يشهد العالم فصلاً جديداً في صراع ممتد بين روسيا وحلف الشمال الأطلسي «الناتو»، اندفع الطرفان في الأسابيع الأخيرة نحو تصعيده في مشهد يثير قلقاً حقيقياً من انزلاقهما إلى مواجهة خطيرة.

إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إطلاق مناورات عسكرية ضخمة تكون محاكاة لاستخدام الأسلحة النووية، وتتضمن عمليات إطلاق تدريبية لصواريخ بالستية وصواريخ كروز قادرة على حمل رؤوس نووية تهديد صريح بإشعال حرب نووية إن تهاون العالم مع رغبته في حماية حدوده.

لا سيما بعد اتهامه بالاستعانة بقوات كورية شمالية في حربه مع أوكرانيا، فهل هو جاد هذه المرة في تهديده أم أنها استراتيجية مبنية على مبدأ «التصعيد لمنع التصعيد»، ما يعني التهديد بإطلاق ضربات نووية على أمل أن يتراجع الغرب، ويحقق الكرملين أهدافه، علماً بأن روسيا تتبنى في أغلب الأحيان «دبلوماسية الخطوة بالخطوة... في مواجهتها لخصومها في كل من واشنطن ودول حلف الناتو».



مواجهة الضغط الأجنبي

روسيا والولايات المتحدة هما أكبر قوتين نوويتين في العالم، حيث تمتلكان حوالي 88 % من الأسلحة النووية في العالم، وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين، إذ تعمل كلاهما على تحديث ترسانتها النووية. لم تتستر روسيا أبداً في شأن ترسانتها النووية.

من اللحظة الأولى للحرب في أوكرانيا حاولت موسكو تخويف العالم عبر الحديث عن أسلحة نووية، ولكن الأكيد أن موسكو تطلق التهديدات على أمل أن تنجح مقاربتها، لكنها تحتفظ بخيار توجيه ضربات نووية حقيقية إذا اضطرت لذلك.

ويؤكد محللون أن تصريحات بشأن الأسلحة النووية تهدف إلى تعزيز موقف روسيا في مواجهة الضغط الغربي، ولكنها لا تعني بالضرورة استعداداً فورياً لاستخدامها.

وقال بوتين في يونيو 2024، إن روسيا ليست بحاجة إلى استخدام الأسلحة النووية لحسم حرب أوكرانيا، وهي أقوى إشارة من الكرملين حتى الآن بأن حرب أوكرانيا لن تتصاعد إلى حرب نووية.

دعم أوكرانيا بالأسلحة

كما أن مناورات «الناتو» الأخيرة لا تبدو مجرد تدريبات روتينية، بل تأتي في سياق سلسلة مترابطة من التصريحات «غير الودية» المتبادلة بين قيادة الحلف وموسكو، فالناتو يخطط لتزويد أوكرانيا بمبلغ 40 مليار يورو كحد أدنى من التمويل الأساسي في عام 2025.

كما أن سماحه باستخدام الأسلحة الغربية لضرب الأراضي الروسية يمثل نقطة تحول خطيرة في الحرب الأوكرانية الروسية.

هذا التطور يزيد احتمالية تصعيد النزاع إلى مواجهة أوسع تشمل دولاً أخرى، وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار الدولي، ومع ذلك يبقى الهدف الرئيس للدول الغربية هو زيادة الضغط على روسيا لإجبارها على التفاوض، وليس الدخول في حرب شاملة.

تحول جديد

منذ بداية الحرب كان الدعم الغربي لأوكرانيا محدوداً بتقديم الأسلحة، والدعم اللوجستي، والتدريب العسكري، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، غير أن التطورات الأخيرة تعكس تحولاً في الديناميكية العسكرية والسياسية للنزاع.

وتضم قاعدة فيسبادن الوحدة الأمريكية المسؤولة عن الصواريخ بعيدة المدى، التي ستنشرها واشنطن في ألمانيا مؤقتاً اعتباراً من عام 2026، لمواجهة ما تصفه الدولتان بالتهديد، الذي تشكله الصواريخ الروسية المتمركزة بالقرب من كالينينجراد، على بعد نحو 500 كيلو متر من برلين.

ويرى مراقبون روس أن تجميع هذه «الفسيفساء» معاً يوحي وكأنها تحضير لحرب، تشير عوامل مختلفة إلى أن روسيا هي الهدف منه، لكن إعادة التذكير بملف انضمام كييف للناتو لا تعدو - حسب كركودينوف- كونها أكثر من محاولة استفزاز جديدة أو ورقة ضغط لإرغام روسيا على القيام بتنازلات.