تعد الانتخابات التجلي الأبرز للممارسة الديمقراطية، حيث تعكس إرادة الشعب في اختيار قادته وصياغة سياساته، ومع دخولنا الساعات الأربع والعشرين الأخيرة من عمر السباق إلى البيت الأبيض، لايزال التلاسن بين المرشحين للرئاسة الديموقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب على أشده.

لفتت الأنظار تلك الحالة الفريدة في الانتخابات الأمريكية، بتخليها عن المعهود في الديموقراطيات العريقة حول العالم، حيث تفرض ما يسمى "الصمت الانتخابي" قبل يوم الانتخابات، وتمنع الحملات الانتخابية والإعلانات السياسية، فلماذا لا يوجد صمت انتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية.

بالبحث في هذا الموضوع نجد الأمر في نسبة كبيرة منه يعود إلى أن حرية التعبير في الولايات المتحدة حق أساسي محمي بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي، والذي ينص على أن "الكونغرس لا يحق له سن قانون يتعلق بإقامة دين، أو يحظر حرية التعبير"، وتعد هذه الجملة حجر الزاوية للديمقراطية الأمريكية، ما يجعل من الصعب فرض قيود على التعبير السياسي، حتى في فترات الانتخابات.

سبب آخر يمكن أن يظهر في هذا السياق، وهو أن القوانين الانتخابية تختلف من ولاية لأخرى، حيث لا توجد قاعدة وطنية موحدة، فبعض الولايات قد تفرض قيودًا معينة على الأنشطة السياسية قبل الانتخابات، لكنها لا تعد شاملة، وفي المقابل تسمح ولايات أخرى بالأنشطة السياسية حتى اللحظات الأخيرة، ما يعكس التقاليد السياسية المحلية لكل ولاية.

من الأسباب أيضاً، أن الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة تتميز بطول مدتها وتعقيدها، حيث تبدأ الحملات في بعض الأحيان قبل عامين من الانتخابات، ما يجعل من الصعب تحديد وقت محدد لفرض الصمت الانتخابي، وفيما يعد النشاط السياسي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، يصبح فرض "فترات الصمت" أمرًا غير عملي.

ولأنها انتخابات محمومة في معظم جولاتها، يظهر الناخبون تعطشاً للمعلومات حتى اللحظات الأخيرة قبل التصويت، ويفضلون الحصول على فرصة لتقييم المرشحين والسياسات بناءً على معلومات حديثة، كما يمنح غياب الصمت الانتخابي الناخبين فرصة الاطلاع على وجهات نظر متعددة والتفاعل مع القضايا السياسية في اللحظات الحرجة.

تفاعل سياسي

تعد النقاشات السياسية جزءًا أساسيًا من الثقافة الأمريكية، حيث يرى الأمريكيون في معظمهم أن النقاش والتفاعل السياسي جزء من المسؤولية الديمقراطية، وبما أن النقاش المفتوح جزء من الهوية الأمريكية، يكون فرض قيود على التعبير غير متوافق مع تلك القيم.

وعلى الرغم من الفوائد المرتبطة بحرية التعبير، إلا أن غياب فترة الصمت الانتخابي يمكن أن يؤدي إلى بعض السلبيات التي قد تعكر صفو اليوم الانتخابي، مثل:

-tزيادة التضليل؛ ففي ظل عدم وجود قيود يمكن أن تنتشر المعلومات المضللة أو الأخبار الزائفة بشكل أكبر، ما يؤثر في قرارات الناخبين.

-tالضغط على الناخبين؛ والذي يتجلى في التفاعل مع الحملات حتى اللحظات الأخيرة، ما قد يؤثر في قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة.

في الختام، يتجلى في غياب "الصمت الانتخابي"، التعويل على وعي الشارع الأمريكي وحرصه على أن تبقى العملية الانتخابية صحية وشفافة.