بينما يترقب العالم الخطوات الأولى للرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، تسود التوقعات حول إمكانية أن تسهم إدارته في تخفيف حدة النزاع في أوكرانيا أو توجيه مسار الأزمة نحو تهدئة مؤقتة. وفيما يتساءل المحللون عما إذا كان ترامب سيلتزم بوعوده الانتخابية، يتساءل آخرون عن قدرته الفعلية على تحقيق تقدم في ملف يسيطر عليه توازن معقد من المصالح الدولية، والعوامل المؤثرة في السياسات الخارجية للولايات المتحدة.

تكتسب هذه القضية زخماً خاصاً في ضوء تصريح ترامب المتكرر خلال حملته الانتخابية، الذي قال فيه إن الحرب في أوكرانيا لم تكن لتندلع لو كان في البيت الأبيض، متعهداً بالعمل على وقف النزاع في حال فوزه. وعلى إثر فوزه، أظهرت الأوساط السياسية والدبلوماسية ترقباً حذراً لتحديد كيفية تعامله مع الوضع، خصوصاً في ضوء تصريحاته التي لاقت أصداء مختلفة حول العالم، لا سيما بين موسكو وكييف.

في تطور جديد، كشف تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» أن ترامب أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقشا خلالها ملف النزاع الأوكراني.

وأفادت تقارير أخرى أن ترامب تواصل كذلك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مشيراً إلى دعمه لجهود كييف في الدفاع عن أراضيها. لكن بعد ساعات قليلة، نفت موسكو حدوث اتصال بين بوتين وترامب، مما أثار تساؤلات حول خلفية تلك التحركات وتداعياتها المحتملة على مستقبل الصراع.

تعديلات

من موسكو، يقول الأستاذ بكلية موسكو العليا، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لـ «البيان»، إن ترامب قد يستطيع إحداث بعض التعديلات على المشهد الأوكراني، ولكنه من المستبعد أن يتمكن من إنهاء الصراع بالسرعة التي وعد بها خلال حملته الانتخابية. مضيفاً: يعتمد الأمر بشكل كبير على قدرة ترامب على السيطرة على توجهات النخبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تملك سلطة وتأثيراً كبيراً في توجيه السياسات والأحداث.

وأشار القليوبي إلى أن إمكانية سيطرة ترامب على «الاستبلشمنت» تكمن في نجاحه بتعيين شخصية من الصقور لرئاسة وزارة الخارجية، كالنموذج الذي اعتمده في فترته الرئاسية الأولى حين عين مايك بومبيو، وهو من كبار الصقور في الحزب الجمهوري، مما يعني احتمال تثبيت التوجهات المحافظة.

مع ذلك، يشير إلى أن تحقيق أي تقدم في ملف أوكرانيا يتطلب توافقاً على تجميد النزاع، وضمان عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، وهو ما قد يمثل شرطاً لوقف تصعيد الصراع.

ويتعين على إدارة ترامب التغلب على تحديات عدة للانخراط في الملف الأوكراني؛ أبرزها قوة الدولة العميقة والمؤسسات التي تعارض بعض توجهاته الدبلوماسية، إضافة إلى النفوذ القوي للبنتاغون ووزارة الخارجية التي كانت سابقاً تعارض العديد من سياسات ترامب في فترة رئاسته الأولى.

توازن

ويبرز التساؤل حول قدرة ترامب على إقناع الأطراف الأمريكية الرئيسية بتغيير سياستها المتشددة تجاه موسكو، وهو أمر لم يستطع تحقيقه بشكل كامل خلال فترة رئاسته الأولى، بحسب مراقبين، يرون في الوقت نفسه أن الصراع الأوكراني الروسي يتطلب توازناً بين طموحات موسكو وأمنيات كييف، مع مراعاة مصالح واشنطن وحلفائها، مما يجعل من وعود ترامب مجرد بداية لحوار معقد قد لا يصل إلى نهايات واضحة وسريعة.

ويوضح المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، في تصريحات لـ «البيان» أن المشهد في الملف الأوكراني قد يشهد تغيرات كبيرة في ظل الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب، مشيراً إلى أن هناك سيناريوهات عدة محتملة قد تحدد مسار النزاع؛ منها تجميد الصراع مع تخفيف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، مما يمكن أن يحد من تصعيد التوترات العسكرية، وإقامة منطقة آمنة تمتد على طول 1300 كيلومتر في المناطق التي تسيطر عليها روسيا.

تهدئة

ومن بين السيناريوهات الأخرى التي تناولها بريجع، احتمال تعليق عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمدة 20 عاماً، كخطوة لتهدئة المخاوف الروسية، إلى جانب توفير ضمانات متبادلة بين الطرفين الروسي والأوكراني.

ورغم هذا، يظل هناك التزام محتمل من الولايات المتحدة بمواصلة تقديم الدعم الدفاعي لأوكرانيا، وإن كان ذلك قد يتم بشكل مخفف دون التوقف الكامل، مما يتيح استمرارية في دعم استقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها.