منذ قيام الكونجرس الامريكي باختيار سبعة فصائل عراقية معارضة للمشاركة في الخطة الامريكية لتحرير العراق صارت المعارضة العراقية واحدة من الاوراق الهامة على أجندة الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية ونظام الرئيس صدام حسين , ورغم ظاهرة التمزق والتشرذم التي تعاني منها هذه المعارضة في الداخل والخارج الا ان الموقف الامريكي جعلها تبدو وكأنها قادرة على أن تكون البديل الجاهز للنظام العراقي, وسعت واشنطن وفق مواد القانون الجديد الى تمويل هذه الجماعات بالأموال والأسلحة, ورصدت ميزانية تقدر بسبعة وتسعين مليون دولار أمريكي لقلب نظام الحكم في بغداد. ورغم الاهتمام البالغ الذي تبديه الادارة الامريكية بتلك الجماعات والخطوات العملية التي اتخذتها لدعم المعارضة اعربت مجموعة من الدول العربية عن رفضها التام لتورط جهات امريكية في تغيير النظام في العراق, واعتبرت ان التغيير مهمة الشعب العراقي وحده ولا يمكن ان يتم فرضه من الخارج, ولم تخف الدول العربية قلقها من أن تؤدي الخطة الامريكية الى تقسيم الاراضي العراقية الى عدة دويلات صغيرة خاصة ان المجموعات السبع التي اختارتها واشنطن تنتمي الى تنظيمات عراقية متعددة المذاهب والأعراق من أكراد وسنة وشيعة وتيارات اسلامية مختلفة. هذه التطورات الهامة تفجر عشرات الأسئلة حول الواقع الراهن للمعارضة العراقية وخريطة التنظيمات والجماعات التي تتشكل منها تلك المعارضة, والى أي مدى يمكن ان تقوم هذه الفصائل باحداث تغيير حقيقي داخل العراق, وما الذي يمكن أن يسفر عنه هذا التغيير من مخاطر تقسيم الاراضي العراقية, ثم هل يمكن ان يرضى الشعب العراقي والدول العربية عن أنظمة جديدة وثبت الى الحكم على أكتاف التمويل الاجنبي وبمساعدة أجهزة المخابرات الامريكية؟ الملف السياسي: واجه عددا من رموز المعارضة العراقية في الخارج بهذه التساؤلات, والمفاجأة ان اجاباتهم عكست استمرار حالة التشتت وغياب الرؤية الشاملة لمستقبل العراق حتى بين الفصائل التي قررت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للقضاء على نظام الرئيس صدام حسين. وفيما يلي نص التحقيق: حامد البياتي ــ المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية, الذي يترأسه محمد باقر الحكيم من طهران ــ أكد لــ (الملف) ان فصيله يرى ان اسقاط النظام العراقي هو مسؤولية العراقيين انفسهم بينما يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية حماية العراقيين من القمع الذي تمارسه السلطة مشيرا الى ان المجلس الأعلى للثورة الاسلامية لم يقبل التمويل الامريكي وقال ان فصيله يعتبر هذا التمويل يسيىء الى المعارضة العراقية ويضعف صورتها امام العراقيين والشعوب العربية وأضاف البياتي أنه ليس لديه معلومات عن قبول الفصائل السبعة جميعها لهذا الدعم الامريكي وقال ان كل فصيل لا يمكنه ان يقبل هذه الأموال باسم جميع فصائل المعارضة او باسم المؤتمر الوطني العراقي الذي يتكون من عدة جماعات ولا يجوز لأحد التصرف منفردا, في اشارة الى أحمد الجلبي الذي يرأس اللجنة التنفيذية للمؤتمر العراقي. ورغم ان الفصائل الأخرى لم تعلن موقفها بوضوح من التمويل الامريكي الا أنها تعاملت بصورة طبيعية مع السفير ريتشاردوني المشرف على خطة دعم المعارضة العراقية, والتقى مسؤولون داخل الفصائل السبع ريتشاردوني في لندن في أول اجتماع له مع فصائل المعارضة الأسبوع الماضي مما يوحى ان بعض هذه المجموعات يعلن مواقف تختلف عن أدائه الفعلي خلف الستار في كثير من الاحيان, وهو الرأي الذي يكشف عنه عصام البوهلالة المتحدث الرسمي باسم مجلس العشائر العراقية, وهو جماعة معارضة تتخذ من دمشق مقرا لها وتعارض التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويكشف البوهلالة لــ (الملف السياسي) أن جماعات المعارضة العراقية تعاني من تباين كبير في وجهات النظر حيال مستقبل العراق, فهناك بعض الجماعات التي ارتضت ان ترتمي في احضان الولايات المتحدة الامريكية والقوى الغربية وتعتبر انه لا يمكن القضاء على صدام حسين الا بهذا النوع من التحالف المشبوه, ويضيف ان هناك 16 فصيلاً عراقيا قطعوا شوطا كبيرا في هذا المجال على رأسهم الجماعات السبع التي اختصتها واشنطن بالدعم المالي والمخابراتي, وحتى هؤلاء الذين أعلنوا في وسائل الاعلام العربية أنهم يرفضون التمويل الأمريكي شاركوا بالفعل في التحضير لخطة الغزو البري التي اعدتها واشنطن لاجتياح العراق والتي كان من المقرر تنفيذها خلال الضربة الجوية الشهر الماضي, غير ان ردود الفعل العربية الحاسمة والتطور المفاجئ في الموقف الروسي حالت دون استكمال هذه الخطة. ويشير الناطق باسم مجلس العشائر ان هناك مجموعات اخرى تراهن على الحل العربي فقط وتأمل ان تتخذ البلدان العربية دورا ايجابيا لدعمها لتضمن التخلي عن الدعم الامريكي المشبوه, وتضم هذه المجموعة عددا من التنظيمات الكردية المستقلة عن جلال طالباني ومسعود برزاني, كما تضم بعض التيارات الاسلامية والشيوعية التي ترفض التعاون مع المخابرات الامريكية ضد النظام. وقد قامت بعض هذه الفصائل باصدار بيان موسع في أعقاب اعلان واشنطن عن الفصائل السبع المدعومة من قبلها, ووجهت هذا البيان الى جامعة الدول العربية وقام بالتوقيع عليه رموز المعارضة الوطنية وعلى رأسهم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية والدكتور محمد بحر العلوم الذي جمد نشاطه في المؤتمر الوطني العراقي والدكتور محمود عثمان والشريف علي ودلال الحيدري وعزيز قادر الصانجي وهم ممثلون عن عدد من الأحزاب الاسلامية والشيعية والكردية غير الموالية للولايات المتحدة الامريكية. وبين الذين يراهنون على الحل الامريكي, والذين يتطلعون الى الحل العربي توجد مجموعة من فصائل المعارضة ترى ان الوقت الراهن لم يعد يحتمل العمل ضد نظام الرئيس صدام حسين وأن السلوك الواجب لاي معارضة وطنية هو التخلي عن مناهضة النظام لحين رفع العقوبات الاقتصادية عن الشعب العراقي وانهاء عمليات التفتيش بصورة كاملة وعودة الحياة الى الجسد العراقي ثم يتم الحديث عن نظام الحكم بعد ذلك, وبعض هذه الفصائل قامت بالاتصال بالنظام العراقي بالفعل ووعدت بالعمل ضد العقوبات الاقتصادية, كما التقى مسؤولون عراقيون عددا من قيادات هذه الفصائل في بغداد ومن بينهم مندوبون عن مجلس العشائر العراقية وبعض الأحزاب الشيوعية وعدد من القيادات المنشقة عن حزب البعث العراقي والتي كانت قد هاجرت الى سوريا قبل الغزو العراقي للكويت. التغيير ولا تختلف الفصائل العراقية حول رؤيتها للجهات التي ينبغي التعاون معها لاجراء التغيير في العراق فقط, بل تختلف ايضا حول شكل هذا التغيير وطبيعته, وكما يقول حميد مجيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ان الفصائل العراقية تختلف ايضا حول عدد من القضايا الأساسية المرتبطة بشكل التغيير في العراق ومخاطر التقسيم, ويؤكد ان أهم القضايا المختلف عليها هي صيغة الفيدرالية التي يطرحها الأكراد ويناضلون من أجلها بينما تتخوف بعض فصائل المعارضة الوطنية ان تكون هذه الصيغة مدخلا الى تقسيم العراق, وترى بعض الفصائل العراقية امكانية الموافقة على فيدرالية ادارية فيما تتركز السلطة في يد النظام المركزي الذي يرث صدام حسين في الحكم, وتنادي هذه الفصائل بهذا النوع للفيدرالية الادارية لكل من الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب. ويضيف مجيد أنه فيما يتعلق بالموقف من الحصار الاقتصادي ترى بعض الجماعات المعارضة ضرورة استمرار الحصار على صورته الراهنة لاضعاف قدرات صدام حسين, مع استمرار العمل بالقرار 986 (النفط مقابل الغذاء) لتخفيف المعاناة عن الشعب العراقي, بينما تعارض غالبية الفصائل استمرار الحصار الاقتصادي وتعتبر ان موافقة المعارضة على استمراره يمثل نوعا من الانتهازية السياسية التي لن يسامح الشعب العراقي احدا بشأنها, وبينما تؤمن الجماعات الكردية بضرورة العمل الميداني والمسلح لمواجهة النظام ترى بعض الجماعات ضرورة عدم تحول هذا العمل الميداني الى حرب أهلية طاحنة تؤدي الى المزيد من خسائر الشعب العراقي, واستمرار انهيار بنيته الأساسية. وسائل التغيير مختلف عليها أيضا, ويؤكد عصام البوهلالة ان التغيير الذي تهدف اليه واشنطن والجماعات المتحالفة معها يعتمد على القيام بغزو بري للاراضي العراقية من الشمال والجنوب بقوات كردية وشيعية وبغطاء عسكري امريكي, والاستيلاء على بغداد واحلال نظام موال للولايات المتحدة الأمريكية والعمل بعد ذلك على تقسيم العراق الى ثلاث مناطق في الوسط والشمال والجنوب, ولو لم تتمكن امريكا من التقسيم الى دويلات ثلاث فسوف تعمل على تمرير صيغة الفيدرالية ليبقى العراق موحدا على الخريطة بينما يعاني التقسيم الفعلي داخل كيان الدولة. اما الفريق الآخر الذي يرفض التعاون مع واشنطن ويسعى للحل عبر الدعم العربي فيعبر عنه القيادي الاسلامي المستقل محمد بحر العلوم والذي يرى ان عملية التغيير يجب ان تتم وفق مجموعة من الخطوات تبدأ بالعمل على اجراء محاكمة للرئيس صدام حسين ومجموعته أسوة بمحاكمة مجرمي الحرب في اعقاب الحرب العالمية الثانية, والعمل على دعم المعارضة الوطنية العراقية على ثوابت سياسية ترفض التقسيم وتؤمن بالديمقراطية والتداول الحر للسلطة, ويتم هذا التغيير من خلال الاستفادة من أبناء العراق في الخارج والقوى الوطنية في الداخل ثم العمل على رفع الحصار مقابل التزام (العراق الجديد) باحترام حقوق الانسان وحسن الجوار مع الشقيقات العربيات. وفيق السامرائي, المدير السابق للمخابرات العراقية, ومسؤول حركة الوفاق الوطني المدعومة امريكيا, رفض التحدث عن تفاصيل الدعم الامريكي لحركته, وطبيعة الاجراءات التي ستتبعها هذه الخطة للاطاحة بالنظام, في حين أكد على ضرورة التعاون مع جميع الاطراف الدولية لاحداث التغيير في العراق, واعتبر السامرائي ان الخلافات والرؤى المتعارضة والاتهامات المتبادلة بين الفصائل العراقية لا تفيد أحدا في الوقت الراهن مؤكدا على أن التغيير ينبغي ان يكون هو الأولوية الأولى, وبعد ذلك يمكن لجميع الفصائل ان تجلس على مائدة التفاوض لتقرر ما هو شكل العراق في المستقبل على أساس ثوابت راسخة هي التمسك بوحدة الاراضي العراقية, وتطبيق النظام الديمقراطي في الحكم بعد سنوات طويلة من الديكتاتورية وحكم الفرد, وضمان ايجاد حل نهائي للقضية الكردية على قاعدة الحل الديمقراطي بعيدا عن استعمال القوة والارهاب, والعمل بصورة واسعة على احياء البلد واعادة اعماره بعد الحروب الطاحنة التي فرضها النظام الحالي على الشعب العراقي الأمر الذي اجهض احلام ابنائه والتهم موارده الكبيرة ودمر بنيته الأساسية التي بناها الشعب من عرقه وكفاحه, وأشار السامرائي ان الفصائل العراقية لم تناقش بالتفصيل كيف يكون شكل الحكم في حالة سقوط صدام حسين وتوليها السلطة, لكن هذه الثوابت تمثل الخطوط العريضة المتفق عليها بين غالبية الجماعات المعارضة. حرب أهلية الخبير السياسي العراقي فالح عبدالجبار ـ معارض مستقل مقيم في لندن ـ يرى من جانبه ان أغلب مشروعات المعارضة العراقية لا تتضمن رؤية واضحة لطريقة التغيير او لشكل الحكم أو لآليات حل الأزمة العراقية في حالة حدوث هذا التغيير بالفعل, ويضيف ان الولايات المتحدة نفسها لا تمتلك هذه الرؤية الواضحة اما لأنها لم تفكر في بديل عن صدام حسين فعلا, أو أنها تعرف البديل لكنها تدرك أن احلاله لن يتم إلا على أنهار من الدم. ويعتقد عبدالجبار أن جماعات المعارضة في الخارج لا تمتلك أدوات فعلية لتغيير النظام داخل العراق, فالأكراد لا يمكنهم القيام بهذا الدور بمفردهم, والأمر نفسه ينطبق على الشيعة في الجنوب, كما لا توجد معارضة تعمل من المهجر تستطيع القيام بمواجهة فعالة تجاه نظام الحكم في أوطانها, والاستثناءات التاريخية في هذا المجال نادرة جدا وتتطلب شروطا متعددة لا تتوافر في الحالة العراقية. ويرى الخبير العراقي أن التغيير قد يتم وفق ثلاثة سيناريوهات, الأول جحيم التدخل العسكري الأجنبي وما يستتبعه من حرب أهلية طاحنة ومستقبل غامض ومرعب لحكومة جاءت بمعاونة أجنبية مشبوهة, والثاني مبادرة فريدة للنظام العراقي باعلان التنازل عن السلطة لصالح قيادات جديدة معتدلة اكثر مرونة وقدرة على التعامل مع المجتمع الدولي واصلاح أخطاء الماضي, والسيناريو الثالث هو انتفاضة داخلية واسعة عبر تطور تنظيمي وحركي لقوى المعارضة الوطنية الداخلية تستطيع من خلاله قيادة الجماهير نحو التغيير بصورة تجعل من الصعب على النظام مواجهتها, وجميعها بدائل صعبة وغير مضمونة النجاح. القاهرة ـ مكتب البيان