شيعت مصر أمس جنازة محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس جمال عبدالناصر عن عمر ناهز 81 عاما، وكان الفقيد قد وافته المنية أول أمس الخميس بعد صراع مع المرض استمر لما يقرب أربع سنوات، وهو من مواليد 28 مايو عام 1921 وتخرج من الكلية الحربية عام 1945 وحصل أيضا على ليسانس الآداب قسم الصحافة، وخلال فترة عمله برئاسة الجمهورية كان مقربا من الرئيس جمال عبدالناصر حتى انه كان يصطحبه ويقود أحدهما السيارة بدون أن يعلم أحد ويتجولا في شوارع القاهرة للاطمئنان على أحوال الناس. وكان محمد أحمد قد تولى منصب أمين سر اتحاد الجمهوريات العربية ووزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية، كما تولى وزارة الادارة المحلية في عهد الرئيس أنور السادات، بالاضافة الى رئاسته لاتحاد كرة القدم المصري لعدة سنوات، والفقيد له أربع بنات وابن ذكر وحيد أطلق عليه اسم جمال على اسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. يقول عنه ضياء الدين داوود - وزير الشئون الاجتماعية في عهد الرئيس عبدالناصر، من المعروف والشائع ان الرئيس كان يصطحبه معه في جولات بعيدا عن الحراسة والمواكب الرسمية دون ان يعلم احد، وعندما توليت المنصب الوزاري ذكر الرئيس جمال عبدالناصر جميع الوزراء بضرورة التحرك والاطلاع على الأوضاع بانفسهم، واضاف أن الرئيس كان يتجول بسيارته ومعه محمد أحمد في منطقة منيل الروضة ووجد الشارع به حفر وعلم أن هذا الوضع قائم منذ عام تقريبا، وكان وزير الاسكان قد تولى منصبه حديثا فطلب منه ضرورة تركيب المرافق التي حفر الشارع من أجلها وردم وتسوية الشارع على وجه السرعة، وهذه الواقعة ووقائع مماثلة تؤكد جميعها ان الرئيس كان يأنس لسكرتيره الخاص محمد أحمد وكان يطمئن له ويثق فيه تمام الثقة ومن هذا المنطلق كان يأتمنه على كثير من الأمور. ويقول الاذاعي الكبير احمد سعيد - تعلمت من الحياة ومما رأيته من اعمال قبل الثورة وبعدها ان رجال السلطان مهما أبدوا لك من ود فموقعهم من السلطان يجعل الاقتراب منهم أو البعد عنهم أمرا يحسب لمن يريد ان يكون مستقلا برأيه، غير اني في ديسمبر عام 1956 تعرفت عن قرب بالفقيد محمد أحمد عندما كنت ضمن الوفد المرافق للرئيس عبدالناصر في رحلته الى الدمام والرياض للاشتراك في مؤتمر مصري سوري سعودي وقد حدث في موكب الرؤساء الثلاثة عبدالناصر والقواتلي وسعود ان كانت جماهير البدو تهبط من الجبال مهللة مكبرة هاتفة باسم جمال الذي كان قد خرج منتصرا من معركة العدوان الثلاثي على مصر، وفرض تجمهر البدو حول سيارات الموكب ان توقفنا بسياراتنا المكشوفة جميعا فترة زمنية طويلة، وشاء حظي ان أكون في السيارة التالية للسيارة التي يستقلها الرؤساء، وتقدم من وسط الجمهور المتحشد مذيع سعودي للسيد أنور السادات الذي كان عضوا بالوفد وكنت أقف بجواره في السيارة طالبا منه التحدث لجماهير المستمعين بالاذاعة فحياهم ثم التفت إلى واعطاني الميكروفون وطلب مني التحدث الى الجماهير، فانتبه الرئيس عبدالناصر لهذا المشهد وطلب من سكرتير الرئيس محمود الجيار أن أتوجه الى الرئيس في قصر الضيافة وكان الرئيس قد غضب لتصرفي لإني كنت مسافرا كأحد اعضاء الوفد الرسمي وليس بصفتي مذيعا، ففوجئت بمحمد أحمد وقتها يقول للرئيس انه كان معنا في السيارة وكان يجلس بجوار السائق وان السيد أنور السادات هو الذي طلب منه التحدث للجماهير، وكان كلام محمد أحمد حلا وتهدئة لغضب الرئيس ومنذ ذلك الوقت جمعتني صداقة شخصية معه، وكان محمد أحمد في جهاز الرئاسة دائما عنصرا ملطفا ضد أي نوع من أنواع الاصطدامات التي يمكن ان تحدث نتيجة طبيعة العمل، فكان قادرا على اشاعة البسمة رغم كل ما قد يبدو في أسلوب العمل بالرئاسة من تجهم وجدية. ويضيف أحمد سعيد أن محمد أحمد كان من الأناس الذين تطمئن اليهم والى أمانتهم، وكان ينقل صورة دقيقة للرئيس حول أي موقف وذلك خلافا لما هو معروف عبرالتاريخ من أساليب الحاشية وقيمها، ولذلك كان الرئيس يثق به هو ومحمود الجيار ولم يكن ذلك نابعا من ثقته في كفاءتهم فحسب ولكن ثقة في خلقهم، وقد برهنت الكثير من المواقف التي جمعتني معه على هذا الخلق الرفيع فعندما اختلفت عقب هزيمة 1967 معهم كان محمد أحمد هو الشخص الوحيد الذي يهتم بزيارتي والسؤال عن احوالي وذكر لي أكثر من مرة انه على استعداد لتحديد موعد مع الرئيس جمال عبدالناصر لتلاشي الخلاف، وكان دائما يطمئن على أحوالي المادية وكان بنفسه يتعجل صرف راتبي.. رحم الله محمد أحمد بقدر ماأسهم في رحمة الآخرين.