هدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قبل أيام باستعادة قناة بنما، الممر المائي الاستراتيجي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، على خلفية فرض بنما رسوماً مرتفعة على مرور السفن عبر القناة، والتي وصفها ترامب بـ"المبالغ فيها"، وقال: "سنطالب بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة بالكامل، بسرعة ودون تردد"، إذا لم تتغير الأمور بعد توليه منصب الرئاسة الشهر المقبل، بحسب "أسوشييتد برس".

ما هي قناة بنما؟

ولمن لا يعرف قناة بنما، فهي ممر مائي صناعي يمتد على مسافة 82 كيلومتراً، يمر عبر برزخ بنما ويربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ما يوفر على السفن قطع مسافة إضافية تقدر بنحو 11,000 كيلومتر حول رأس هورن في أقصى جنوب أمريكا الجنوبية، وتوفر القناة لشركات الشحن الأمريكية الكثير من الوقت وتكاليف الوقود، ما يسهم في تسريع وصول البضائع، وهو أمر بالغ الأهمية للسلع القابلة للتلف وللصناعات التي تعتمد على سلاسل الإمداد الدقيقة.

بدأت محاولات شق قناة عبر بنما في عام 1880 بقيادة المهندس الفرنسي فرديناند دي ليسبس، الذي كان قد أنجز مشروع شق قناة السويس، لكن المشروع فشل بسبب الأمراض الاستوائية مثل الملاريا والحمى الصفراء، فضلاً عن الظروف الصعبة التي شهدها العمال. وبعد فشل المشروع الفرنسي، أُعيدت المحاولات الأمريكية لبناء القناة، حيث تدخلت البحرية الأمريكية بقواتها عند استقلال بنما عن كولومبيا في 1903، وتم توقيع معاهدة مع بنما والتي أتاحت للولايات المتحدة شق القناة.

شرعية

افتتحت القناة في 1914، وسرعان ما بدأ البنميون التململ من السيطرة الأمريكية وشككوا في شرعية تلك السيطرة، واستمر ذلك حتى السبعينيات عندما بدأت الولايات المتحدة، في ظل التكاليف المتزايدة لإدارة القناة، التفاوض مع بنما من أجل نقل إدارتها إليها، فأبرمت في عام 1977، معاهدتان بين الولايات المتحدة وبنما؛ الأولى "معاهدة الحياد الدائم" والثانية "معاهدة قناة بنما" التي نصت على أن تسلم الولايات المتحدة القناة لبنما في 31 ديسمبر 1999، وهو ما تم فعلاً في الموعد المحدد، رغم أصوات معارضة من بعض الأمريكيين في تلك الفترة.

ومنذ تسلمها إدارة القناة، بذلت بنما جهوداً كبيرة في تحسين كفاءة القناة، حيث ارتفعت حركة المرور بنسبة 17% بين عامي 1999 و2004، وفي عام 2006 وافق الشعب البنمي في استفتاء على توسيع القناة لتناسب السفن الحديثة الأكبر حجماً، وهو التوسع الذي اكتمل في 2016 بكُلفة تجاوزت 5.2 مليارات دولار.

سرقة

اعتبر ترامب الرسوم التي تفرضها بنما على العبور من القناة "مبالغاً فيها"، وقال إن الولايات المتحدة تتعرض لـ "سرقة"، مشيراً إلى أنه لن يقف مكتوف اليدين أمام ذلك، ووصف المعاهدة التي جرى توقيعها في السبعينيات بأنها "حمقاء"، لأنها أسفرت عن تسليم القناة لبنما.

في ظل تلك الاتهامات أكد الخبراء في كلا البلدين أن ترامب لا يمكنه استعادة القناة بمفرده، فمعاهدة الحياد تمنح الولايات المتحدة الحق في التدخل إذا كان هناك تهديد عسكري للقناة، لكنها لا تسمح بإعادة السيطرة عليها في الظروف العادية، وبحسب المدير السابق لقناة بنما يقول خورخي لويس كيجانو: "لا توجد أي بنود في المعاهدة تسمح باستعادة القناة".

يبقى أمام ترامب حل واحد وهو شن الحرب على بنما، ودون ذلك لا يمكنه عمليًا استعادة القناة، حسب بنجامين جيدان، مدير برنامج أمريكا اللاتينية في مركز وودرو ويلسون، ويضيف: "موقف ترامب يبدو غريبًا خصوصًا أن الرئيس البنمي، خوسيه راؤول مولينو، من المحافظين الموالين للأعمال التجارية، وكان قد أبدى استعدادًا لإقامة علاقة خاصة مع الولايات المتحدة.. ويؤكد جيدان أن النزاع حول القناة ليس أفضل خيار لترامب، خاصة في ظل التعاون الوثيق بين البلدين في قضايا مثل مكافحة الهجرة غير القانونية.

الخلاصة أن ترامب لا يستطيع استعادة قناة بنما ببساطة، رغم صخب التهديدات التي أطلقها حول القناة، حيث لا يملك سنداً قانونياً أو عملياً في ظل الاتفاقات الدولية الموقعة، كما أن بنما نجحت في إدارة القناة بشكل جيد بعد أن تسلمتها، وأي محاولة من ترامب لإثارة نزاع حول القناة قد تؤدي إلى تعقيد العلاقات مع حليف استراتيجي مهم للولايات المتحدة