اتفاقا مع النظريات السلوكية التي ترى أن القادة العظام يتم صناعتهم خطوة بخطوة من خلال عمليات متواصلة تدعم إمكانياتهم وتصقلها، فإن معظم حالات الدراسة أكدت على أن السمات الخاصة بالمرأة القيادية لا تكفي وحدها في تفعيل أدوارها بقدر ما يجب أن تساعد البيئات المحيطة على ذلك. فالسياق الاجتماعي يلعب دورا كبيرا في تدعيم شروط تمكين المرأة وإتاحة الشروط اللازمة لإبداعاتها سواء من خلال أدوارها القيادية أو أدوارها العادية.
عوامل النجاح
1- توافر بنية قيمية مساندة:
وضعت القياديات العربيات القيم العائلية في المقام الأول، حيث بينت معظم المشاركات في الدراسة أن المرأة إذا لم تكن ناجحة في المنزل فإنها حتما لن تستطيع النجاح في الحياة المهنية، كما احتلت بعض القيم الأخلاقية المرتبطة بالدين والبيئة والأنوثة والتواضع والمحافظة على السمعة مرتبة هامة أيضا في حياة القياديات العربيات.
2- توافر مجموعة من المهارات الأساسية:
اتفقت الغالبية العظمي من القياديات العربيات على أن توافر المهارات التحليلية والقدرة على اتخاذ القرارات والذكاء الاجتماعي والعاطفي ومهارات التأثير في الآخرين ومهارات الإصغاء وإدارة الخلافات والمهام المتعددة والتوازن بين الحياة والعمل والمهارات التفاوضية وحل المشكلات والتحدث أمام الجمهور والقدرة على اتخاذ المبادرات كلها مهارات مطلوبة من أجل الوصول إلى مناصب قيادية.
ورغم أن هذه المهارات ترتبط بكلا الجنسين ولا تقتصر فقط على الإناث دون الرجال إلا أنه قد ثبت أن النساء يستطعن التفوق في بعض المهارات المعينة مقارنة مع الرجال مثل تطوير مهارات الإصغاء والمحافظة على التوازن بين الحياة والعمل.
3- توافر مجموعة خاصة من السمات:
تنظر القياديات العربيات إلى مجموعة من السمات مثل: الانفتاح والجاذبية والالتزام والكفاءة والحزم والتصميم والمثابرة والصدق والإبداع والذكاء والاستقامة والمشاركة على اعتبارها مواصفات هامة جدا في معظم قطاعات العمل من الضروري التحلي بها من جانب القياديات العربيات من أجل تفعيل الأدوار اللاتي يقمن بها.
مخاطر التعميم
رغم تشابه عوامل النجاح بين الرجل والمرأة فإن التقرير يقدم بعض الاختلافات الهامة التي تميز القياديات العربيات عن أقرانهن من الرجال والتي تتمثل في: إحساس أعلى بالالتزام والتصميم والمثابرة، التزام أكثر دقة في العمل وأكثر منطقية.
وقدرة أكبر على التواصل والعمل مع الرفيق بشكل أفضل، كما أنهن أقل عدوانية من الرجال بشكل عام، وأقل تعطشا للسلطة، ولديهن معايير أخلاقية أعلى، وقادرات على إدارة مهام عدة في وقت واحد.
إضافة إلى ذلك قارن التقرير بين القيادات النسائية العربية والعالمية في ضوء وعي القيادات العربية بأنوثتهن بشكل أكبر من القياديات الأخريات في العالم، وتقديرهن للعائلة بشكل كبير، وتمسكهن بالقيم والمبادئ العربية. والملاحظ أن التقرير يقع في تعميمات مبالغ فيها ويضفي نزعة أخلاقية على النساء العربيات تميزهن عن أقرانهن من الرجال من ناحية وعن أقرانهن من النساء القياديات العالميات من جهة أخرى.
فمن الصعوبة بمكان أن تنطوي النساء العربيات من القياديات على مزايا خاصة بهن تميزهن عن أقرانهن من الرجال في ظل بيئات اجتماعية متخلفة تشمل كلا من الجنسين على السواء.
والتفسير المنطقي الوحيد لما ذهب إليه التقرير أنه يتعامل مع صفوة نسوية عربية يحاول من خلالها أن يفرض رؤاها على مجمل النساء العربيات إن لم يحاول فرضه على السياق العربي برمته وهذا خطأ منهجي كبير يستدعي التدارك في الإصدارات القادمة. فإهمال السياقات الاجتماعية التي تشكل خلفية تحليلية هامة أدى لتعميم تصورات خاصة بعينها غير ممثلة للقياديات العربيات ومحاولة إلصاق تصوراتها على مجمل السياق الاجتماعي العربي.
كما أنه من الخطورة بمكان الارتكان لتفسيرات أخلاقية تحاول أن تبرز المرأة القيادية العربية على أنها تختلف عن غيرها من النساء الأخريات حول العالم. فالتصور القائل أن القياديات العربيات يهتممن بالقيم وبالأسرة ويوازن بين الحياة الخاصة والعامة يقفز فوق الحقائق القائلة بارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسري في العالم العربي وما ينتج عنها من إخفاقات هائلة تضر بالأجيال القادمة.
وما يعرض له التقرير على أنه تقدير من جانب القياديات العربيات للأنوثة يمكن تأويله على أنه استمرار لتوجهات المرأة العربية نحو الإسراف في الملبس وأدوات التجميل والدلال المبالغ فيه عكس المرأة الغربية الأكثر ميلا نحو العملية والتخفيف من أدوات الزينة وعدم المبالغة في الإسراف.
البيئات المساعدة
تلعب البيئات العربية المصاحبة للمرأة دورا كبيرا في تطوير أدائها وقبولها مجتمعيا إضافة إلى تمكينها. فقد أكدت 65% ممن شاركن في الدراسة أن البيئات العربية تشكل تحديا أكبر للنساء القياديات وذلك بالمقارنة مع الدول المتقدمة.
من هنا فإن التحدي بالنسبة للقيادات النسائية العربية يكمن في توظيف النجاح الذي حققنه في سبيل تغيير هذه البيئة وخلق الظروف المواتية أمام الأخريات. وخلُص التقرير إلى مجموعة من النتائج التي تبرز طبيعة البيئات المساعدة لقيادة المرأة، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
1- وفقا للمشاركات في الدراسة، فإن العوامل الثلاثة الأكثر أهمية في تمكين المرأة للوصول إلى المناصب القيادية في العالم العربي هي: البيئة الاقتصادية بنسبة 69%، والوعي العام بالقيادة النسائية 59%، وأخيرا التعليم 59%. بينما كانت التحديات الثلاثة الأكثر أهمية في طريق الوصول إلى المناصب القيادية هي: البيئة الدينية بنسبة 44%، الأطر القانونية 42%، والعادات والتقاليد 41%.
2- رغم أن التقرير يكشف أن البنية السياسية في العالم العربي قد أثرت بشكل كبير على انخراط النساء القياديات قي عالم السياسة على نطاق واسع، فإنه لا يكشف عن طبيعة الاختلافات بين بعض الدول العربية ذات البنيات السياسية المتشابهة من حيث تمثيل المرأة سياسيا.
وكمثال على ذلك تونس التي حصلت فيها المرأة على نسبة 8, 22% من مقاعد البرلمان في عام 2004 مقابل دول مثل البحرين ومصر اللتان حققتا نسبة طفيفة من التمثيل البرلماني للنساء بواقع 5, 2% و 8, 1% على التوالي، رغم التشابه الكبير فيما بينهم في طبيعة البني والأطر السياسية.
3- على الرغم من التقدم الحاصل في الوضع السياسي للمرأة العربية فإن الطريق مازالت طويلة بالنسبة للدول العربية حيث معدل تمثيل النساء في المجالس البرلمانية لا يتعدى نسبة 1, 9؟، أي بفارق كبير عن المعدل العالمي البالغ 4, 18؟ مما يعني أن الدول العربية مازالت بعيدة عن النسبة التي وضعها مؤتمر بكين للمرأة في عام 1995 أي قبل 14 عاما والبالغة 30؟.
المشاركة السياسية
4- إضافة إلى ذلك يورد التقرير مجموعة من التحديات تواجه المرأة القيادية في العالم العربي في سياق المشاركة السياسية تتمثل في: انعدام الحريات والاستقرار السياسي وتنامي التطرف، ضغوط الميراث الثقافي والحضاري، التباس الحكومات العربية تجاه انخراط المرأة سياسيا، وأخيرا عدم فاعلية نظام المحاصصة في دعم المرأة سياسيا، وغياب الدعم الحزبي والإعلامي والموارد المالية.
5- بالنسبة للبيئة الاجتماعية الاقتصادية ساهم الانتقال من الاقتصاديات القائمة على القطاع الحكومي إلى الاقتصاديات القائمة على القطاع الخاص في توفير مجموعة كبيرة من الفرص للمرأة العربية في سوق العمل. وخلال المدة من عام 2000 إلى 2005، وصلت نسبة النمو السنوي للتوظيف إلى5, 4% سنويا مضيفة 3 ملايين فرصة عمل جديدة كل عام كما ارتفعت حصة المرأة في سوق العمل من 25% إلى 27%.
6- مع أن القياديات العربيات أكدن على الدور المحوري للتعليم في تنمية الشخصية، إلا أنهن أعربن عن قناعتهن بأن النظام التعليمي في المنطقة لا يحقق الفائدة المثلى المتوقعة منه، فـ 59 من القيادات النسائية العربية اللواتي تمت مقابلتهن يعتبرن أن التعليم في بلدانهن موات للمرأة الساعية نحو القيادة.
7- ورغم أن البيئة القانونية جاءت في المرتبة الثانية كعامل مضاد لتمكين المرأة مقارنة بالعوامل الأخرى، فإن نسبة القيادات النسائية العربية التي رأت فيها عاملا مواتيا هي أكبر ممن اعتبرنها غير مواتية، فقد اعتبرت 46% أن البيئة القانونية مواتية أو مواتية جدا، في حين أن 42% اعتبرنها غير مواتية أو غير مواتية بدرجة كبيرة.
8- اتفقت غالبية القيادات النسائية العربية على أن تفسير التيارات المتشددة للإسلام ليس في صالح المرأة على الإطلاق، وهو أمر أدى بغالبية النساء المشاركات في الدراسة إلى التأكيد على أن فهم الإسلام بشكل صحيح ومستنير يمكن أن يشكل أهم العوامل المساهمة في تقدم المرأة المسلمة.
9- وبجانب ما سبق توجد مجموعة من الضغوطات المقيدة لوضعية المرأة القيادية مثل ضغوط البيئة المتمثلة في ضغوطات الزواج، وضغوطات منع السفر والعمل لساعات طويلة، والضغوطات المرتبطة بمنع مواصلة التحصيل الأكاديمي، وضغوطات البقاء في المنزل والعمل في بيئات مختلطة مع الرجال، إضافة إلى الصورة النمطية التي ينقلها الإعلام بشكل مستمر عن المرأة العربية.
مقاربة تنطوي على صعوبات تشريعية وقيمية وتاريخية
في طبعة فاخرة صدر تقرير «المرأة العربية والقيادة 2009-2011» عن مؤسسة دبي للمرأة هادفا في المقام الأول التعرف الأولي على واقع المرأة القيادية في العالم العربي والظروف المختلفة الداعمة لها أو المقيدة لتمكينها. وإذا كانت مقاربة وضعية المرأة العربية بشكل عام تنطوي على صعوبات عديدة في ضوء الاختلافات العميقة البنيوية والتاريخية والتشريعية والقيمية بين قطر وآخر فلنا أن نتخيل حجم الصعوبات التي تنطوي عليها أية محاولة لمقاربة وضعية المرأة القيادية في المنطقة.
وبسبب ذلك لم يأت التقرير في صورة عميقة تفهم وتحلل وضعية المرأة القيادية عربيا بشكل شامل، فهذا شأن كل المحاولات الأولى التي تُطلق أسسا فكرية وعلمية فضفاضة تعبد الطريق للدراسات التي تليها وتعمقه نظريا ومنهجيا أمامها. يعتمد التقرير الراهن على استطلاع رأى مجموعة من السيدات العربيات ذوي التأثير على المنطقة العربية من خلال أدوارهن ومواقعهن القيادية المختلفة التي اشتملت على قطاعات عديدة هي:
قطاع الأعمال والشركات، القطاع السياسي، المجتمع المدني، وقطاع الإعلام والمؤسسات السياسية والإعلامية. ويعني ذلك أن التقرير يقارب وضعية المرأة القيادية من خلال أهم أنشطة المجتمعات العربية اقتصاديا وسياسيا ومدنيا وثقافيا.
ويعتمد التقرير على أسلوب المقابلة التي تمت مع 94 امرأة قيادية وخبيرة من 14 دولة في المنطقة هي البحرين، مصر، الأردن، الكويت، لبنان، المغرب، عُمان، فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، تونس، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية تم توزيعهن كالتالي: 37 إمرأة في القطاع الاقتصادي، 33 امرأة في المجتمع المدني، 15 امرأة في المجال الفكري والثقافي، وأخيرا 9 نساء في المجال السياسي.
وينقسم التقرير إلى قسمين رئيسيين يهدف أولهما إلى التعريف بمقومات المرأة القيادية العربية، ويتناول ثانيهما عناصر البيئات المساعدة للمرأة العربية القيادية، وينتهي التقرير بالتوصيات. يُعرف التقرير المرأة العربية القيادية على أنها عضو فاعل في المجتمع يُنظر إليه بعين الثقة والاعتبار، وهي ملتزمة بالارتقاء بمجتمعها ومصممة على التغلب على كافة العقبات التي تعترض سبيلها.
ويتسم هذا التعريف بالتبسيط الشديد، فهو لا يقدم مواصفات دقيقة للمقصود بالقيادة النسائية من هنا فإنه يمكن تطبيقه على كافة أفراد المجتمع رجالا ونساء بدون استثناء. فالرجل القيادي عضو فاعل أيضا يهدف للارتقاء بمجتمعه، ويسعي إلى التغلب على كافة العقبات التي تواجهه. وتعتبر عملية تحديد المفاهيم وضبطها أكثر نقاط التقرير ضعفا الأمر الذي لم يمنح وضعية المرأة القيادية العربية الخصوصية المطلوبة بها.
صالح عبد العظيم- كاتب مصري