسير على حبل مشدود فوق الوعاء المغلي، وسط مخاوف من توسيع رقعة النار على جبهة (إسرائيل - إيران) وعليه فالمشهد يحتاج إلى جسر سياسي و«حمّالة دبلوماسية» يخرج عليهما الإقليم من حقل الألغام.

وإذ يحاذر مراقبون ومحللون التعاطي بثقة مع المسارات السياسية التي فتحت بعد انسداد طويل، تنفطر قلوب الفلسطينيين واللبنانيين على ما يعانيه المواطنون العزل في مواجهة آلة الحرب.

ولا تلوح في الأفق أي اختراقات سياسية، ذلك أن الأطراف التي تقود المسار السياسي جاءت تتأبط ملفات معقدة على الجبهتين (غزة وبيروت) ومتأرجحة ما بين القرار 1701 في بلاد الأرز، ووثيقة 2 يوليو التي يتمسك بها الفلسطينيون في أي مفاوضات للتهدئة.

3 عوامل



وفق الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، فالعد التنازلي للحرب يرتكز على ثلاثة عوامل: خسائر الجيش الإسرائيلي، واحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران قبل الانزلاق إلى الحرب الشاملة، ومن سيفوز في الانتخابات الأمريكية، مرجحاً أن تمضي الأمور إلى الأسوأ في حال فوز دونالد ترامب، إذ من المرجح أن يعود إلى «صفقة القرن».

يقول المصري: «الرهان على الجهود التي يقودها بايدن من خلال مبعوثيه (بلينكن وهوكشتاين) يبدو خاسراً، لأن الرئيس الأمريكي لا يرغب في أن ينهي حياته السياسية، بالضغط على الدولة التي قال عنها (لو لم تكن موجودة لأوجدتها) وكل العالم يتحدث عن مأساة غزة ولبنان، لكن المطلوب انتشال الدبلوماسية المعطلة، وبذل جهد حقيقي لوقف الحرب وإخماد نيرانها».

أوضاع معقدة

في حين يرى الدبلوماسي الفلسطيني والسفير السابق مروان طوباسي، أن الجهود السياسية الأخيرة (مبادرة القاهرة ومباحثات الدوحة) جاءت وسط أوضاع معقدة ومصالح متضاربة، إذ نشهد خلافات داخلية بشأن الصفقة داخل إسرائيل، فيرى نتنياهو في التصعيد العسكري وسيلة ضغط إضافية (وهو ما تؤيده واشنطن)، في حين يميل غالانت لصفقة مؤقتة لاحتواء الأوضاع المتوترة، ومن هنا يظل استمرار الحرب محتملاً، وفق تعبيره.

وأياً كان منسوب الجهود السياسية، فهذا بالنسبة لأهل غزة والشعب اللبناني، لا يطعمهم من جوع ويأمنهم من خوف، فمن قلب الميدان المشتعل والآخذ في الاتساع، تستخلص الأوساط السياسية أن لا مفر من هبوط اضطراري للطائرات الحربية المقاتلة في كلا الاتجاهين، لتجنيب المنطقة حرباً شاملة.