مع ترقب العالم للانتخابات الأمريكية الشهر المقبل، تثير حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط تساؤلات حول تبعات تصاعد تلك المخاطر على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، وما إن كانت مؤثرة في توجيه بوصلة الناخبين لمرشح دون غيره، بينما على الجانب الآخر، تبرز تساؤلات موازية حول سيناريوهات الموقف الأمريكي إزاء ملفات الشرق الأوسط بعد الانتخابات، وما إن كانت ثمة متغيرات محتملة.

استطلاعات الرأي، ومنها استطلاع مؤسسة «غالوب»، تظهر أن قضايا الشرق الأوسط لا تعتبر محور اهتمام رئيسياً في النقاشات السياسية الداخلية الأمريكية، حتى التحديات الخارجية، مثل الوضع في الصين أو الحرب في أوكرانيا، لا تكتسب الزخم نفسه.

لكن على الرغم من أن القضايا المحلية، مثل الاقتصاد والهجرة وحتى قضايا الإجهاض وتغير المناخ وغير ذلك من القضايا، تظل في صدارة اهتمامات الناخبين، لا يمكن التغافل عن تأثير التوترات الخارجية، التي قد تسهم في تشكيل المواقف السياسية للمرشحين. وهناك من يرى أن تصاعد التوترات في غزة والصراعات الإقليمية الأخرى قد يكون له تأثير في نتائج الانتخابات في بعض الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان، لكن لا يزال من المبكر التنبؤ بمدى تأثير ذلك بشكل قاطع على التصويت لأي من المرشحين.

دونالد ترامب، الذي رسخ دعائم سياسته الخارجية على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، من المحتمل أن يستغل التوترات الحالية لتأكيد التزامه بالأمن القومي الأمريكي، كما أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، التي تمثل الاتجاه الديمقراطي الأكثر حذراً، تواجه تحدياً في كيفية التأكيد على السياسة الأمريكية الراسخة في سياق دعم إسرائيل دون التعارض مع الحاجة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.

يتمتع كلا المرشحين بسجلات حافلة في فترة خدمتهما في السلطة التنفيذية، وبالتالي تعطي هذه السجلات والمواقف تأكيداً عملياً على سياساتهما إزاء الملفات المختلفة، بما في ذلك ملفات السياسة الخارجية، وطبيعة التعامل مع المخاطر الآتية من منطقة الشرق الأوسط.

وتبقى التوترات في الشرق الأوسط عاملاً مركزياً، لكن تأثيرها في الانتخابات الأمريكية قد يكون غير مباشر. وبينما يسعى المرشحان ترامب وهاريس لتشكيل مواقعهما في ضوء الأحداث الجارية، سيظل التركيز الأساسي على القضايا المحلية.

السياسة الخارجية الأمريكية

في سياق الانتخابات الأمريكية للعام 2024، قدم المرشحان الرئيسيان، مع مرشحي نائب الرئيس تيم والز وجي دي فانس، مواقف حول الشرق الأوسط، استندت إلى تجاربهم السابقة في المناصب المختلفة. ورغم أن المنطقة لم تكن محوراً رئيسياً في النقاشات السياسية داخل الولايات المتحدة، فإن تصريحاتهم بشأن الشرق الأوسط ركزت بشكل كبير على استمالة بعض الدوائر الانتخابية المحلية.

وبشكل عام، تأثرت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشدة بالسياسة الداخلية الأمريكية؛ في الماضي، كانت القوى السياسية في الولايات المتحدة التي دعمت إسرائيل أقوى بكثير من تلك التي فضلت الفلسطينيين أو أية جهة فاعلة أخرى في الشرق الأوسط تعارض إسرائيل، من بين هؤلاء الرئيس جو بايدن، وأولئك الذين يتذكرون إسرائيل من أيامها الأكثر ضعفاً قبل العام 1967.

وعلى الرغم من ذلك، وبحسب أستاذ في الحكم والسياسة في جامعة جورج ميسن، مارك ن. كاتز، في حديثه مع «البيان»، فإنه «في الآونة الأخيرة، اكتسبت القوى الأكثر انتقاداً لإسرائيل ودعماً للفلسطينيين قوة في الولايات المتحدة، بما في ذلك المجتمعات العربية الأمريكية ومجتمعات المسلمين الأمريكيين المتنامية، والأمريكيون غير البيض، والأمريكيون الشباب الذين درسوا السياسة في الشرق الأوسط في الجامعة».

العديد من هذه القوى داخل المجتمع الأمريكي الأكثر تأييداً للفلسطينيين منزعجة من دعم إدارة بايدن القوي لإسرائيل في حربها بغزة. ولكن هذا لا يجعلهم أكثر ميلاً للتصويت لصالح دونالد ترامب، الذي يدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو أكثر من بايدن أو هاريس.

ويضيف كاتز: «بالنسبة لهاريس، فإن الخطر هو أن هذه المجموعات، وخاصة الجالية العربية الأمريكية القوية سياسياً في ميشيغان، قد لا تصوت على الإطلاق. وبما أنهم سيصوتون عادة للديمقراطيين، فإن عدم تصويتهم قد يساعد ترامب».

أما لجهة ما يرتبط بتعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع ملفات الشرق الأوسط بعد الانتخابات، في ظل أي من السيناريوهين، سواء سيناريو فوز ترامب أو فوز بايدن، يعتقد كاتز، وهو زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، بأنه قد يختلف خطاب ترامب وهاريس فيما يتعلق بالشرق الأوسط، لكن من المرجح أن تكون سياساتهما تجاه الشرق الأوسط متشابهة؛ وذلك لأن السياسة الخارجية الأمريكية نادراً ما كانت قادرة على تشكيل ما يحدث في الشرق الأوسط، فبدلاً من ذلك، كانت السياسة الخارجية الأمريكية في ظل الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء أكثر تفاعلاً مع الأحداث في الشرق الأوسط. ويبدو أن هناك دائماً أحداثاً دراماتيكية في هذه المنطقة يجب على واشنطن أن تتفاعل معها. ومن ثم، فسواء تم انتخاب هاريس أم ترامب، فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستظل تدعم إسرائيل، وتعارض إيران وحلفاءها، وتحاول إحباط صعود النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، بحسب كاتز.

تأكيدات

بالنسبة لترامب، فالبرنامج الرسمي للحزب الجمهوري لم يركز بشكل واسع على السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، باستثناء التأكيد على دعم إسرائيل والسعي لاستعادة السلام في المنطقة. في وقت يعتقد فيه مراقبون على نطاق واسع أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعني استئناف سياسات ولايته الأولى، التي تمحورت حول استخدام العقوبات الاقتصادية ضد إيران من خلال توظيف ورقة التعريفات الجمركية، مع تبني خطاب تصعيدي.

كما من المتوقع أن تتبنى إدارته موقفاً صارماً ضد أية محاولة للتفاوض مع إيران بشأن الملف النووي، مع تقليل الاهتمام بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية لصالح التركيز على التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد. علاوة على ذلك، قد تشهد المرحلة المقبلة استمرار ترامب في توثيق علاقاته مع القادة الأقوياء في المنطقة، وتعزيز التحالف مع الحلفاء التقليديين في المنطقة، وكذا استمرار موقفه المتشدد تجاه الهجرة.

التحالفات الدولية

ويرى مراقبون أن هاريس ستواصل، على الأرجح، السياسات العامة التي اتبعتها إدارة بايدن، خصوصاً فيما يتعلق بتعزيز التحالفات الدولية والعمل مع الشركاء للحد من نفوذ قوى مثل روسيا والصين وإيران، ما يعكس تمسكها بالمبادئ الدولية والتعاون متعدد الأطراف.

فيما يخص إسرائيل وفلسطين، يظهر برنامج الحزب الديمقراطي معارضة واضحة لأي خطوات تهدد حل الدولتين، مثل التوسع الاستيطاني أو الضم، بينما يؤكد أن القدس يجب أن تبقى عاصمة لإسرائيل، مع ضمان حق الوصول للأديان المختلفة. ويدعم البرنامج أيضاً تقديم مساعدات للشعب الفلسطيني، طالما تتماشى مع القوانين الأمريكية. من جهة أخرى، يرفض البرنامج أي محاولات لنزع الشرعية عن إسرائيل في المحافل الدولية. أما بالنسبة للوضع في لبنان، فإن النهج الديمقراطي يميل نحو البحث عن حلول دبلوماسية للصراع مع إسرائيل، ودعم دولة لبنانية ذات سيادة.

في حين من المرجح أن يتجنب كل من المرشحين التحولات الكبرى في السياسة الفعلية في الشرق الأوسط في الأشهر الأولى لإدارتيهما بسبب أولويات أخرى أعلى، لكن هذا سيعتمد على ما يحدث في المنطقة في ذلك الوقت.

وفي انتخابات متقاربة للغاية، قد تكون الجالية المسلمة الكبيرة في ميشيغان وبنسلفانيا حاسمة، بحسب الأستاذ بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا، جوناثان أرونسون، خلال حديثه مع «البيان»، الذي يشير إلى أن معظمهم لا يحبون أياً من المرشحين، ولكن من المرجح أن يكون ترامب أكثر كراهية وخوفاً منهم.

لذلك يتساءل الكثير من الناخبين في تلك المناطق: هل يجب أن أصوت لهاريس باعتبارها الأقل ضرراً بين الخيارين، أم لا أصوت لأي من المرشحين وأخاطر بفوز ترامب؟

وحول موقف المرشحين إزاء الملفات الآنية في الشرق الأوسط ومع تصاعد المخاطر على نحو واسع بما يهدد بحرب إقليمية، يلفت أرونسون إلى التباينات إزاء هذه الملفات وسبل التعامل معها، وهو ما يؤكد سياساتهما بشكل واضح، قائلاً: «لقد قال ترامب إنه سيدعم ويقدم مساعدة قوية في حالة قيام إسرائيل بضربة ضد المنشآت النووية المدفونة في إيران. على الجانب الآخر فإن هاريس (وبايدن) يحاولان تثبيط مثل هذا الهجوم ويسعيان إلى وقف إطلاق النار»، على حد قوله، في إشارة إلى احتمالات تبني ترامب دعم خيارات إسرائيل بتوجيه ضربات حاسمة في سياق التصعيد. لكن مثل هذا السيناريو يجر المنطقة إلى سيناريوهات أكثر صعوبة، وبما قد يعرض المصالح الأمريكية ذاتها للخطر حال تفاقم التصعيد وصولاً لمهاجمة أهداف أمريكية.

نزاع منخفض

في هذا السياق، وخلال حديثه مع «البيان»، يشير الباحث في مؤسسة أمريكا الجديدة، باراك بارفي، إلى أنه إذا استمر الوضع كما هو عليه الآن - نزاع منخفض المستوى في غزة ولبنان - فلن يكون له تأثير كبير بحد ذاته، ولكن إذا شنت إسرائيل ضربة قوية على إيران، فقد يؤدي ذلك إلى اهتزاز أسواق النفط. وإذا ردت إيران وحثت وكلاءها على مهاجمة الأهداف الأمريكية، فإن عدم الاستقرار الإقليمي سيؤثر في الانتخابات.

كما يعتقد أن «الصراع في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا يغذيان رواية ترامب التي تقول بأن الأمور كانت أفضل عندما كان رئيساً». وفي السياق، فإن «الحكمة التقليدية تقول إن فوز ترامب سيكون جيداً بالنسبة لنتانياهو.

ربما تأتي هذه النقاشات بشأن إيران من أن ترامب سيمنحه مساحة أكبر للمناورة. لكن الوضع في غزة غير قابل للتنبؤ»، على حد تعبيره. ويوضح أن ترامب «قد يضغط على نتانياهو لإنهاء الحرب. وباعتبار أن ترامب غير قابل للتنبؤ وغير مستقر، فلا أحد من القادة يريد التعامل مع ذلك بشكل يومي؛ لذلك لست متأكداً من أن نتانياهو متحمس بشدة لفوز ترامب. ربما يكون راضياً بالقدر نفسه مع رئيس ديمقراطي غير خبير وغير مرتاح للضغط عليه».

حسابات جيوسياسية

وفي السياق، يتحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكجيل، ريكس برينن، عن كيفية تأثير التوترات في منطقة الشرق الأوسط في الحسابات الجيوسياسية للولايات المتحدة والقوى الخارجية، معتبراً لدى حديثه مع «البيان» أنه من الصعب جداً التحديد، ذلك في الولايات المتحدة سيكون الكثير متوقفاً على الانتخابات القادمة في نوفمبر، في تقديره.

ورغم ذلك لا يعتقد أن ثمة تغيرات جوهرية يمكن أن تطرأ على موقف الإدارة الأمريكية الجديدة (سواء ديمقراطية أم جمهورية) وعلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه ملفات الشرق الأوسط، ويردف قائلاً: «أعتقد أن إدارة ترامب لن تعتبر الشرق الأوسط أولوية، بينما إدارة هاريس قد تقوم فقط بتعديلات طفيفة في نهج الولايات المتحدة».

وفي سياق متصل، يعتقد أن استراتيجيات إدارة التصعيد في الشرق الأوسط فشلت بشكل فادح من جميع الأطراف، فالولايات المتحدة كانت غير راغبة في كبح جماح إسرائيل، والدول الأخرى يبدو أن لها تأثيراً ضئيلاً في أي من الأطراف الرئيسية، وإيران كذلك وجدت قدرتها على التأثير في الأحداث محدودة، على حد تعبيره.