قبل يومين من موعد انتخابات نوفمبر الحاسمة، تشهد الولايات المتحدة حالة من الترقب الشديد مع تصاعد المنافسة بين الرئيس السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس الحالية المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.

في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد، ووسط أجواء مشحونة بالتوترات الاجتماعية والجيوسياسية، يقف الناخبون أمام خيارين يعكسان رؤى متباينة لمستقبل الولايات المتحدة، بينما تركيزهم ينصب على مجموعة من القضايا والملفات التي تحدد بوصلة أصواتهم في تلك الانتخابات الحاسمة.

الحملة الانتخابية التي تركز على القضايا الساخنة مثل الاقتصاد والهجرة تزيد من حدة الاستقطاب، وتضع «الولايات المتأرجحة» بشكل خاص في قلب المعركة السياسية.

والولايات المتأرجحة في الانتخابات الأمريكية، هي الولايات التي لا تملك توجهاً ثابتاً نحو حزب سياسي معين (الديمقراطي أو الجمهوري) في الانتخابات الرئاسية. بمعنى أن الأصوات فيها تتأرجح بين الحزبين من انتخابات لأخرى، مما يجعلها ساحة معركة حاسمة يتنافس عليها المرشحون. ونتائج هذه الولايات عادةً ما تحدد الفائز في الانتخابات، حيث إنها تلعب دوراً كبيراً في تحديد النتائج النهائية في المجمع الانتخابي.

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تبرز أهمية تلك الولايات المتأرجحة؛ لأنها يمكن أن ترجح الكفة لصالح أحد المرشحين. على عكس «الولايات الآمنة» التي تصوت بشكل ثابت لحزب معين، مما يجعلها محط اهتمام المرشحين، الذين يكثفون زياراتهم وحملاتهم الإعلانية فيها لمحاولة كسب أصوات الناخبين غير المقررين.

السبب في ذلك يعود إلى نظام الهيئة الانتخابية، حيث لا يعتمد الفائز على التصويت الشعبي المباشر، بل على عدد معين من الأصوات الانتخابية التي يجب أن يحصل عليها من الولايات. نتيجة لذلك، تصبح الولايات المتأرجحة ساحة معركة رئيسية لأنها تحمل عدداً كبيراً من الأصوات الانتخابية التي قد تحدد من سيفوز.

تقارب نسبي

تُظهر استطلاعات الرأي تقارباً نسبياً بين المرشحين في تلك الولايات، من بينها أحدث استطلاعات الرأي -الاستطلاع الذي أجرته صحيفة واشنطن بوست بمشاركة أكثر من 5 آلاف ناخب، في النصف الأول من شهر أكتوبر- والذي أظهر أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية للعام 2024، يتنافس ترامب وهاريس بشدة في الولايات السبع المتأرجحة، حيث يحتلان نسباً متقاربة بين الناخبين الذين لم يحددوا موقفهم بعد، وهو ما قد يكون العامل الحاسم في تحديد الرئيس القادم.

وفقاً للاستطلاع، فإن 47% من الناخبين يدعمون كامالا هاريس و47% يدعمون دونالد ترامب أيضاً. وبين الناخبين المرجحين ترتفع نسبة الدعم لهاريس إلى 49% مقابل 48% لترامب. بينما تظل نسبة تأييد ترامب ثابتة منذ الربيع الماضي، فإن هاريس تجاوزت نسبة الدعم التي حصل عليها بايدن بست نقاط مئوية، مما يعكس تقدمها في الولايات المتأرجحة.

من أبرز المجموعات المؤثرة في هذه الانتخابات هم الناخبون غير الملتزمين تماماً بأي مرشح، الذين انخفضت نسبتهم من 42 إلى 26% منذ الربيع، ما يشير إلى تضييق فجوة التأييد بين المرشحين. هؤلاء الناخبون قد يشكلون الفارق في الولايات المتأرجحة التي عادة ما تُحسم بفوارق ضئيلة.

فرص كل مرشح

فيما يتعلق بالولايات السبع المتأرجحة، يسجل ترامب تقدماً في أريزونا ونورث كارولاينا، بينما تتمتع هاريس بتقدم أكبر في جورجيا. أما الولايات الشمالية الثلاث الأهم – ميشيغان، بنسلفانيا، وويسكونسن – فإن هاريس تتفوق بفارق ضئيل لكن ضمن هامش الخطأ.

وفي نيفادا، يتعادل المرشحان بين الناخبين المرجحين، بينما تتقدم هاريس بثلاث نقاط بين الناخبين المسجلين. ومن الجدير بالذكر أن 37% من الناخبين في هذه الولايات أكدوا دعمهم لهاريس أو ترامب بالفعل.

في السياق، تشير نتائج الاستطلاع إلى أن ترامب وهاريس يعتمدان على ناخبين غير متحمسين بشكل كبير لكل منهما، حيث يعبر 13% فقط من ناخبي هاريس المحتملين و11% من ناخبي ترامب المحتملين عن حماسهم في حالة فوز مرشحهم. ومع ذلك، فإن حوالي 40% من كل مجموعة يعبرون عن استيائهم إذا فاز المرشح الآخر.

التحديات التي تواجه هاريس تشمل الاقتصاد والتضخم، حيث يعتبرها الناخبون قضية أساسية، فيما يبدي ترامب تأييداً أكبر من جانب ناخبي الولايات المتأرجحة في التعامل مع تهديدات الديمقراطية. ومع اقتراب يوم الانتخابات، يبقى الصراع في الولايات المتأرجحة حاسماً لنتيجة الانتخابات، وفق الصحيفة.

صعوبة التنبؤات

وفي هذا السياق، يظل «السباق الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية متقارباً لدرجة أن المحللين ذوي الخبرة غير قادرين على التنبؤ بالنتيجة أو المتغيرات التي قد تحول التوازن لصالح أي من المرشحين»، بحسب ما يؤكده المؤرخ الأمريكي البارز، الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني بجامعة أوكسفورد، إيوجين روجان، في تصريحات خاصة لـ«البيان».

وبينما في ظل الأزمات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية المستمرة، يثار جدل حول ما إذا كان الناخبون في هذه الولايات المتأرجحة سوف يحولون تركيزهم من القضايا الاجتماعية إلى المخاوف الاقتصادية والأمنية، يقول روجان: «أعتقد بأن معظم الأمريكيين سيصوتون على قضايا محلية، لجهة اقتصادهم الشخصي والهجرة».

ويضيف: «الاقتصاد الوطني لا يهم جل الناخبين.. إنهم يهتمون فقط بمقدار الأموال المتبقية لديهم في نهاية الشهر، وما إذا كانوا قادرين على تحمل تكاليف دفع فواتيرهم.. لم أر مخاوف أمنية تظهر كقضية رئيسية خارج تكتيكات الخوف التي استخدمها الجمهوريون فيما يتعلق بالمهاجرين باعتبارهم مجرمين ومدمني مخدرات، ناهيك عن آكلي الحيوانات الأليفة (في إشارة لاتهامات سابقة من ترامب والمرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس بشأن المهاجرين) لكنني لم أر تهديدات أمنية تتعلق بالإرهاب أو مثل هذه القضايا».

ويتحدث روجان، عن التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام، وما إذا كان ذلك التأثير من شأنه الدفع بتحولات غير متوقعة في سلوك الناخبين في الولايات المتأرجحة انطلاقاً من الحملات الرقمية المستهدفة، قائلاً: «أعتقد بأن المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي يتم تداوله بأقصى قدر من الإنتاج بالفعل، فيما لا أرى مجالاً لتغيير كبير عبر تلك الوسائط.. الحملات الرقمية، من وجهة نظري، قد تم استهدافها منذ فترة طويلة ومن غير المرجح أن يكون لديها أساليب جديدة لتجربتها».

ويختتم روجان حديثه بقوله: «نحن -في الولايات المتحدة- على وشك أن نشهد أياماً من عدم اليقين العميق (حتى موعد إجراء الانتخابات في الخامس من نوفمبر) ومن يدري إلى متى ستستمر هذه الأيام».

تفاوت ملحوظ

وفيما يعد الاقتصاد القضية الأبرز بالنسبة للناخبين، تشهد الولايات المتأرجحة تفاوتاً ملحوظاً في الأداء الاقتصادي، مما يؤثر بشكل مباشر على الناخبين في تلك المناطق. في مقدمة هذه الولايات تأتي نيفادا، التي تعاني من أعلى معدل بطالة يصل إلى 5.6%، بحسب بيانات نشرتها مجلة التايم.

يعتمد اقتصاد الولاية بشكل كبير على قطاع الضيافة، الذي تأثر بشدة بسبب جائحة «كوفيد 19»، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة بعد أن كان هذا الرقم قد وصل إلى 30% في ذروته. بالإضافة إلى ذلك، تسهم تكاليف الإسكان المرتفعة في تفاقم الوضع، حيث ارتفعت قيمة المساكن في لاس فيغاس بنحو 50% منذ العام 2019.

في ولاية ميشيغان، يُسجل معدل البطالة 4.5%، ويعاني القطاع الصناعي من تباطؤ ملحوظ، خاصة في صناعة السيارات. فارتفاع أسعار الفائدة أثر سلباً على استثمارات المستهلكين والشركات، مما أدى إلى تسريح عدد كبير من العمال. يُظهر هذا الوضع تحديات أيضاً في قطاعات أخرى مثل التجزئة، حيث أعلنت شركات مثل رايت إيد عن إغلاق جميع متاجرها في الولاية.

من ناحية أخرى، يشهد اقتصاد كارولينا الشمالية معدل بطالة يبلغ 3.8%، ولكن يُعتبر هذا الرقم ليس بالضرورة سلبياً، وفق تحليل المجلة. فمع تدفق سكان جدد إلى الولاية، تعاني السوق من نقص في فرص العمل مقارنة بالطلب المتزايد. فيما تعيد الولاية تشكيل اقتصادها حول قطاعات التكنولوجيا والتمويل، مما يعزز من قدرتها على التكيف مع التغيرات الاقتصادية.

أما جورجيا فتسجل معدل بطالة قدره 3.6%، حيث شهدت تدفقاً للمهاجرين من مناطق أخرى، مما أسهم في زيادة قوتها العاملة. وتستفيد الولاية من عدد كبير من مشاريع التنمية الاقتصادية، ومن المتوقع أن يستمر دورها كقلب لوجستي في خلق فرص عمل جديدة.

تشير البيانات ذاتها إلى أن أريزونا يصل معدل البطالة فيها إلى 3.5%، ويُظهر تحسناً في قطاع تصنيع الرقائق. ورغم قوة سوق العمل، يشعر الناخبون بالقلق من ارتفاع تكاليف الإسكان والتضخم، مما يؤثر على مستوى رضاهم عن الاقتصاد.

أما بنسلفانيا، تُعتبر الأوضاع الاقتصادية من بين الأفضل، بمعدل بطالة ثابت عند 3.4%. كما شهدت الولاية نمواً قوياً في الأجور، مع تحسن كبير في ظروف العمل لجميع الشرائح، بما في ذلك الأقليات.

وأخيراً، تتمتع ويسكونسن بأحد أدنى معدلات البطالة في البلاد، عند 2.9%. سجَّلت الولاية زيادة في عدد الوظائف وتفوقت في نمو الأجور المعدلة حسب التضخم، مما يجعل سكانها يشعرون بالرضا عن الأداء الاقتصادي الحالي. رغم ذلك، يواجه أصحاب العمل تحديات في جذب العمال مع تقدم العمر.

تُظهر هذه الفجوات الاقتصادية في الولايات المتأرجحة كيف يمكن أن تؤثر الظروف المحلية على تصورات الناخبين لأداء الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، مما يجعل هذه الولايات محورية في تحديد نتيجة الانتخابات.

القضايا الاقتصادية

في حديثه مع «البيان»، يقول بروفيسور العلاقات الدولية في كلية هاميلتون، آلان كفروني: «في هذه المرحلة، لا أتوقع تغييرات في الولايات المتأرجحة»، موضحاً أنه «نظراً للاستقطاب الحاد، فمن غير المرجح أن تُحدث وسائل التواصل الاجتماعي المستهدفة قضايا جديدة أو تغيّر آراء الناخبين أيضاً». في الوقت نفسه، من اللافت أن أعداداً كبيرة من الناخبين الأكثر تحفيزاً قد أدلوا بأصواتهم بالفعل. ويشدد على أن القضايا الاقتصادية لطالما كانت بارزة؛ بينما من غير المرجح أن يتطور شيء جديد في هذا الصدد.

ومع ذلك، هناك قضيتان لم تحظيا بالاهتمام الكافي ولكنهما ضروريتان لفهم الانتخابات وما بعدها؛ أولاً، يبدو الآن أن الديمقراطيين قد يخسرون مقعدهم في مجلس الشيوخ عن ولاية مونتانا، الذي يشغله حالياً جون تيستر. إذا حدث ذلك، فسيستعيد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ، خاصة مع احتمال احتفاظهم بالسيطرة على مجلس النواب أيضاً «في حال فوز ترامب، سيمنح هذا إدارته قوة هائلة، مع سيطرة فعلية على الرئاسة ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والمحكمة العليا. سيكون هذا التطور أيضاً بمثابة منح الحزب الجمهوري تأثيراً كبيراً في حال فوز هاريس».

القضية الثانية، وفق كفروني، هي أنه من المرجح أن يؤدي فوز هاريس إلى زعزعة الاستقرار حيث لا يمكن استبعاد العنف الكبير. وعلى النقيض مما حدث في انتخابات عام 2020، وضع عملاء ترامب والجمهوريون الأساس لمنافسة شديدة التنظيم وممولة على نطاق واسع ضد هذه النتيجة، على حد وصفه.

وتبقى الولايات المتأرجحة في صميم المعركة الانتخابية، حيث تُظهر كل المؤشرات أن المنافسة بين ترامب وهاريس ستظل شرسة حتى اللحظة الأخيرة. وفي ظل الانقسام السياسي الحاد والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، ستكون قرارات الناخبين في هذه الولايات حاسمة في تحديد مستقبل البلاد.

وبينما يبقى التنبؤ بنتائج الانتخابات أمراً معقداً بسبب الطبيعة المتقلبة للناخبين غير المقررين، فإن أهمية هذه الولايات تستمر في تصدر المشهد السياسي، مما يسلط الضوء على دورها المحوري في صنع التاريخ الأمريكي القادم.