في نقلة جديدة لتذبذب القرار الرسمي بخصوص المطالب التي رفعها الغاضبون في منطقة القبائل الجزائرية قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إجراء امتحانات البكالوريا في دورتين لكل طلاب الجزائر، أولاهما تنطلق السبت المقبل وثانيهما تجري في شهر سبتمبر وسيحدد تاريخها لاحقا بعد مشاورات مع المعنيين والاختصاصيين. وأكدت من جانبها جبهة القوى الاشتراكية المعارضة انها لا تسعى لرحيل بوتفليقه عن الحكم فيما اتهمه الإسلاميون بعلمنة المجتمع. وقد أعلن بوتفليقة عن القرار خلال ترؤسه أول اجتماع لمجلس الوزراء المعدل في جلسة أمس الأول. وهذه المرة الرابعة التي يتغير فيها موقف الحكومة بصدد امتحانات البكالوريا في ظرف ثلاثة أسابيع. فقد سبق لوزير التربية أبو بكر بن بوزيد أن رفض مطالب القبائل بتغيير تاريخ الامتحان رفضا قاطعا مبررا ذلك بضرورة انسجام العملية على المستوى الوطني وبعدم خضوع قرارات المنظومة التربوية لأحداث طارئة بمنطقة معزولة في البلاد. لكن الحركة الثقافية البربرية التي قادت المطلب المذكور، والمدعمة بلجان التنسيق بين أحياء ومدن القبائل، مارست ضغطا شديدا بتنظيم مسيرات في كافة مدن وقرى المنطقة شارك فيها مئات الآلاف، وتكفل رئيس الحكومة علي بن فليس بالموضوع بأمر من الرئيس بوتفليقة، فاستقبل وفودا من نقابة التعليم والحركة البربرية والعقلاء، فأصدر قرارا بتأجيل الامتحانات بمنطقة القبائل الى 28 يوليو المقبل والإبقاء على التاريخ المحدد سلفا وهو التاسع من يونيو بالنسبة لتلاميذ باقي البلاد. بعبارة أخرى تنظيم بكالوريا خاصة بالقبائل بتاريخ وبمحتوى وأسئلة مخالفة لباقي الجزائر. وكان هذا القرار بمثابة إعلان حرب تقسيم البلاد، فثار الطلاب وقدم التلفزيون آراءهم التي تحرص على وحدة الامتحان ووحدة الجزائر أرضا وشعبا. وأكد طلاب القبائل في بيانات أنهم لا يقبلون بأي مساس للوحدة الوطنية وأن إجراء امتحانين لشهادة واحدة أحدهما للقبائل والآخر لباقي الجزائر قرار خطير لابد من إسقاطه وبعدها تراجع بوتفليقة. وبهذا القرار يكون الرئيس قد استجاب لمطلب طلاب القبائل وأوليائهم مئة بالمئة وطوى نهائيا صفحة المطالب المتعلقة بامتحانات آخر السنة. وفي أول رد فعل على القرار اعتبر الهادي ولد علي رئيس الحركة الثقافية البربرية القرار انتصارا للحق ولنضال طلاب القبائل مع أنه كان من الممكن اتخاذه قبل هذا التاريخ. فيما اعتبرته قيادات أحزاب سياسية تعبيرا عن إفلاس سياسة النظام التي تسيرها أحداث ظرفية، عوضاً عن تبني استراتيجية واضحة ودائمة في جميع قضايا الوطن. من جهة أخرى حمّلت هيئة تنسيق الأحزاب والمجتمع المدني بمدينة وهران عاصمة غرب الجزائر السلطة القائمة مسئولية ما يجري بالقبائل وطالبت بحوار مباشر وشفاف مع ممثلي السكان وتجفيف الأسباب التي أدت الى الانفجار واتخاذ اجراءات عقابية عاجلة ضد المتسببين في إراقة الدماء. كما دعت الى السحب الفوري لقانون العقوبات الذي سيكون بلا شك محورا آخر لإثارة القلاقل في المجتمع وتأخير عملية استرجاع عافية البلاد. وفي ولايات القبائل يجرى التحضير لمسيرة كبرى يوم الرابع عشر من يونيو بالعاصمة بإشراف تنسيق (العروش) وهي هيئة انبثقت عن الأحداث الأخيرة وتنشط بلا لون سياسي وتتشكل من ممثلي القرى وأحياء المدن ومن العقلاء. وقالت مصادر من بجاية إن أعضاء الهيئة انتشروا في كل مكان لجلب أكثر من مليون شخص يوم المسيرة وأكدت المصادر أن الشعارات التي ستحملها المسيرة ستكون مهذبة بالقياس الى تلك التي حملتها مسيرة «القوى الاشتراكية» الخميس الماضي واعتبرتها أوساط سياسية وإعلامية كثيرة متطرفة. وسيكون محور المطالب هو سقوط جميع من دبروا تأجيج نار الفتنة في القبائل مهما كانت مناصبهم. وستقدم المسيرة مذكرة مطالب ذات طابع اجتماعي وسياسي وثقافي، كما تقدم مشاريع برامج لدراستها مع المسئولين المحليين بالولايات المتضررة بغرض تجاوز الوضع المأساوي الذي خلفته الأحداث. وأجرى ممثلو تنسيق العروش لقاءات مع ولاة هذه الولايات للتشاور حول برنامج عاجل لإعادة الحياة الى مجاريها بموازاة العمل مع الحكومة لتحقيق المطالب الكبرى مثل مسألة الهوية والقانون الذي يحكم ممارسات قوات الأمن بالمنطقة، والتعجيل بترحيل جميع من شاركوا في مواجهة المتظاهرين. ومنح صفة الشهيد لضحايا الأحداث. وفي موقف ملفت للانتباه أكد الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية علي قربوعة، أن حزبه لا يكن أي عداء للرئيس بوتفليقة ولا يطالب برحيله، وقال في مؤتمر صحفي عقده مساء أمس الأول لتقييم مسيرة الحزب التي جابت شوارع العاصمة يوم الخميس الماضي: «إن المبادرات السياسية التي يقوم بها الحزب ليست للمطالبة برحيل الرئيس أننا لسنا ضده ولا مع رحيله، لأن المشكل ليس في بوتفليقة وإنما في النظام القائم والسلطة الحالية التي ترفض التغيير وتواصل ممارسة الإقصاء والتهميش والقهر» وأكد أن زعيم الجبهة حسين آيت أحمد تنقل الى واشنطن والتقى مع مسئولين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لشرح الوضع في الجزائر كما هو ودون تزييف والنظر في مسألة إيفاد لجنة دولية لتقصي الحقائق. وقال «إن رفض النظام القائم لأي تغيير في سياسة البلاد هو الذي دعانا الى اللجوء للجنة تحقيق دولية للكشف عن الحقائق والتجاوزات التي ارتكبها النظام». وهذه أول مرة منذ تولي الرئيس بوتفليقة يتجرأ فيه مسئول من «القوى الاشتراكية» على القول أن الحزب ليس ضد الرئيس ولا يطالب برحيله. وبصدد أحداث الشغب التي شهدتها نهاية مسيرة الخميس قال مسئول «القوى الاشتراكية» إن جهات منظمة في السلطة وراءها واستبعد أن تكون من سكان منطقة القصبة وباب الوادي. وعلى وقع أحداث القبائل تجري الأحزاب الاسلامية الرئيسة الثلاثة (مجتمع السلم و النهضة و الإصلاح) اتصالات مكثفة هذه الأيام مع قياديين من جبهة الانقاذ المحظورة لتشكيل قطب إسلامي قوي كفيل بالتأثير في ميزان القوى السياسي. فقد أجرى محفوظ نحناح وعبد الله جاب الله ولحبيب لآدمي لقاء سياسيا مطولا مع عبد القادر بوخمخم وعلي جدي وهما عضوان مؤسسان لجبهة الانقاذ سجنا بين 1991 و 1994. وتعرض الاجتماع لتحليل الوضع العام في البلاد، وحذر من المساس بثوابت الأمة. واتهموا الرئيس بوتفليقة بالذهاب بعيدا نحو «علمنة مظاهر الحياة الاجتماعية تحت غطاء إصلاح المنظومة التربوية» ووصفوا تسييره للأزمة التي تمر بها البلاد بالفاشل. وتأتي مبادرات التيار الاسلامي بعد صدور نتائج لجنة إصلاح نظام التعليم وتبني الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لملفها الذي يطرح تغييرات جوهرية في محتويات التعليم ومناهجه واللغات التي تستخدم في مختلف مراحله. وفي إطار آخر أكد رئيس الحكومة الأسبق ومرشح الرئاسيات المنسحب عام 1999م أن انسحاب الجيش من الساحة السياسية غير معقول الآن. وقال في حوار مشترك ليوميتي «الخبر» و«الوطن» الجزائريتين الصادرتين أمس الأحد «إن السلطة القائمة أخفقت في تحقيق طموحات المجتمع بممارساتها البالية وانتهاجها سياسة الهروب الى الأمام. وأكد حمروش، وهو واحد من أكثر رجال الجزائر اطلاعا على خبايا الحكم لوجوده في الرئاسة في زمني بومدين والشاذلي، أن فترة حكم الرئيس بوتفليقة كانت سيرا باتجاه الخلف والعودة الى ترسيخ هيمنة قوى التخلف. الجزائر ـ مراد الطرابلسي: