بيان الاربعاء: ما اكثر المواقف والفترات التاريخية الحاسمة التي مرت بها مصر والعالم العربي والتي تحتاج الى اعادة قراءة واستدعاء شهودها ومحققيها لكشف اسرارها وحقائقها والقاء مزيد من الضوء عليها لمعرفة، ما حدث بالضبط، بشكل خاص اذا كانت هذه الاحداث والفترات تنعكس على واقعنا ومستقبلنا والضرورة تحتم علينا اخذ العبر والدروس من الماضي. فمازال الغموض مثلا يحيط بحرب فلسطين عام 1948، وما اذيع او نشر عنها لا يكشف لنا وللاجيال الجديدة ماذا حدث بالضبط خاصة وان هذه الحرب هي المسئولة عن ضياع فلسطين وقيام دولة اسرائيل بعد هزيمة الجيوش العربية وما ارتبط بها من نتائج خطيرة. في اتجاهات، قلبنا اوراق حرب فلسطين مع عدد من الشخصيات التي شاركت بها واعددنا انفسنا لسماع شهادة تكشف بعض الجوانب التي حاولت بعض الاوساط طمسها، ومن هذه الشخصيات البكباشي «جلال ندا» الذي اطلق عليه لقب الشهيد الحي اذ تجاوز كل محن هذه الحرب القاسية، واخترق حصار الفالوجا كاسرا اياه عن القوات المصرية التي كان يرأسها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. ** وهو الى كل ذلك كان أول ضابط يحال على المعاش بسبب حرب فلسطين بعد إصابته في إحدى المعارك برصاصة في أحشائه.. رفض العلاج كأسير وفضل أن يظل مصاباً.. أتهم في حريق القاهرة مع أحمد حسين وتم التحقيق معه.. ولعب دوراً كبيراً في حركة الفدائيين ضد الانجليز من خلال قيادته لكتائب الحزب الاشتراكي.. عمل ندا صحفياً بدار «أخبار اليوم» وشاهد ثورة 23 يوليو عن كثب واعتقد البعض أنه أحد أبطالها على الرغم من عدم علمه بها.. وقام بتسجيل حوارات مع اغلب قادتها كشف فيها عن أسرار كثيرة.. ارتبط بصداقة قوية مع الرئيس الأسبق محمد نجيب وعندما حدث الصراع الشهير على السلطة بين نجيب وعبد الناصر تم طرده من أخبار اليوم.. يرى أن الأسلحة الفاسدة لم تكن أحد أسباب هزيمة .48. وإنما للهزيمة أسباب كثيرة.. قام برسم الخطة التي فكت حصار جمال عبد الناصر في الفالوجا ولولاه لاستشهد عبد الناصر. أسرار وحكايات وحقائق كثيرة يكشفها البكباشي جلال ندا أحد أبطال حرب 48 الذي يحتفظ في ذاكرته بتفاصيل هذه الحرب لحظة بلحظة.. نعرض هنا لشهادته مع مداخلات لبعض الشخصيات والتي تنشر بالتنسيق مع وكالة «الاهرام» للصحافة: ـ قلنا له: ان اسمك ارتبط بحرب 48، وقد سجلت بطولات كثيرة فيها، كيف تطوعت وذهبت الى فلسطين وما هي الدوافع التي جعلتك تقدم على هذه الخطوة في وقت مبكر؟ ــ ندا: كنت في «منقباد» في صعيد مصر حين قرأت خبراً عن استشهاد عبد القادر الحسيني وعلى ما أتذكر أن هذا الرجل كان شقيق او ابن عم أمين الحسيني مفتي القدس في ذلك الوقت. وكان هذا الكلام في 19 مايو 1948 وعندما قرأت الخبر انتفضت وبدأ الدم يغلى في عروقى وعلى الفور أرسلت تلغرافاً لحيدر باشا وزير الحربية جاء فيه: أرجو قبولي كمتطوع حتى يمكنني الثأر لصديقي عبد القادر الحسيني.. ـ ومن أين جاءت صداقتك بعبد القادر الحسيني؟. ــ هذا سؤال مهم بالفعل وأروى هنا كيف جاءت العلاقة. في عام 1947 كنت رئيس مباحث الصحراء الغربية ووجدت اتصالاً من الحاج أمين الحسيني يطلبنى وتحدثت معه بشأن مساعدته في شراء بعض الأسلحة والمعدات.. وهذه الفترة كان السلاح فيها كثيرا في المنطقة، واستجبت لطلب أمين الحسيني وسعيت له وساعدته للحصول على ما يطلبه من سلاح وذخيرة ومن هنا جاءت الصداقة والتعاون.. ـ نعود لاستكمال قصتك مع التطوع في حرب فلسطين وماذا بعد أن أرسلت تلغرافاً إلى حيدر باشا وزير الحربية؟ ــ ندا: تمت الاستجابة لطلبي وأسرعت فورا لتجهيز نفسي وإعداد كل ما يلزمني من مهمات وأخذت أول قطار وسافرت وكان معي مجموعة من المتطوعين منهم اسماعيل فريد ومحمود السرساوي وناجي سلام وآخرين. وتم الحاقي بالكتيبة الاولى في غزة وتوليت قيادة ضباط السرية الثانية التي تكبدت خسائر كبيرة في المعركة. واستسلموا وذهبنا نحن مكانهم وبعد ذهابي مباشرة دارت معركة بيننا واليهود حاولوا من خلالها السيطرة على المكان لكننا نجحنا في دحرهم ورجعوا مهزومين.. حرب عن غير قناعة ـ لواء أركان حرب نبيل فؤاد أستاذ العلوم السياسية ونحن نتحدث عن حرب فلسطين يكون أول سؤال نوجهه هل دخلت القوات المصرية والعربية الحرب وهي غير مستعدة وغير مؤهلة نفسياً ومادياً؟ ــ فؤاد: بعد صدور قرار تقسيم فلسطين تصاعد الصراع في الأراضي الفلسطينية ولايجب أن أظلم الفلسطينيين لأنهم قاموا بعدة إنتفاضات في الثلاثينيات من القرن الماضي.. لكن في هذا الوقت كان الفلسطينيون والعرب محتلين من بريطانيا ودائماً القوى يفرض إرادته وأعود وأقول أن القوات المصرية والعربية حققت مكاسب وطموحات كثيرة في هذه الحرب. ـ د. نبيل ما هو مدى الاستعداد من جانب القوات المصرية لدخول هذه الحرب؟ ــ تم تشكيل لجنة بالفعل داخل القوات المسلحة لدراسة وتقديم تقرير عن استعداد قواتنا لدخول هذه المعركة واطلق عليها «لجنة تفتيش» التي قالت في تقريرها أن القوات غير مستعدة وغير مهيأة لدخول الحرب سواء على الجانب النفسي أو المادي. وكان هذا الكلام أمام رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت يوم 13/5/1948 والحرب قامت بعد ذلك بيومين. ـ لواء أركان حرب متقاعد مصطفى ماهر الرئيس السابق للجنة العسكرية لتسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو هل كان هناك إستعداد مسبق من جانب القوات المصرية لدخول حرب 48؟ ــ ماهر: هذه المعركة أقحم فيها الجيش المصري بدون استعداد. وعندما أقول بدون استعداد أقصد الاستعداد المادي والمعنوي.. الاستعداد المادي بمعنى ان يكون الجيش مجهزاً بجميع أنواع الأسلحة والمعدات لخوض غمار الحرب.. والاستعداد النفسي والمعنوي بمعنى أن يكون الضباط والجنود مؤهلين لخوض غمار الحرب عن قناعة كاملة.. كان قرار اتخاذ الحرب سريعا من الملك فاروق بناء على نصيحة من عبد الرحمن باشا عزام أمين عام جامعة الدول العربية وبناء على تدخل الرئيس اللبناني رشيد الصلح. ـ ما المقصود بهذه النصائح؟ ــ صور له الأمر على أنه يكون خليفة المسلمين وزعيما للعرب وأن الأمر لا يخرج عن كونه نزهة عسكرية وليس حرباً وبناء عليه أخذ الملك فاروق هذا القرار بدخول الحرب. ـ لواء أ.ح د. نبيل فؤاد على من تقع المسئولية في هذا القرار الخاطئ بدخول حرب نحن غير مستعدين لها على كافة المستويات؟ ــ فؤاد: القيادة السياسية هي المسئولة عن اتخاذ القرار وبالتالى مسئولة عن كل ما ترتب على هذا القرار لأن هناك مقولة استراتيجية تقول أن الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى بمعنى أنني لو عندي مشكلة أحاول حلها سياسياً اذا لم أنجح الجأ إلى الأساليب الاقتصادية اذا لم أتمكن الجأ إلى الآلة العسكرية.. ـ لواء مصطفى ماهر في تصورك بعد دراسة تاريخ هذه الفترة الحساسة من حياة المصريين والعرب من المسئول عن هذه الكارثة؟ ــ سمعت مرة تعليقاً في أحد الأماكن حيث كنت جالساً مع نخبة كبيرة يقول ان العقل العربي كان مغيبا فقلت له: أن العقل العربي لم يكن مغيبا لأن إسماعيل باشا صدقي وقف في البرلمان وقدم 14 سؤالاً مشهورين وطلب الاجابة عليها من النواب بخصوص هذه الحرب وما اذا كان الجيش مستعداً أم لا فماذا حدث؟ هاج عليه النواب وانتقدوه ووصل الوضع إلى حد اتهامه بالخيانة. وأنا أقول اذا كان البرلمان أجاب على أسئلة صدقي باشا ما كان دخل المعركة بهذه الصورة. ولم يقتصر الوضع عند هذا الحد فؤاد باشا سراج الدين وقف في مجلس الشيوخ وقال للنقراشي باشا أعطني ضمانا بأن الجيش المصري مستعد للحرب وهاجم فؤاد باشا النقراشي هجوماً عنيفا ولم يجد الأخير فرصة للرد غير أنه كذب على المجلس وعلى فؤاد باشا وقال نحن مستعدون حتى في المحاكمات التي أجراها مجلس قيادة الثورة قال د. محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ وقتها أنه عندما قام فؤاد باشا بمهاجمة النقراشي وأن يعطيه ضمانا بأن الجيش مستعد كان الكرسى يهتز من تحته.. اخلص من هذا أنه كان عندنا زعماء وطنيين أعلنوا رأيهم بصراحة وجاهروا به في وجه المسئولين ولم يخافوا.. لكن أصواتهم ضاعت في زحام الوطنية.. ـ د. نبيل اود التعرف منك على الانقسامات والخلافات العربية ـ العربية والدور الذي لعبته في هذه الهزيمة التي أوجدت إسرائيل في المنطقة؟ ــ كانت هناك صراعات عربية ـ عربية.. الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين كان يعتبر نفسه هو الأولى بفلسطين على الجانب الآخر الملك عبد الله الأول ملك الأردن جد الملك حسين كان يعتقد انه الأولى بفلسطين وضرورة ضمها للاردن.. والملك فاروق كان يتحدث عن زعامة المسلمين والاسلام.. ومن هنا كان كل واحد يعمل لمصالحه الخاصة وتحقيق أهدافه الذاتية بدون النظر إلى خطورة ما يحدث وضرورة وجود تنسيق وتوحد في الأهداف.. ـ جلال ندا.. لماذا عارضت بشدة قبول القوات المصرية الهدنة بينكم وبين اليهود؟ ــ ندا: قبل الهدنة بيوم واحد قال لى اللواء النواوى قائد القوات المصرية في فلسطين ياجلال من الواضح أننا سنقبل الهدنة فقلت له: تبقى غلطان يا باشا.. فنظر لي فقلت له اذا قبلتم الهدنة الآن أبلغ «البهوات» في مصر أن ينهوا الحرب سياسياً ولا ضرورة للحرب بعد ذلك اى الهدنة فنظر إلي النواوى فواصلت شرح الموقف كالتالي: اذا قبلنا الهدنة اليهود سيكون عندهم فرصة ذهبية لالتقاط أنفاسهم وبجانب ان المعونات العسكرية والمؤازرة من جانب الدول الكبرى لن تتوقف اليهم ويعيدوا توحيد صفوفهم وأعلنت صراحة أننا لن ننجح في كسب معركة بعد الهدنة وهذا ما حدث بالضبط قبل قبول الهدنة الثانية دخلنا في معركة مع اليهود في عراق سويدان يوم 9 نوفمبر وحقق فيها العدو انتصارات ونحن خسرنا الكثير. ـ د. نبيل فؤاد من واقع دراساتك لهذه الفترة ماذا حدث بالضبط في الفالوجا؟ ــ فؤاد: في المرحلة الثالثة بدأت اسرائيل تكتسح القوات العربية وفي ظل تراجع القوات العربية بدأت اسرائيل تنفيذ خطة اسمها «يوأب» على الجبهة المصرية بعد أن نجحنا في تصفية الجهات العربية. وحشدت قواتها ووصل التفوق إلى أربعة أضعاف القوات المصرية وهنا تقطعت بعض الخطوط بين القيادة العامة والفالوجا التي كان يقودها عميد ومعه جمال عبد الناصر برتبة رائد وهنا طلبت القيادة العامة انسحاباً شاملاً لجميع القوات المصرية إلى الحدود المصرية.. فلم تتمكن القوات في الفالوجا من الارتداد وساعد على ذلك أن كل القوات والدول العربية تخلت عنهم ولم يقدموا لهم أى معونة لفك الحصار الذي استمر 125 يوما تعرضوا فيها لهجمات جوية ومدفعية لكنهم قدموا بطولات رائعة رغم الحصار ونجحوا في تنفيذ هجمات مضادة الى ان تمكنت القيادة المصرية من تشكيل مجموعات لإختراق الحصار. ـ جلال ندا أصبت خلال حرب فلسطين. صف لنا المعركة الحربية التي أصبت فيها؟ ــ ندا: يوم سقوط عراق سويدان اقترحت على القيادة أن ننسحب ونأتى للفالوجا وأعطيت اوامرى بالانسحاب ووضعت خطة تخالف الخطط العسكرية المتعارف عليها في مثل هذه الأمور والتي تبدأ بانسحاب المعدات ثم الجنود، أعطيت أوامري بانسحاب الجنود اولاً ثم بعد ذلك المعدات والعربات وغيرها حتى لا ينتبه اليهود ويضربونا. وأثناء تنفيذ الخطة وأنا وسط المشاة حدث انفجار وفوجئت بضربة في صدري كان بجانبى د. ميشيل جرس الذي قام بربط صدري وما كاد ينتهي حتى أصبت برصاصة في رجلي قطعت الوريد والشريان ولما وصلنا إلى الفالوجا عالجوني بالابر.. وتم إبلاغ فؤاد باشا صادق قائد القوات المصرية في فلسطين بحالتي فقال لهم اتصلوا بمصر وتم الاتصال بمصر التي اتصلت بلجنة الهدنة التي اتصلت بدورها باسرائيل ووافقوا على معالجتي ونقلي إلى يافا لكن كأسير.. لكننى رفضت وأرسلت إشارة إلى فؤاد باشا قائد عام القوات المسلحة في فلسطين قائلاً فيها من الصاغ جلال ندا إلى فؤاد باشا انني أرفض الانتقال إلى يافا ومعالجتي كأسير حرب حتى لو ضحيت بحياتى فرد علي قائلاً من اللواء فؤاد إلى الصاغ جلال ندا يا أشجع الأبناء أنني أفاخر بك واعمل جهدي لانقاذك واخوانك الجرحى.. وأنا على سرير المرض وكان بجوارى شمس بدران وكان مصابا أيضا سمعت جمال عبد الناصر يصرخ ويقول أن اليهود إخترقوا الخط من جوار المدرسة من قطاع السرية السودانية النجدة.. النجدة.. النجدة وهنا جاء ضابطان يطلبان التطوع لانقاذ عبد الناصر فرفض القائد فقلت له اتركهم يذهبوا وبالفعل وافق بعد أن أقنعته ونجحوا في تخليص عبد الناصر الذي كاد يستشهد في «عراق المنشية». الأسلحة وراء الهزيمة ـ من القضايا التي ارتبطت بحرب فلسطين ولايزال الجدل يدور بشأنها بين المؤرخين وشهود العيان لدرجة كبيرة.. فبعضهم يرى أنها السبب الرئيسي للهزيمة.. والبعض الآخر يرى أنها وهم.. قضية الأسلحة الفاسدة ما حقيقة وجود الأسلحة الفاسدة في حرب 48 وانها كانت وراء الهزيمة؟ ــ ندا: بالفعل حدث جدل كبير بشأن الاسلحة الفاسدة حتى ان جمال عبد الناصر كتب عنها وقال ان الأسلحة الفاسدة لم تستخدم نهائيا في فلسطين وفي كتابه فلسفة الثورة اسقط جمال عبد الناصر حكاية الأسلحة الفاسدة وأورد الاسباب التي نطقت بها المحكمة في حكمها ببراءة المتهمين في قضية الأسلحة الفاسدة. وعلى حد قول جمال عبد الناصر اذا كان هناك أسلحة فاسدة ومتهمون لماذا تمت تبرئتهم. وأنا أميل إلى هذا الكلام فيما يتعلق بقضية الأسلحة الفاسدة. ـ د. عاصم الدسوقي المؤرخ المعروف وأستاذ التاريخ الحديث.. كيف ترى ما أثير بشأن الأسلحة الفاسدة ودورها في حرب 48 وحقيقة هذا الدور؟ ــ الدسوقي: موضوع الأسلحة الفاسدة أثير كثيراً بعد ثورة 23 يوليو وأثاره الكاتب إحسان عبد القدوس ومصطفى مرعي في مجلس النواب.. والسلاح الفاسد أساسه فكرة الصفقات الحكومية التي تعتمد على شراء السلاح من الخارج وهنا يتم تكليف لجنة مشتريات لشراء السلاح.. وشراء سلاح فاسد أو غير فعال يتم مقابل بدل مادي معين.. وبالطبع ليس شرطا ان تكون الصفقة كلها سلاح فاسد أو فعال لكن بعض السلاح يقع في يد واحدة فيكون فعالاً ويقع في يد أخرى فيكون فاسداً.. تختلف الشهادات فالذي حارب بسلاح نظيف ولم ترتد اليه الطلقة يشهد بأنه لا توجد أسلحة فاسدة، لكن الذي حارب بسلاح فاسد وارتدت اليه القذيفة التي يطلقها يشهد بأن السلاح فاسد، انطلاقاً من مشاهدة واقعية وعملية.. ـ لواء أركان حرب متقاعد مصطفى ماهر الرئيس السابق للجنة العسكرية لتسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو ماهي قصة الأسلحة الفاسدة التي تم استخدامها في حرب فلسطين 48؟ ــ ماهر: في شهادتي عن الأسلحة الفاسدة أقول: كان هناك قرار من الامم المتحدة بفرض حظر السلاح عن الدول المتحاربة في منطقة الشرق الأوسط «إسرائيل والدول العربية» أن هذا الحظر يتم تطبيقه تماماً على الدول العربية لكن بالنسبة لإسرائيل الموضوع مختلف ويتم اغماض العين عنها في الحصول على كل شيء، ومن هنا جاءت الحاجة الملحة للحصول على السلاح بأي طريق من الخارج وتشكلت لجنة اطلق عليها اسم بعثة الاحتياجات لحرب 48 من مجموعة من الضباط وسمح لهذه اللجنة بحرية الحركة في هذا المسألة وعدم التقييد بالقوانين المالية المعمول بها في ذلك الوقت.. ـ اللواء الدكتور نبيل فؤاد هل كان هناك بالفعل اسلحة فاسدة في حرب 48 وتم استخدامها بالفعل وكانت سبباً رئيسياً لهزيمة العرب في 48؟ ــ فؤاد: قد يكون ذلك صحيحاً لأن الذي يحدث في مثل هذه الظروف أن يتم الشراء عن طريق سماسرة والسمسار ليس له هم سوى المكاسب المادية بعكس الاتفاقيات الخاصة بالتسليح والتي تتم بين دول.. وأتوقع في هذه الفترة خاصة في ظل الحرب العالمية الثانية ان يكون هناك سلاح قديم وذخيرة فاسدة. ـ اللواء مصطفى ماهر لك قصة مع إحسان عبد القدوس الذي فجر هذه القضية وتعرفت من خلال المقابلة على معلومات جديدة تماماً بشأن الأسلحة الفاسدة؟ ــ ماهر: اصدر القضاء المصري حكماً بالبراءة وقال لم يكن هناك أسلحة فاسدة.. وحين أثار إحسان عبد القدوس قضية الأسلحة الفاسدة في مجلة روز اليوسف ذهبت لاقابله في مكتبه بالأهرام وكان يشغل رئيس تحرير «الأهرام» في ذلك الوقت وكان معى زميل من اللجنة العسكرية. وقلت له استاذ احسان لقد انتهت قصة الأسلحة الفاسدة فاحكي لنا الحقيقة بالضبط في هذه القضية فقال لي بصوته.. أنا افتعلت هذه القصة وروجت لها ونفخت فيها بهدف عدم قدرة الاحزاب في ذلك الوقت على إحداث تغيير.. وأن القوى الوحيدة التي تستطيع التغيير هي القوات المسلحة. ومن هنا جاءت لى فكرة الأسلحة الفاسدة حتى استفز وأثير حماس ضباط القوات المسلحة لأنني كنت أرى أنهم هم الوحيدون القادرون على أحداث أى تغيير هذا سبب وهناك سبب آخر والكلام لايزال على لسان إحسان عبد القدوس هو لكى أحدث وقيعة بين الجيش والملك متهما الملك أنه كان وراء صفقة الاسلحة خاصة ان له قريب اسمه عباس عبد الحليم كان مشاركاً في صفقات الأسلحة.. ـ د. نبيل فؤاد ما تقييمكم لنتائج هزيمة 48 سياسياً وعسكرياً؟ ــ فؤاد: كان الحماس فيها اكثر من العقل على المستوى السياسي والقيادات العربية لم تكن على مستوى النضج المطلوب ولو كان متوافر هذا النضج لكان ممكناً للجيوش العربية ان تحقق نتائج إيجابية وأنهت القضية تماماً في هذا الوقت المبكر.. ـ اللواء ماهر.. في تصورك ماذا عن أهم النتائج التي ترتبت عليها هزيمة حرب 48؟ ــ ماهر: الذي أستطيع أقوله فيما يتعلق بهزيمة 48 ونتائجها أن دماء عربية ومصرية كثيرة جداً سالت وبجانب الخسارة البشرية كان هناك أيضاً خسارة مادية.. وكل هذه الخسائر ترجع إلى عدم وجود اتفاق بين الزعماء العرب في هذه الفترة فلم يكن هناك هدف مشترك وبالتالى كل قائد كان يعمل لحساب مصلحته.. وهذه هي النتيجة؟ حريق القاهرة من الاحداث والقضايا التي لاتزال معلقة أيضا.. ولا أحد يعرف على وجه التحديد من الفاعل الحقيقي.. ومن يقف وراء حريق القاهرة الذي وقع في 26 يناير .1952. وضيف الشهادة البكباشي جلال ندا كان أحد شهود العيان الذي يمكن ان نستخرج منه أحداثاً واسراراً وحقائق جديدة حول هذا الحدث الذي مضى عليه اكثر من نصف قرن.. ـ البكباشي جلال ندا اتهمت مع أحمد حسين رئيس حزب العمل الاشتراكي انكما قمتا بالتحريض على هذا الحريق وتم القبض عليكما ووجهت اليكما تهمة التحريض والقيام بالحريق مع كتائب الحزب فما هي شهادتك؟ ــ الذي حدث قبل حريق القاهرة وبالتحديد يوم 23 اكتوبر 1951 كنت أسيراً في شارع القصر العينى ووجدت لافتات كثيرة تدعو إلى التطوع في كتائب الحزب الاشتراكي فعلى الفور كتبت لأحمد حسين أطلب الانضمام لهذه الكتائب ووصلني خطاب منه يريد مقابلتي وذهبت اليه في البيت الأخضر فوجدته يطلب مني تولى قيادة هذه الكتائب باعتباري ضابطاً ولي خبرة كبيرة في هذا المجال.. وقمنا بجولات أنا وأحمد حسين وإبراهيم شكرى في كل أقاليم مصر لتوجيه نداءات وبالفعل حدثت استجابة فقلت لأحمد حسين انا لا أريد اكثر من «30» فدائياً ليقوموا بأعمال تقلق راحة الانجليز في القناة وتزعجهم وبالفعل حدث هذا لدرجة ان هناك أميرات ساعدوننا في هذا العمل ولما شب حريق القاهرة وحدثت التحقيقات أنا قلت أن أحمد حسين كان بعيداً كل البعد عن هذه الأحداث وكان مريضاً وأنا أحضرت له الاسعاف بنفسي وانا فوجئت بعد الحريق أن المباحث حضرت وأخذتني لقسم الوايلي وأنا جالس في القسم جاء إلي المأمور ليعتذر لي وعرفت أن مرتضى باشا المراغي وزير الداخلية قال لهم لما عرف أنني متهم اتركوه يذهب إلى بيته حالا واعتذروا له لانه بطل قومي وانا لا أتهمه بأي شيء. ـ المؤرخ د. عاصم الدسوقي استاذ التاريخ الحديث هل فعلاً كتائب الحزب الاشتراكي بزعامة جلال ندا وأحمد حسين هي المسئولة عن حريق القاهرة عام 1952؟ ــ الدسوقي: حريق القاهرة هو أحد الحوادث الغامضة في تاريخ مصر القريب.. وأجريت تحقيقات كثيرة مع اطراف عديدة قد تكون من المحتمل شاركت في الحادث وخاصة أحمد حسين الذي تمت محاكمته لكن لم يتوصلوا إلى شيء وتمت تبرئة الجميع.. وفي مثل هذه الامور لمعرفة الفاعل يتم البحث عن المستفيد وطبقا لهذا المبدأ الذي يتم المقاضاة على أساسه تتركز الشبهات والاتهام حول حريق القاهرة بين الانجليز من ناحية والملك من ناحية أخرى.. ويعزز اتهام الانجليز ان الحريق كان يتم بوضع بودرة سريعة الاشتعال على الجدران وبواسطة الكبريت تشتعل هذه البودرة التي لم تكن موجودة الا في معسكرات الجيش الانجليزي ولم تكن موجودة عند أطراف أخرى. ومصلحة الملك كان واضحة وهي التخلص من الوفد صاحب الاغلبية والرصيد الكبير عند الجماهير والذي كان يفرض على الملك أشياء كثيرة بحكم شعبيته وجماهيريته وكان الملك يقبلها وهو مكره وكانت هذه فرصة سانحة للتخلص من الوفد.. ـ البكباشي جلال ندا اذا كانت كتائب حزب الاشتراكي واحمد حسين بعيدة عن حريق القاهرة اذن من الفاعل ومن وراء هذا الحريق؟ ــ ندا: لم يصل أحد إلى نتيجة فيما يتعلق بالفاعل الحقيقي. ـ اللواء مصطفى ماهر الرئيس السابق للجنة العسكرية لتسجيل تاريخ ثورة يوليو 52 من واقع اطلاعك على الكثير من وثائق ومذكرات ثورة يوليو هي هذه الثورة نتيجة مباشرة لما حدث في فلسطين؟ ــ ماهر: حرب فلسطين كانت فرصة لتقارب الضباط وظهور انتماءات كل واحد فيهم. كما أن هذه الحرب والظروف التي مرت بها جعلت الضباط اكثر تقاربا في الاتجاهات الوطنية وضرورة فعل شيء بعد ما عانوه في فلسطين، وبعد الرجوع إلى القاهرة زادت هذه اللقاءات وتكررت وبدأت الرغبة الحقيقية لدى الضباط لفعل شيء ما وهذا ما ظهر واضحا في المنشورات التي صدرت في تلك الفترة عن تنظيمات وطنية في الجيش ومنها تنظيم كلية اركان حرب الذي كان ينتمي اليها جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين وصلاح سالم في البداية.. ومن هنا بدأ ظهور جمال عبد الناصر على مسرح الاحداث. ـ د. عاصم الدسوقي. هل فعلا فترة ثورة 23 يوليو جاءت قبل موعدها الحقيقي؟ ــ الدسوقي: لما بدأ تنظيم الضباط الأحرار كان من المتفق عليه ان الثورة تقوم في عام .1955. لكن الحوادث السريعة التي وقعت مثل حريق القاهرة وغيره جعلت الضباط يغيرون الموعد خاصة ان القصر الملكي اكتشف وجود تنظيم وهناك منشورات.. كل هذا جعل الضباط يسرعون في القيام بالثورة خشية انكشاف أمرهم والقضاء على التنظيم. ـ البكباشي جلال ندا بما تختتم شهادتك كشاهد عيان على ثورة 23 يوليو؟ ــ ندا: لم يكن عندي فكرة عن الضباط غير المنشورات التي كنت أقرأها لأنني في ذلك الوقت كنت مشغولاً بحركة الفدائيين وتقابلت مع جمال عبد الناصر اكثر من مرة وطلب مني أن أذهب اليه لنتناول القهوة معا لكن الظروف منعتني لانشغالي الشديد واعتقد أنه كان يريد ضمي لتنظيم الضباط.. لكن هذا لم يحدث لكن بعد قيام الثورة ذهبت أنا ومحمد حسنين هيكل إلى مقر قيادة الضباط واتصل مصطفى أمين بالقيادة وطلب مني أن أعرف مطالب الضباط وظن البعض أنني من الضباط الاحرار لكن هذا غير صحيح لأنني كنت هناك بصفتى الصحفية كمحرر في جريدة «أخبار اليوم».. كما كانت تربطنى علاقة قوية مع الرئيس محمد نجيب وكنت أذهب اليه كثيراً في برج العرب وحسبت عليه ولهذا تم استبعادي من «أخبار اليوم».. بعدها أجريت سلسلة من الحوارات الصحفية مع كل الضباط الاحرار امثال زكريا محيي الدين وعبد اللطيف بغدادى وكمال حسين وحسين الشافعي وخالد محيي الدين وذلك بمناسبة مرور 25 عاماً على ثورة يوليو.