لا يمكن النظر إلى الانتخابات الأمريكية التي اشتدت منافساتها في الأيام الأخيرة بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، وذلك وسط تقارب شديد بينهما  كشفته استطلاعات الرأي الأخيرة، دون تسليط الضوء على الركن الأساسي في العملية الانتخابية، وهو المجمع الانتخابي ، فما هو هذا المجمع وكيف تُنتخب أقوى قيادة في العالم؟

المجمع الانتخابي هو نظام انتخابي معقد يُستخدم في الولايات المتحدة الأمريكية لتحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية.

يشمل النظام مجموعة من الإجراءات والأطر القانونية التي تؤثر على عملية التصويت وكيفية احتساب الأصوات.

يُعد هذا النظام جزءاً من دستور الولايات المتحدة، ويهدف إلى تحقيق توازن بين رغبات المواطنين وبين التوزيع الجغرافي للولايات.

التاريخ والتأسيس

تم إنشاء المجمع الانتخابي في عام 1787 عند صياغة الدستور الأمريكي، كجزء من اتفاقية فيلادلفيا. وقد تم اعتماده كحل وسط بين التصويت الشعبي المباشر للرئيس وبين انتخابه من قبل الكونغرس.

كان الهدف من إنشائه هو تجنب أن تكون الانتخابات الرئاسية خاضعة تماماً للأغلبية الديموغرافية في الولايات الكبرى، وإعطاء الولايات الأصغر حصة من التأثير.

آلية عمل المجمع الانتخابي

يتكون المجمع الانتخابي من 538 مندوباً، ويعكس هذا الرقم مجموع أعضاء الكونغرس الأمريكي (مجلس النواب والشيوخ) مع إضافة ثلاثة أصوات تمثل مقاطعة كولومبيا (واشنطن العاصمة).

لكل ولاية عدد معين من الأصوات في المجمع الانتخابي، ويعتمد هذا العدد على تمثيلها في الكونغرس؛ بمعنى أنه يساوي عدد نواب الولاية في مجلس النواب زائد عدد ممثليها في مجلس الشيوخ (الذي هو دائماً اثنان لكل ولاية).

التصويت الشعبي والتصويت في المجمع الانتخابي

يتم إجراء الانتخابات الرئاسية من خلال التصويت الشعبي في كل ولاية، حيث يصوّت المواطنون لمرشح معين.

أغلب الولايات تتبع نظام "الفائز يأخذ كل شيء" (Winner-Takes-All)، حيث يحصل المرشح الذي يفوز بالتصويت الشعبي في الولاية على جميع أصوات المجمع الانتخابي المخصصة لتلك الولاية. وتعد ولايتا مين ونبراسكا استثناءً؛ حيث تقسّمان أصواتهما على أساس نسبي.

كيفية اختيار الرئيس

يحتاج المرشح للفوز بحد أدنى من 270 صوتاً في المجمع الانتخابي ليتم انتخابه رئيسًا.

في حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلوبة (270 صوتاً)، يتم تحويل القرار إلى مجلس النواب الأمريكي الذي يقوم بانتخاب الرئيس من بين المرشحين الثلاثة الحاصلين على أعلى الأصوات في المجمع الانتخابي، حيث يصوت كل وفد ولاية مرة واحدة.

الانتقادات

يرى بعض الناس أن نظام المجمع الانتخابي يؤدي إلى نتائج غير عادلة، حيث يمكن أن يفوز مرشح بالرئاسة دون الحصول على الأغلبية الشعبية. كما أن النظام يعطي أفضلية للولايات المتأرجحة، مما يعني أن المرشحين يركزون حملاتهم على هذه الولايات على حساب الولايات الأخرى.

المزايا

يرى المؤيدون أن المجمع الانتخابي يحمي حقوق الولايات الصغيرة والمتوسطة، ويمنع تركيز القوة السياسية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية فقط. كما يعزز من استقرار النظام الانتخابي ويجنب الانتقالات السريعة بين السياسات المتناقضة.

وكان هناك خمس حالات على الأقل (1824، 1876، 1888، 2000، و2016) حيث فاز المرشح بالرئاسة عن طريق المجمع الانتخابي، رغم أن المرشح الآخر حصل على عدد أكبر من الأصوات الشعبية.

محاولة للتغيير

هذا النهج الذي يعتمد على مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء" في أغلب الولايات يعني أن المرشحين يركزون حملاتهم على "الولايات المتأرجحة"، حيث تكون النتيجة غير مؤكدة، لأن الفوز بها يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حصيلة أصوات المجمع الانتخابي.

وواجه نظام المجمع الانتخابي في الولايات المتحدة تدقيقًا كبيرًا ومحاولة لتغييره في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك أساسًا إلى النتائج التي لم يتمكن فيها الفائز بالتصويت الشعبي من الفوز بالرئاسة.

ففي انتخابات عام 2000، فاز جورج دبليو بوش بأغلبية الهيئة الانتخابية على الرغم من حصول آل جور على أصوات شعبية أكبر. وقد شاب الانتخابات مزاعم بالتزوير في التصويت والحرمان من حق التصويت، وخاصة في فلوريدا. وبلغ الجدل ذروته بقرار من المحكمة العليا أنهى إعادة فرز الأصوات ومنح بوش النصر.

وعلى نحو مماثل، شهدت انتخابات عام 2016 فوز دونالد ترامب بالرئاسة من خلال المجمع الانتخابي، على الرغم من فوز هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي بفارق يقرب من ثلاثة ملايين صوت.

وقد أشعلت هذه الحالات الجدل من جديد حول نزاهة وفعالية هذا النظام الانتخابي في تمثيل إرادة الشعب الأمريكي وفقا لـ " سي إن بي سي".

ويواجه نظام المجمع الانتخابي في الولايات المتحدة تدقيقًا مستمرًا وإصلاحات محتملة. وتشمل المقترحات لتغيير النظام التصويت المدمج، والتصويت بالاختيار، وإصلاح الانتخابات التمهيدية.

وانضمت بعض الولايات إلى الميثاق الوطني للتصويت الشعبي بين الولايات، ووافقت على تعهد ناخبيها للفائز بالتصويت الشعبي الوطني. وسيدخل هذا الميثاق حيز التنفيذ بمجرد انضمام الولايات التي تتمتع بأغلبية الأصوات الانتخابية.

تحديات دستورية

ولكن المنتقدين يزعمون أن مثل هذه التغييرات قد تواجه تحديات دستورية. ويستمر الجدل في الوقت الذي يحاول فيه الأمريكيون إيجاد التوازن بين الحفاظ على التقاليد وضمان التمثيل العادل في الانتخابات الرئاسية.

وتستمر الآلية المعقدة لنظام المجمع الانتخابي، والتي ترجع جذورها إلى التسوية التاريخية، في تشكيل المشهد السياسي والتأثير على استراتيجيات الحملات الانتخابية.