من التوتر إلى محاولات التكامل, مرت العلاقات السورية الاردنية بانعطافات كثيرة وخطيرة, كانت سببا في قطيعة سياسية واقتصادية بين البلدين الجارين لما يقرب من عشرة اعوام أو اكثر. لكن مرت مياه كثيرة تحت الجسور تبدلت معها الخارطة الدولية والاقليمية, وحتى داخل البلدين, وشكرا لدبلوماسية الجنازات في وصل ما انقطع. فقد شكلت مشاركة الرئيس السوري حافظ الاسد في تشييع جثمان العاهل الاردني الملك حسين بن طلال نقطة انعطاف في العلاقات السورية الاردنية بعد سنوات من التوتر والجمود اثر قرار الملك توقيع اتفاق وادي عربة في نهاية عام 1994 بعيدا عن التنسيق الذي تم الاتفاق عليه عند انعقاد مؤتمر مدريد للسلام حتى عام 1991. وفي الاساس بدأت في عام 1980 حقبة من المواجهة بين البلدين عندما قرر الاردن التوجه نحو الارتباط بالعراق على حساب ارتباطه بسوريا والوقوف إلى جانب العراق في الحرب مع ايران فضلا عن ان الاردن قرر في العام نفسه دعم حركة الاخوان المسلمين السورية واحتضانه اياها في وقت كانت اطراف دولية واقليمية تراهن على هذه الحركة لقلب نظام الحكم في سوريا, الامر الذي لم يحصل, ولم تخف حدة هذه المواجهة بين البلدين الا في بداية التسعينيات اذ بدا للجانبين اهمية التنسق في مؤتمر مدريد ومع ان هذا التنسق لم يعد قائما منذ توقيع اتفاق اوسلو ولاحقا اتفاق وادي عربة فان اخفاق مسيرة السلام بين الاردن واسرائيل في تحقيق الاهداف الاقتصادية التي سعى الاردن اليها بل واعتداء اسرائيل على الامن المائي للاردن في ظل حاجته الشديدة للمياه في الوقت التي حرصت سوريا فيه عدم رفع وتيرة الخلافات بين البلدين والبحث عن نقاط التقارب والحرص على تحصين العمق العربي في مواجهة اسرائيل والتأكيد على البعد القومي كل ذلك مهد لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين. التحول والتكامل مع بدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين بدأت المبادرات المتبادلة تتوالى من الجانبين وبدء الدفء يعود إلى علاقات القربى, اردنيا تمثلت هذه المبادرات في محاور اساسية منها: * الزيارات المتكررة التي قام بها الملك عبدالله إلى دمشق سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد أو الرئيس الدكتور بشار الاسد وساهمت هذه الزيارات اضافة إلى توطيد جسور التعاون والتفاهم في بروز دور الملك عبدالله في عملية السلام على المسار السوري سواء في نقل الرسائل إلى دمشق أو منها وذلك في اطار الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سلام على المسار السوري. * وقف الاردن لنشاط المنظمات والحركات المعارضة لسوريا والتي اتخذت من عمان قاعدة لها وتحديدا حركة الاخوان المسلمين والعمل على دفع هذه الحركة إلى المصالحة. * وقف الحملات الاعلامية التي كانت تشنها بعض وسائل الاعلام الاردنية بين فترة واخرى. * الحد من وتيرة مسيرة التطبيع مع اسرائيل والعمل على التصالح التدريجي مع العمق العربي سواء باتجاه دول الخليج العربي والسعودية أو سوريا ومصر. كذلك تجسدت المبادرات السورية في هذا الاتجاه بمجموعة من الخطوات ابرزها: * الحرص التام على استقرار الاردن ووقف الحملات الاعلامية ضده والعمل على اعادة التنسيق لمواجهة السياسات الاسرائيلية الرامية إلى احلال تسوية نهائية في المنطقة وفق المنظور الاسرائيلي. * اطلاق مبادرة المياه تجاه الاردن والتي تمثلت في ضخ المياه من سد سحم السوري إلى العاصمة الاردنية عمان مجانا في الوقت الذي كان الاردن وبل حتى سوريا تعاني من شح في المياه وبالتزامن مع قيام اسرائيل بتحويل مجرى نهر الاردن وسرقة المياه بشكل يتنافى مع الاتفاقيات الاردنية ـ الاسرائيلية التي تم التوصل اليها في اطار اتفاقية وادي عربة. * قيام سوريا بمجموعة من الاجراءات الامنية حيال الاردن سواء في اطلاق بعض المعتقلين الاردنيين أو اتخاذ خطوات في المعابر والمناطق الحدودية لتسهيل حركة التنقل بين البلدين وزيادة التواصل الاجتماعي والاقتصادي والتجاري وقد انعكس كل ذلك ارتياحا في الشارع الاردني. واذا كان من شأن هذه المبادرات المتبادلة اعادة الدفء إلى العلاقات السورية ـ الاسرائيلية فانها ترجمت على ارض الواقع في شكل خطوات اقتصادية تجيء وللمرة الاولى بربط حركة الاقتصاد والمشاريع الاقتصادية البينية في البلدين, فبعد نحو نصف قرن من التوقف انطلق قطار دمشق ـ عمان مجددا وتدريجيا برزت اهمية المشاريع المشتركة في مجالات المياه والطاقة والصناعات والنقل والكهرباء وحركة السلع والتبادل التجاري وانطلاقا من هذه الاهمية توالت الزيارات المتبادلة لكبار المسئولين في البلدين واثمرت هذه الزيارات عن عقد اجتماعات اللجنة السورية الاردنية المشتركة برئاسة رئيسي الوزراء في البلدين الدكتور محمد مصطفى ميرو وعلى ابوالراغب بعد توقف دام اكثر من عشر سنوات وتوضح الاتفاقيات التي تم التوصل اليها في مجالات المياه والكهرباء والنقل والتجارة والزراعة والصناعات والتعاون التقني والسوق المشتركة واحياء الشركات والمشاريع المشتركة التي توقفت والبدء بمشاريع مشتركة جديدة كل هذه الاتفاقيات توضح ان البلدين يتجهان نحو الربط والتكامل الاقتصادي حيث من المقرر ان يتم الربط الكهربائي بين البلدين في اواخر الشهر الحالي والبدء بتنفيذ سد الوحدة على نهر اليرموك الذي تستفيد منه الاردن في ري وادي الاردن ومياه الشرب وتستفيد سوريا منه في مجال الكهرباء وري الاراضي الواقعة خلف السد على ان يكون كل ذلك بخبرات سورية ـ اردنية مشتركة وبكلفة تقدر بنحو مئتي مليون دولار. في الواقع في ظل الرؤى الاقتصادية المشتركة لتوطيد العلاقات بين البلدين والتطلع إلى النمو الاقتصادي الذي يشكل تحديا مشتركا وفي ظل وجود شابين صديقين مفعمين بالعمل والاصلاح والتحديث في قيادة البلدين فان مسيرة العلاقات الاردنية ـ السورية مرشحة للمزيد من التحسن المطرد. دمشق ـ يوسف البجيرمي