ظل الدكتور سعد الدين ابراهيم استاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية حديث وسائل الاعلام طيلة الفترة الماضية, وتعرض خلال فترة احتجازه داخل احد زنازين معتقل طره القريب من فيلته الانيقة بالمعادي لموجات لم تنقطع من الاتهامات, والتي تنوعت مابين تلقيه اموالا من جهات اجنبية الى التجسس والتخابر لصالح الولايات المتحدة والتعاون والتعامل مع اسرائيل. وراجت الاتهامات ورسمت صورة قميئة لا يرضاها احد لمثقف نذر جهده للارتقاء بالمجتمع المدني, وان اختلف كثيرون مع اجتهاداته, وعارضوا خوضه في مياه ملوثة, تثير خلافات بين ابناء الوطن في وقت تتزايد الحاجة لترسيخ وحدته. وزاد من قتامة الصورة تزامن قضية اعتقال سعد الدين ابراهيم مع ازمة في العلاقات المصرية الامريكية وربط بينهما تاريخه كحامل للجنسية الامريكية وصلاته الوثيقة بمؤسساتها, فضلا عن صلة المصاهرة, وزواجه من امريكية. والآن حان وقت المواجهة مع سعد الدين ابراهيم بعيدا عن تحريات الاجهزة الامنية التي كال لها سيل من عبارات الاستهزاء لعدم اعتمادها الدقة. ولم يكتف ابراهيم في حواره مع (ملف الاربعاء) بتفنيد التهم التي وجهت اليه, بل فجر حقائق اشبه بالقنابل وكشف ضمن ما كشف, ان الدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس حسني مبارك هو الذي رشح له المحامي فريد الديب الشهير بمحامي جواسيس اسرائيل للدفاع عنه. وكشف ايضا ان وزير الشباب الحالي الدكتور علي الدين هلال كان ضمن المشاركين في ندوة كلية الدفاع الامريكية حول العلاقات المصرية الامريكية والتي اعتبرت ضمن ادلة اتهامه بالتجسس . تاليا نص الحوار مع الدكتور سعد الدين ابراهيم: * ماهى وقائع ليلة القبض عليك؟ ـ كنت فى البيت وحدى, فى حوالى الساعة الحادية عشرة ليلا سمعت طرقا شديدا على الباب الرئيسى فتحت, قدم لى رجل نفسه بأنه المستشار هشام بدوى من نيابة أمن الدولة, ومطلوب تفتيش البيت وفجأة رأيت وراءه تجريدة كبيرة انتشرت سريعا فى البيت بأدواره الثلاثة, فعرفت أن العملية جادة, اتجهوا مباشرة الى المكتب الذى يقع أسفل البيت وله باب يفتح على الحديقة وملحق به جزء فى شكل مخزن ومباشرة فتحوا باب هذا المخزن وأخرجوا منه ثلاثة أكياس سوداء كبيرة بها أوراق خاصة بهيئة دعم الناخبات (هدى) وكان واضحا ان لديهم معلومات. * لنقف قليلا عن حكاية أن لديهم معلومات. ـ وأنا أعيد تركيب ماحدث الآن, أقول أنه كان لديهم معلومات, فقد جندوا بنتا ساذجة أسمها (نيبال), كنت ألحقتها للعمل فى هيئة دعم الناخبات وقبل القبض بحوالى 48 ساعة اتصلت بى وقالت أن لديها أوراقا خاصة بتسجيل الناخبات وأن الهيئة ليس بها حراسة, وانها تخشى على هذه الأوراق, فقلت لها أرسل لك السائق حتى يحضرهم الى مركز ابن خلدون, قالت: لا سوف تقوم بنفسها بحفظ هذه الأوراق فى البيت فى المعادى, ولم أشك فيها لحظة واحدة, وقامت بالفعل بحفظهم فى المخزن الملحق بالمكتب, وعندما داهموا بيتى وأخذوا طريقهم مباشرة الى المكتب الذى أرشدتهم اليه اتجهوا للمخزن وكأنهم يعلمون مافيه. * ماهذه الأوراق التى أخذوها فى أكياس ثلاثة فى المخزن؟ ـ هذه الأوراق جاءت بها (نيبال) قبل القبض علي بـ 48 ساعة, ولم أعرف ماهى, ولم أرها ولم أقرأها, وقالوا: انها بطاقات انتخابية مزورة والناس تعرف ان التزوير يكون يوم الانتخابات وليس قبلها, وكنا نعمل فى هيئة دعم الناخبات (هدى) فى مشروع توعية وتعليم سياسى للناخبات ويترجم هذا فى موسم الانتخابات لتسجيل الناس للانتخابات, فنطلب منهم الحصول على بطاقة انتخابية ونوفر لهم تسهيلات ذلك. * ماذا أخذوا من البيت غير هذه الأوراق؟ ـ أخذوا الخزينة بعد أن طلبوا منى فتحها فقلت ليس معى المفتاح, خذوها أو أكسروها. * وماذا وجدوا بها بعد ذلك؟ ـ حاولوا أن يفتحوا جهازا لكمبيوتر, ولم يستطيعوا فأخذوه, وأخذوا مجموعة أوراق, جوازات سفر كانت فى أحد أدراج مكتبى, دفاتر شيكات وبعد ذلك قالوا: لدينا أمر بالقبض عليك, أركب معنا فقط, ولا داعى للكلابشات, وفوجئت فى خارج البيت بقوات كثيرة لم أتوقع حجمها أبدا, وسيارات ورائي وأمامى وتوجهوا إلى مركز ابن خلدون الذى يقع فى (المقطم) وهناك وجدت السيارات وتجريدة القوات ووجدت المديرة المالية للمركز نادية عبدالنور تجهش ببكاء هستيرى لأنها تصورت أن مايحدث لها هو محاولة اختطاف, فقد احتجزوها ولم يقولوا لها شيئا, ووجدت أيضا المساعد الخاص بها وهو معصوبا لعينين, ولم يعرف هو أو نادية من هؤلاء الذين داهموا المركز. * ماذا حدث فى المركز؟ ـ نفس الشئ الذى حدث فى البيت, بحثوا عن أوراق, أخذوا الكمبيوتر والديسكات. ثم تحركوا الى نيابة أمن الدولة. * ماذا حدث فى أمن الدولة؟ ـ سألونى: تحب نبدأ التحقيقات أم فى الصباح فقد كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة فجرا, فقلت فى الصباح, وتصورت أنهم سيأخذوا أقوالى وأمضى, أيقظت رجائى عطية المحامى, واتصلت بعبدالعزيز محمد واتصلت بالعائلة حتى أخبرها بماحدث, ونمت وفى الصباح كانت التهم أربع كالتالى أولا: تلقى أموال من جهة أجنبية دون اذن, ثانيا: انتاج عمل فنى فيه اسقاطات تسيء لمصر, ثالثا: رشوة دولية, رابعا: تزوير بطاقات انتخابية. ثم توافد المحامون, أرسل رجائى عطية والشلقانى محاميان, وجاء جميع محامي حقوق الإنسان, وبعد التحقيقات طالبوا بالإفراج عنى وتصوروا انهم أوفوا بكل شئ, ولكنهم قالوا: ستحجز رهن التحقيق لمدة 15 يوما. * منذ الدقيقة الأولى الى أن وصلت لبيتك لم تشعر بندم؟ ـ لم أشعر بندم, ولا بذعر ولم أشعر بغضب, كان لدى ثقة اننى برئ, وكانت الاتهامات تنطوى على قدر كبير من السذاجة وتصورت اننى سأخرج بعد مضى الـ 15 يوما الأولى. * ماذا تعنى بأن الاتهامات كانت تنطوى على قدر كبير من السذاجة؟ ـ فى التهمة الخاصة بتلقى أموال دون إذن, قلت لوكيل النيابة: نحن شركة مدنية, وأنت رجل قانون, قل لى من أين تحصل شركة مدنية على إذن, ماهى الجهة الحكومية التى نطلب منها إذن كشركة مدنية أو أى شركة أخرى عندما تتعاقد مع طرف خارجى؟ فقال: من فضلك أجب, فقلت: بالقدر الذى نشعر اننا فى حاجة الى اذن نحصل على اذن, فقال: وجدنا خطابا من وزارة الخارجية المصرية يوافق لك بالحصول على منحة من مؤسسة (فورد فاوند يشين) فقلت: لأن اتفاقية المقر التى بين المؤسسة والخارجية المصرية تتطلب موافقة الخارجية للحصول على منحة, فيما عدا هذه الجهة الحكومية الوحيدة التى نتعامل معها هى مصلحة الضرائب, نحن ندفع الضرائب, لقد دفعنا منذ انشاء المركز ربع مليون جنيه ضرائب, نحن ندفع جزءا من مرتب سيادتك, والرجل كان أمينا, فقد سجل كل ماقلت. * ماهو مسار التهم الأخرى غير تهمة تلقى الأموال؟ ـ اختفت تهمة عمل فنى يسيء الى مصر تماما فقد استدعوا علي سالم الكاتب المسرحى, وكان يعتقد انه شاهد, ولكنهم قالوا له: انه متهم وقبضوا عليه, وفاجأهم علي سالم بطريقته الدرامية قائلا: أنا متهم, وأنا جانٍ, وأقر وأعترف بتهمتى والاعتراف سيد الادلة, وكل أركان التهمة قد ارتكبتها, وسقطت التهمة امام أعضاء النيابة التى وجدوا أنفسهم أمام صاحب مدرسة المشاغبين, وأفرجوا عن علي سالم فى نفس يوم القبض عليه. * وكيف سقطت تهمة الرشوة الدولية؟ ـ المفوضية الأوروبية التى اتهمت بتلقى رشوة منها, والنصب عليها, أرسلت للحكومة المصرية تقول: ان لديها اتفاقا مع الحكومة المصرية, يتيح لها التعامل مع المجتمع المدنى, وان العلاقة مع المجتمع المدنى ينظمها ويفسر شروطها تعاقد بين المفوضية وهذه المؤسسات, بالمناسبة صححت لهم التسمية الخاطئة فكانوا يقولون فى التحقيقات, الاتحاد الاوروبى, وهى خطأ والصحيح المفوضية الأوروبية, وأحرجت المفوضية الأوروبية الحكومة المصرية بما أعلنته وسقطت التهمة, وقلت فى التحقيقات: لا أعرف ان جهاز أمن الدولة المصرى قد تحول إلى جهاز محاسبات القارة الأوروبية! * ولكن بقيت تهمة التخابر؟ ـ كانت تهمة التخابر هى الطلقة الطائشة فقد فوجئت بإيقاظى من النوم, وتصورت انهم سيفرجون عنى, ولكنهم وجهوا لى تهمة التخابر وعقب التهمة انفرجت أسارير المحامى فريد الديب أنه أدرك ان الطلقة (فشنك) فكل التهم لا تصمد 5 دقائق أما لغياب الأدلة, أو لتناقضها, أو لأن لدينا سندا لما نفعله وكانوا دائما لا يتحدثون عن تهمة, وانما يقولون اتهام طبقا لتحريات أمن الدولة الى أن جاء الأسبوع الأخير وأعلنوا اتهامى بالتخابر, وجاء دور الأمن القومى وسقطت التهمة أيضا بالحوار معهم, وأعلن النائب العام انه لم توجه اليّ تهمة تخابر وكان صادقا. * ولكن كيف قامت التهمة على الورق؟ ماهو مضمون التهمة التى سقطت؟ ـ كان مضمون التهمة رسالة وصلت الى من كلية الدفاع الأمريكية لاقدم ورقة عن الجماعات الاسلامية, وكان ذلك عام ,1994 وبمناسبة مرور 20 عاما عن استئناف العلاقات المصرية الأمريكية, فقلت لهم: أولا: اذا كان هناك أمر جلل يهدد الأمن القومى ويستغرق اكتشافه ست سنوات فهذه مصيبة, ثانيا: ان الأمن لم يقرأ ماقلته ولم يقل لى ماذا قلت ويهدد الأمن القومى, ثالثا: ان الدعوة أتت من كلية الدفاع الأمريكية ولم ينتبه الأمن للجهة الثانية الداعية وهى المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط وثيق الصلة بالمخابرات المصرية, وان الندوة كانت ستقام أولا فى الولايات المتحدة, وثانيا فى مصر. أما الأمر الرابع فهو انه لم يتم التحرى عن المشاركين من مصر فى هذه الندوة وكان منهم الدكتور علي الدين هلال, الدكتور أحمد كمال أبوالمجد, د. أسامة الغزالى حرب, دكتور حازم الببلاوى, وقلت لهم: اذا كان هذا هو اداء جهاز الأمن القومى فى مصر, وإذا كانت هذه هى نوعية تحرياته, فأنا لا آمن على نفسى داخليا. * هل هذه القضية كانت المكون الوحيد للاتهام؟ ـ لا, المكون الآخر, ان المركز قام بعمل بحوث تقدم لمؤسسة دولية تعطى هذه المؤسسة شهادة جدارة للمصانع التى تطلبها, وشهادة الجدارة هذه تتعلق بالمراقبة الاجتماعية على المصانع, فالعالم يعرف الآن نوعا من المراقبة غير المراقبة الفنية على المنتجات, هى المراقبة الاجتماعية مثل (عمالة الأطفال, النساء, الشروط البيئية, وغير ذلك) والمؤسسات الدولية التى تعطى شهادات الجدارة تلجأ لمراكز بحوث محلية للقيام بهذا الدور, والمركز قام بهذه بالنسبة لأربعة مصانع نسيج منذ شهرين. * وكيف أجبت عن هذا الاتهام؟ ـ لم أجد امامى فى الاجابة الا السخرية فقلت: هناك احتمال ان تكون مصانع النسيج التى عملنا عليها دراسات للمراقبة الاجتماعية تنتج اسلحة نووية أو بيولوجية على غرار ما حدث فى السودان. إذا كانت التهم تتساقط واحدة تلو الأخرى, ماهى هذه القضية التى تقول عنها انها قضية المسكوت عنه؟ بالفعل هذه القضية, قضية المسكوت عنه, والمسكوت عنه فيها الانتخابات, فاللجنة الوطنية المستقلة التى شكلت فى مركز بن خلدون مع منظمات أخرى للمراقبة فى 88 دائرة فى انتخابات 1995 صارت شوكة فى جنب الحكومة, رغم ان الحكومة استخفت بها ولم تشعر الحكومة بأهمية وحساسية هذه اللجنة الا بعد ان أبطل القضاء الانتخابات فى 87 دائرة فى الدوائر الـ 88 التى عملت فيها اللجنة الوطنية, ثم جاء حكم المحكمة الدستورية فقلت لهم: تمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين, فى عام 1995 طلبت أحزاب المعارضة مراقبة دولية وأخرستهم الحكومة, ولكن فى عام ,2000 كنا قد أصبحنا خبراء, وأرسلنا مراقبين لانتخابات اليمن واندونيسيا والفلبين وافريقيا وفلسطين, تعلمنا, ودرسنا, وأعيدت اللجنة للحياة استعدادا لانتخابات ,2000 وبعد أن أصبحنا خبراء, عملنا تحالفا من 8 هيئات هى أعضاء اللجنة, واعددنا الترتيبات حتى ليلة القبض, وكانت الانتخابات بالفعل هى المسكوت عنه فى القضية. * هل اجتمعت اللجنة وستواصل عملها؟ ـ عمل اللجنة, تعطل, لان رئيسها فى الخارج وأنا كنت فى السجن. * هل سيعود نشاط مركز ابن خلدون. ـ أرغب فى ذلك, ومثله مثل اللجنة, القرار بعودته جماعى وليس فرديا, والمؤسسات الشقيقة فى اللجنة وهى ثمان أغلقت أبوابها أو تكاد. * هل سيختلف أداؤك؟ ـ لن يختلف ادائى اطلاقا, وانما أعيد التفكير فى أمور كثيرة, طوال الوقت, السجن اعطانى صفاء فى التفكير واعادة للتفكير فى أمور كثيرة. قبل القبض عليك هل توفرت مؤشرات لما حدث وبعد الافراج عنك قبل جهات رسمية قالت لك: خف شوية. حكاية خف شوية حقيقة, والمقصود بها, (أهدأ قليلا), حكاية المؤشرات, تلقيت تهديدات بالقتل والحرق, وكانوا يقولون لى: ياحبيب البابا, ياعميل, ويقولون: فتوى للشيخ عمر عبدالرحمن بسفك دمك. * متى جاءت هذه التهديدات؟ ـ فبراير الماضى بعد محاضرة فى جمعية النداء الجديد عن الكشح وطلبت على أثرها مقابلة رئيس جهاز أمن الدولة, وقابلته فى ابريل, فقال لى كلمات موحية. * ماذا تعنى بهذا الحوار الموحى مع رئيس جهاز أمن الدولة؟ قال لى: نحن نعرف ان التهديدات اسلامية ولكننا مسيطرون سيطرة كاملة, ومطمئنون, ولكن نحن غير مسيطرين على المهاويس والدراويش, وهؤلاء يمكن أن يثيرهم أى شئ خصوصا ما يقوله المثقفون, وقد حاول واحد من هؤلاء المهاويس ان يغتال الرئيس فى بورسعيد, قلت: حتى لو فيه مهاويس إلا يقتضى وضع حراسة, قال: نظريا نعم ولكن لا نريد أن يقال أننا نتفق معك فيما تقول, قلت: لماذا؟ قال: ما تقوله نحن لسنا موافقين عليه, ولو وضعنا حراسة لزادت الرابطة بأننا نحمل وجهة نظرك ومع ذلك نحن (واخدين) بالنا, ثم أردف: لماذا تتحدث عن الأقباط والكشح, قلت: لانكم مهتمون بهما, قال: احنا أمن دولة, قلت: وأنا أمن مجتمع, أنا باحث, وانت مباحث, والوظيفة واحدة وهى البحث, ونحن ننشر ما نعمله, وفى البلاد المتقدمة تتكامل الوظيفتان, الباحث, والمباحث. فقال: ولماذا هذه القضية بالتحديد؟ ـ قلت: ليست هذه القضية هى محور اهتمامى, انها واحدة ضمن عشرين قضية اهتم بها, ولك كتب فى 40 موضوعا وكتاب واحد عن الاقليات به فصل واحد عن الاقباط, وسألته: هل رأيت أول كتاب لى أسمه (سيويولوجيا الصراع العربى الاسرائيلى) وأخركتاب لى اسمه (علم النكبات العربية).كيف تفسر هذا الحوار؟ لا أتهم أحدا, ولكن لدى تخمينات أن التهديدات التى وصفت بانها اسلامية لم تكن اسلامية, ومن بعض قراءاتى لما كتب ضدى, أستطيع أن أخمن, بأنه كانت هناك محاولة لخلق جبهة عداء, وعندما يطلق طلقته ضدى تكون الجماعة السياسية أما مفرقة, أو ممزقة أو شامتة, أو كل واحد يصفى حسابه. * وحكاية اسرائيل وجامعة حيفا؟ ـ سئلت عن مشاريع مع جامعة حيفا لأن حساباتى فى البنوك كان فيها شيك من جامعة حيفا, وعندما سألت: (الشيك بكام) قالوا: 300 دولار, قلت: هذا ثمن تذكرة طائرة, لالقاء محاضرة حول مرور 21 عاما على اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية وشارك فى هذه المناسبة, الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق, والسفير المصرى فى اسرائيل, وشارك فيها كل من شارك فى اتفاقية السلام ومازال على قيد الحياة, وأنا لم أشارك ولكن لى كتاب عن السادات. وبمناسبة اسرائيل, لماذا وكلت فريد الديب, وهو المعروف بدفاعه عن جواسيس اسرائيل, الأمر الذى أفقدك تعاطف المثقفين معك؟ أولا: فريد الديب رشحه رجائى عطية ومنى ذوالفقار, وأسامة الباز, ثانيا: أنا أعرف انه فيه حاجة اسمها اخلاق المهنة, وهو يقوم بواجبه المهنى, أما حكاية محامى الجواسيس فلم أعرفها, وإذا عرفتها فلن تغير فى الأمر شيئا, فرجائى عطية دافع عن قتلة السادات, وفى كل مكان يؤدى دوره وواجبه المهنى. لكن حافظ أبوسعده وبعض المحامين انسحبوا عندما وكل فريد الديب. حافظ انسحب لأنه يعمل ايديولوجيا وناس أخرى قالت: لو فريد الديب موجود لن نحضر, ولكنهم جاءوا, وجاء حافظ مرة أخرى, أنا كنت أول أمين عام لمنظمة حقوق الإنسان العربية وهؤلاء جميعا تلاميذى. * بالمناسبة: كم أتعاب فريد الديب؟ ـ لا أستطيع أن أجيب, هذه أشياء مهنية, اسأليه هو. * هل أسرتك كان معها ربع مليون جنيه يوم الافراج عنك لدفع الكفالة؟ ـ اليوم الوحيد الذى جاءت به بلا مال كان هذا اليوم, ومبلغ الكفالة كان 15 ألف جنيه 15 لى, و5 لنادية عبدالنور تم جمعه من أخى والمحامى وزوج ابنتى. * هل قالت زوجتك: زوجى رجل النظام؟ ـ زوجتى لا يمكن ان تقول هذا أنا مندهش من هذه الكلمات فلم أسع طوال عمرى لأحد, ولائى للدولة ولمصر شئ, وعلاقتى بالنظام شئ آخر, طلب النظام منى أشياء كثيرة أقول رأيى, مذكرة, هذا شئ وأن أكون جزءا من النظام شيء آخر, توجد علاقة جدلية, فيها توتر, موضوع الارهاب مثلا أنا مع النظام, وعملت برنامجا لمدة 4 سنوات ولكنى تعلمت مبكرا منذ فرضت على الحراسة فى عام ,1966 وسحبت منى الجنسية المصرية وأنا رئيس للطلبة العرب كيف تكون العلاقة مع النظام. * لماذا؟ ـ تصادف وأنا رئيس للطلبة العرب أن اغارت اسرائيل يوم اجتماعنا الشهرى على مواقع تحويل مجرى نهر الأردن ودمرت كل المعدات ولم تطلق طلقة واحدة, وجن جنون الطلبة العرب وأصدرنا بيانا شجبنا فيه كل الأنظمة العربية بلا استثناء, وبالطبع كان هذا خطيئة فى نظر النظام الناصرى, واستخدمنا عبارة اعتبرت خطيئة أيضا فقد قال البيان: ان اسرائيل لن تترك لنا تحديد زمان ومكان المعركة القادمة. وقلنا الحرب قادمة خلال أسابيع أو شهور وهذا الكلام ايضا أغضب النظام, وفرضت علي الحراسة وسحبت جنسيتى, ولم تعد الا فى عام .1974 * كيف ترى تفاعل النخبة المثقفة مع قضيتك؟ ـ لم أر الخريطة, ولم يتركنى الصحفيون ساعة واحدة. * وموقفك من الصحفيين؟ ـ توقعت أن يأخذ البعض موقفا يقول أنا اختلف معه ولكن لا يطلب احدهم شنقى فى ميدان التحرير, تألمت جدا أن يقول كاتب مبدع مثل أسامة أنور عكاشة: هذه نهاية سعد الدين ابراهيم حتى لو اثبتت التحقيقات براءته وان قصة صعوده الاسطورى وانهياره تصلح للدراما التليفزيونية, هذا كلام آلمنى كثيرا. * هل تشعر بالخذلان من المثقفين؟ ـ لا لم أشعر بالخذلان اطلاقا, ولا توقعت منهم الكثير لأنى تعاملت معهم ومعرفتى بهم تجعل توقعاتى منهم متواضعة جدا, لم أشعر بالخذلان, ولكن فيه خيبة أمل فى بعض من صمتوا منهم. * كيف ترى حركة المجتمع المدنى الآن؟ ـ ماحدث لى هو ضربة للمجتمع المدنى فى مصر إذا كان هذا ماحدث لسعد الدين ابراهيم فماذا يمكن أن يحدث للآخرين, وبالفعل رفضت وزارة الشئون الاجتماعية تسجيل المؤسسات التى وعدت بتسجيلها وقبلت أوراقها وقالت: ترفض لدواع أمنية. * هل الرفض جاء لدواع أمنية فعلا؟ ـ فيه أسباب وجيهة, وفيه أسباب حقيقية الأسباب الوجيهة هى التحويل, ومع ذلك أقول ان الدولة مصر أكبر دولة تتلقى معونات من أمريكا وأوروبا واليابان, أكبر دولة فى العالم, (4.3) مليارات دولار سنويا يأتى بعدها القطاع الخاص, لأن الغرب حريص على خلق (بيزنس) يتلقى 300 مليون دولار سنويا, المجتمع المدنى كله يتلقى (15) مليون دولار سنويا ابن خلدون يتلقى 1/3 ملايين دولار, هذه أرقام يستطيع أن يراها كل انسان ويعرفها. موضوع التحويل حق أريد به باطل, الدولة تريد السيطرة على القطاع الأهلى ولذلك رفضت الوزارة تسجيلهم, وتتعامل معهم كخصوم. * كيف ترى الصيغة مستقبلا؟ ـ لابد ان يخرج ملف حقوق الانسان والمجتمع المدنى, والأقباط من أمن الدولة الى جهة أخرى ولتكن الرئاسة, ماذا يمنع التعامل مع هذه الملفات بالتعاون وليس على أنه موضوع أمنى, لماذا يتعاملوا مع الاقليات أمنيا, وليس ثقافيا ودينيا وفكريا وموضوع الاقليات وحده كلف الوطن العربى خلال 50 عاما (5.2) مليون قتيل, بينما كلفه الصراع العربى الاسرائيلى 200 ألف قتيل. * هل انتهى ابن خلدون كمركز بحثى؟ ـ عندما انشأت المركز قبلت المغامرة ونجحت فى القاء أحجار متتالية فى المياه المصرية, ابتداء من تجسير العلاقة بين المثقف والسلطة وحتى دراسة الاقليات والاحزاب وتقييم دور المؤسسات, الرسالة لم تنته منذ مركز دراسات الوحدة العربية مرورا بالعربية والمصرية لحقوق الإنسان حتى ابن خلدون, وقد يكون مركز دراسات الوحدة ردا على فاجعة الهزيمة فى ,1967 الرسالة مستمرة وهى فتح العقل العربى, فتح المجتمع العربى, ابن خلدون كان صورة للمقامرة فى آخر تجلياتها, الرسالة مستمرة ولكن لا أعرف كيف. * ولماذا أفرجوا عنك وهل انتهت القضية؟ ـ فى ضميرى أن ما فى جعبتهم قد فرغ, القضية (ركنت). * قيل الكثير عن تدخل أمريكا وضغوطها على مصر من أجل الافراج عنك؟ ـ فى تقديرى ان مجيء اسم أمريكا فى التحقيقات كان خطأ استراتيجيا واستبعد ان يكون الضغط الأمريكى هو سبب الافراج عنى. الرئيس مبارك رجل عنيد ولو كان يخضع للضغط الأمريكى لخضع مبكرا, وخضع فى القدس. ولكن رغم كل شيء, القضية كانت ورقة شد وجذب ضمن أوراق كثيرة فى العلاقة مع أمريكا. ولكن لأنى ضحية التخمينات, أستبعد أن يكون الضغط الأمريكى هو الحاسم فى الافراج عنى, فكما قلت الرئيس رجل عنيد. * سؤال أخير:هل ستعيش فى مصر بعد ماحدث؟ ـ سوف أعيش فى مصر. القاهرة ـ حوار: نور الهدى زكي