تقترب الانتخابات الرئاسية الأمريكية من نهايتها، لكنَّ سؤالاً لا يملك أحد إجابته، ويبقى باعثاً للهواجس.. ماذا لو خسر ترامب الانتخابات؟ هل تتكرر أحداث السادس من يناير 2021، حين اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول في محاولة لعرقلة التصديق على نتيجة الانتخابات التي خسرها أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن، كيف ستكون ردة فعل المرشحين، وبخاصة الرئيس السابق دونالد ترامب، مع نتائج الانتخابات في حال الخسارة.

على الرغم من حظوظ كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي جو بايدن، الكبيرة في هذه الانتخابات، فإن فوز ترامب أو خسارته الانتخابات الرئاسية هو ما سيشكل الحدث المثير للاهتمام والتحديات، بالنظر إلى سلوكياته وتصريحاته حول نزاهة الانتخابات.

شكلت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 نقطة تحول كبيرة في السياسة الأمريكية، حيث شكك ترامب، خلال وبعد الانتخابات، في نزاهة النتائج، معلنا أن عمليات التصويت وخصوصاً "التصويت عبر البريد" شهدت تزويراً كبيراً، وهو ما أدى إلى سلسلة من الطعون القانونية في الولايات المتأرجحة، والتي لم ينجح في إثبات أي منها.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: في حال خسارته مرة أخرى، هل سيتقبل ترامب النتائج؟ وكيف ستؤثر هذه النتيجة في الحياة السياسية في الولايات المتحدة؟

بالنظر إلى سلوكه في 2020، يبدو من غير المحتمل أن يقبل ترامب هزيمته بسهولة، فهو يُظهر تمسكاً قوياً بمفهوم "النصر" ويرفض بشكل قاطع فكرة الخسارة، خصوصاً إذا جاءت الهزيمة في 2024 مشابهة لهزيمته في 2020، فمن المرجح حينها أنه سيستمر في التشكيك بالنتائج ويطلب إعادة العد في ولايات عدة.

لكن، مع حدة الاستقطاب الذي طبع المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة، ووجود عدد كبير من أنصار ترامب المستعدين لتلبية دعوته إلى الاحتجاجات، فإن احتمال تسليمه بالهزيمة، يعتمد على مستوى الضغوط التي سيتعرض لها من داخل حزبه الجمهوري، فإذا استشعر الجمهوريون في الكونغرس بأن رفضه للنتائج سيضر بمصالح الحزب أو سيزيد من الانقسام، فقد يضغطون عليه للاعتراف بالنتيجة، رغم المقاومة الكبيرة التي سيبديها.

تثير احتمالية رفض ترامب للخسارة سؤالاً مهماً حول الكيفية التي ستتعامل بها الولايات المتحدة "كدولة" مع هذا الوضع في حال حدوثه، فنجاح الانتخابات يعتمد على قدرة النظام السياسي على ضمان نزاهة الانتخابات والاعتراف بالنتائج، إضافة إلى الحفاظ على استقرار البلاد.

دور حاسم

في حال شكك ترامب في نتائج الانتخابات أو رفض الاعتراف بها، فإن النظام القضائي الأمريكي سيكون في الخطوط الأمامية، حيث يتيح له التقدم بطعون قانونية في الولايات التي يعتقد أنها تضررت من عمليات الاقتراع، لكن في حال رفضت المحاكم هذه الطعون وأكدت نزاهة الانتخابات، سيكون على ترامب الالتزام بالقرارات القضائية. ومن المحتمل أن تتدخل المحكمة العليا الأمريكية للنظر في القضايا الحاسمة، ورغم أن المحكمة العليا مسؤولة فقط في القضايا التي تتعلق بالأساسيات الدستورية أو انتهاكات كبيرة للقانون، فإن هذا أمر مهم جداً في تحديد شرعية أي نتائج خلافية.

انتقال سلمي

في حال استمرار ترامب في رفض الاعتراف بالنتائج، سيكون للكونغرس دور في الحسم بين المتنافسين، فوفقاً للدستور الأمريكي، يلتقي الكونغرس في 6 يناير لتحديد الفائز في الانتخابات بناءً على تصويت المجمع الانتخابي، وفي حال أقرت النتائج، سيكون أي اعتراض أمام الكونغرس غير فعال، كما يمكن أن تُصدر السلطات المحلية والولائية تقارير رسمية تؤكد نزاهة الانتخابات في مواجهة أي شكوك قد يثيرها ترامب.

مسؤولية

وفقاً للدستور الأمريكي، يجب أن يتم الانتقال السلمي للسلطة من الرئيس المنتهية ولايته إلى الرئيس المنتخب في موعد تنصيبه، الذي يكون عادة في 20 يناير من السنة التي تلي الانتخابات.. وإذا استمر الرفض، فإن للرئيس المنتهية ولايته جو بايدن استخدام سلطاته الفيدرالية بتفعيل قانون التحريض على التمرد، الذي يمنح الرئيس السلطة لاستدعاء القوات الفيدرالية للتعامل مع الاضطرابات الداخلية، ولكن هذا القانون قد يثير جدلاً كبيراً، حيث سيحتاج إلى توافق واسع داخل الحكومة الفيدرالية.

من جهة أخرى، ستلعب وسائل الإعلام الأمريكية دوراً أساسياً في تحفيز الرأي العام وتوضيح حقائق الانتخابات، فإذا استمر ترامب في رفض الاعتراف بالنتائج، من المحتمل أن تشهد وسائل الإعلام تدفقاً من التقارير التي تؤكد نزاهة الانتخابات وضرورة قبول النتائج، وهنا قد يؤتي الضغط الإعلامي ثماره بشكل كبير في تشكيل الرأي العام وضمان انتقال سلمي للسلطة.

والدور الإعلامي يضع تساؤلاً مختلفاً، فبعد الإعلان الواضح لبعض وسائل الإعلام بتحيزها لجبهة على حساب الأخرى، فسيكون التشكيك في النوايا والتصيد سمة من سمات المرحلة المقبلة في الإعلام الأمريكي، الذي لم يشهد من قبل هذا الاستقطاب المعلن والواضح على الساحة من قبل، وفي كل الأحوال فخسارة ترامب، ستجعل الولايات المتحدة نفسها أمام تحد كبير يتطلب توحيد القوى المؤسساتية لضمان الانتقال السلمي للسلطة، وفي النهاية، تبقى نزاهة العملية الانتخابية جزءاً أساسياً من استقرار الديمقراطيات.