على بعد خطوات من قلعة صلاح الدين الأيوبي بشموخها التاريخي يجثم جبل المقطم الذي يروي البعض عنه حكايات تدخل في باب الأساطير والخرافات أكثر منها في بند الحقائق والمعلومات. ورغم ارتفاعه المتوسط وحجمه الصغير إلا ان المقطم هو الجبل الأشهر في القاهرة.. حيث تسببت القلعة ومقابر القادة والمشاهير وأضرحة بعض الأولياء في ترديد اسم المقطم صباح مساء على ألسنة القاهريين الذين اتخذ بعضهم من منطقة المقطم مسكنا. ويضم سفح المقطم مقبرتين الصغرى وتمتد من شارع صلاح سالم حتى مشارف جامع بن طولون, والقرافة الكبرى تقع في منطقة الدراسة وتصل حتى مشارف مدينة نصر شمالا وجنوبا تدخل فيها قلعة الجبل وما يجاورها من مقابر وأضرحة وبصفة عامة تتسم تلك المقابر بالبساطة. ومن أهم القبور الموجودة في سفح المقطم قبور عمرو بن العاص وعبدالله بن الحارث وعبيد بن حذافة وأبوبصرة الغفاري وعقبة بن عامر ومسلمة بن مخلد الانصاري وقبر السيدة نفيسة والشريفة فاطمة والشريف الهاشمي والأشراف من آل طباطبا والامام الشافعي وذو النون المصري وابن الحسن الديبوري وعمر بن الفارض والامام ورش المدني ولذلك أهتم العلماء والكتاب والمؤرخين وعلماء الآثار بجبل المقطم, وذكروا فضل جبانته والمدفون فيها والمساجد المشيدة عليه وأوديته. ولعل أهمها المخطوط الذي وضعه الامام موفق الدين بن عثمان في القرن السادس عشر للهجرة بعنوان: (مرشد الزوار إلى قبور الأبرار) والذي بقيت منه مخطوطتان احداهما في المتحف البريطاني بلندن والأخرى بمكتبة أياصوفيا في تركيا. وقد ذكر فيه مفصلا أكثر من 200 قبر وحدد موقع ووصف ما بها من نقوش وسجل ما كتب على الشاهد ووصف الخط الذي كتب به وقدم ترجمة لصاحب القبر. متصوفة دائمة ومن الصوفية المدفونين بمقابر منطقة المقطم الشيخ أبي عبدالله محمد بن جابار الصوفي الزاهد وهو من مشايخ أبي الحسن بن الفقاعي المتوفى عام 362هـ والشيخ أبي علي الروذباري شيخ الطريقة وهو مجاور لقبر ذي النون المصري أما الروذباري فكان عالما فقيها حافظا للأحاديث وكان من رأيه ان الصوفي هو من لبس الصوف على الصفاء وان اكتساب الدنيا مزلة النفوس واكتساب الآخرة عز للنفوس, فيا عجبا لمن يختار المذلة لما يفنى ويترك العز لما يبقى. أما ذوالنون المصري فكان من أهم آرائه ان معاشرة المعارف كمعاشرة الله تعالى وان الزهاد ملوك الآخرة. كما يوجد قبر سلطان العاشقين عمر الفارض صاحب الفتح الإلهي والعلم الموهبي وقبر الشيخ أبي علي الحسن بن أحمد وكان أحد مشايخ الرسالة. وكذلك قبر أبي الحسن الدينوري وكان وليا كبيرا وكان علماء الديار المصرية يحضون أولادهم على صحبته والتماس بركته وكان السلاطين يهابونه. ومن الأضرحة والمزارات الهامة التي يقبل الناس على زيارتها ضريح العز بن عبدالسلام الذي يقع في منطقة البساتين بالقرب من جبانة التونسي. وضريح ابن عطاء الله السكندري بالقرافة الكبرى وكان ملازما طوال حياته لسيدي أبي العباس المرسي وأخذ عيشته الصوفية. وتعد جبانة السيدة نفيسة بنت زيد من أشهر المزارات والآثار العربية الموجودة بالقرافة وبها مشهد السيدة نفيسة والسادة المالكية والشيخ حسن حسن الشعار. ويقول محمد محجوب مكي مدير منطقة آثار مصر القديمة والفسطاط: ان القرافة الصغرى تضم بقايا مسجد وضريح الامام الليث بن سعد فقيه مصر وأحد أعلامها والذي كان الامام الشافعي يتأسف على فوات لقائه حتى انه قال عند قبره (الله درك إمام, لقد حزت أربع خصال, لم يكملهن غيرك. العلم والعمل والزهد والكرم). وقد ولد الامام بقرية قلقشندة احدى قرى القليوبية 94 هـ وتوفي 175 هـ. الشافعي أما مسجد الامام الشافعي فقد بني في عهد خديوي مصر محمد باشا توفيق 1891م, 1309هـ على يد علي باشا رضا مدير الأوقاف, والامام الشافعي ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب وقد ولد في عام 150 هـ وتختلف الآراء في مكان ولادته بين عسقلان وغزة واليمن وتلقى علومه في مكة المكرمة. وقد حفظ القرآن والأحاديث النبوية وعمره 10 سنوات وكان قد التقى بالامام مالك في المدينة المنورة. وكان يتردد على مجلسه في مكة الامام أحمد بن حنبل وقام الشافعي بزيارة بغداد مرتين 195هـ, 197هـ ثم وفد إلى مصر وعاش فيها ليفقه الناس وذاع صيته وانتشر مذهبه بشكل كبير حتى توفي عام 204هـ وعمره 54 سنة. وقد ظلت مقبرة الامام الشافعي موضع عناية وتبرك حتى أمر صلاح الدين باعادة ترميم مقبرة الامام الشافعي ووضع عليه تابوت خشبي وبني بجواره المدرسة الصالحية 572م لتدريس فقه السنة وذكر المقريزي ان الملك الكامل بن العادل بن أيوب بنى قبة فوق تربة الامام الشافعي 608هـ بلغت نفقتها 50000 دينارا. ثم توالت التجديدات على يد السلطان قايتباي ثم السلطان الغوري وكذلك الأمير عبدالرحمن كتخدا الذي انشأ سبيلا على يسار القبة وجدد مسجدا مكان المدرسة الصالحية. وداخل القبة توجد عدة مقابر رئيسية تخص الامام والثانية للسلطان الكامل والثالثة لوالدته. عائلة طباطبا ويقع هذا المشهد بشارع عين الصيرة وهو الأثر الوحيد المتبقي من العصر الأخشيدي وآل طباطبا ينتمي نسبهم إلى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولقبوا بذلك الاسم لان كبير العائلة ابراهيم الديباج كانت بلسانه رنة تقلب القاف إلى (ط) فلقب طباطبا. وذكر ابن الزيات في كتابه (الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة) ان من السادة الاشراف المدفونين بذلك المشهد: علي بن الحسن بن طباطبا الذي توفي عام 255هـ. وعلي بن الحسن أسرف في الزهد حتى فقد ماله فأعطاه أحمد بن طولون احدى القرى المصرية ويقول محمد مكي: ان المشهد عبارة عن بناء مستطيل غير منتظم تشبه قباب السبع بنات ويتميز بوجود تسع قباب متجاورة في مبنى مستقل بذاته ويعتبر مثالا فريدا من نوعه في العمارة الاسلامية وفي الجزء الجنوبي للمشهد تمت اضافة مصلى في العصر العثماني وسبيل مياه. وقد تم ترميم المشهد عام 1984 وعمل سور حديدي يطل على شارع عين الصيرة لحمايته من التعديات الا ان المياه الجوفية حاليا تهدد بانهياره وهناك خطة لأعمال ترميم شاملة لهذا المشهد وملحقاته الجنوبية التي تشمل السبيل وحجرات المقابر. العائلة المالكة وإلى الشمال الغربي من جامع الامام الشافعي الأثري تقع مدافن العائلة المالكة بشارع الامام الليثي التي تختلف عن سابقتها الموجودة في سفح المقطم في انها تتسم بالفخامة وتذهيب خطوطها وبنائها على أحدث الطرز. ويعود تاريخ تلك المدافن إلى فترة حكم محمد علي باشا الذي قام بشراء هذا الحوش الذي كان موجودا في الأصل منذ العصر المملوكي ليبني عليه مدفنا عام 1805هـ وبناه في أول الأمر بسيطا وأخذ يدفن فيه حضرته المبنية من زوجاته وبناته وعندما مات ابنه طوسون باشا قام بعمل تركيبة فخمة ووضعها على قبره وأحاطها بمقصورة من البرونز ما زالت قائمة حتى الآن وعندما قتل ابنه اسماعيل في السودان نقله إلى مصر ودفنه في هذا المدفن ثم قام بعمل مجرى لتوصيل المياه للخدمة والذي يعرف باسم (مجرى مياه محمد علي باشا). ويحتوي مدفن العائلة المالكة على 46 تركيبة رخامية وقد تكون التركيبة لشخص واحد أو اثنين أو ثلاثة وهناك لأربعة أشخاص. ويشير محمد محجوب مكي إلى ان القبة قد استخدمت كعنصر أساسي في تغطية المدفن حيث يعلو الجزء الرئيسي منه سبعة قباب والتي تأثرت في الشكل والزخارف بالنمط الأوروبي حيث تنتشر الزخارف المتأثرة بأشكال الباروك والركوكو الأوروبي أما آخر القباب بالمدفن فكانت التي انشأها الخديوي توفيق لوالدته (شفق. نوري). وفي عهد الملك فاروق آخر حكام الأسرة المالكة تم بناء المدخل الرئيسي وقبة المدخل والدهليز المؤدي للمدفن والسور الحجري الخارجي. ومن أجمل وأهم التركيبات الرخامية بالمدفن تلك الخاصة بإبراهيم باشا أكبر ابناء محمد علي وصممها صانع خرساني الأصل ما زال اسمه محفورا عليها وبها الكثير من الزخارف هذا بالإضافة إلى تركيبة أحمد طوسون باشا بن محمد علي وعباس باشا الأول وأولاده أمينة هانم زوجة محمد علي وأحمد باشا يكن وأحمد رفعت باشا.