فرغ الاقتراعُ الرئاسي في السودان وانفضّ سامر القوم، كلٌّ ذهب بمبتغاه، الحزب الحاكم بإعادة رئيسه ورمزه عمر البشير رئيساً لدورة جديدة من 5 سنوات، والمعارضة برفضها وشعارها «أرحل» كل كما اعتاد في كل استحقاق، وحده الشعب كان له رأي غير الذي كان يبدى، أظهر وجهاً لم تتوقعه السلطة التي كانت تراهن على تأييده وولائه، أو لم تعتد طوال ربع قرن وأكثر قليلاً على هتافاته: «سير سير يا بشير»!!.

بكل ثقله رمى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في رهان الاقتراع الرئاسي واثقاً حد الطمأنينة أنّ خططه ستسير وفق آماله وتوقعاته التي لم تخذله قبلاً، إذ أصرر على المضي قدماً في إنجاز الانتخابات لاسيما في توقيت يعتبره البعض لا يخرج عن سياق التطوّرات وعلى رأسها مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها، إذ لم يأبه لرجاء أو نداء من فصيل سياسي أو محيط إقليمي أو مجتمع دولي لتأجيل الاستحقاق بعد الاتفاق مع الفرقاء السياسيين على مبادئ الحوار والتوافق على أطر نظام سياسي جديد يخرج السودان من نفق المظلم، بيد أنّه وكما اعتاد ضرب بكل هذه المطالب عرض الحائط، متمسّكاً بأحاديث دستورية الاستحقاق وعدم إمكانية تأجيله تفادياً لما يمكن أن يشكّل فراغاً سياسياً.

أزمة

أزمة حقيقية عاشتها الانتخابات في السودان من نواحٍ عدّة، كان بيت قصيدها مقاطعة الشعب للاقتراع، إلى جانب عدم الاعتراف الدولي، بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا والنرويج افتقار الانتخابات في السودان لأبسط معايير النزاهة والمصداقية، فضلاً عن أنّ المحيط الإفريقي الذي كان يراهن عليه الحزب الحاكم في السودان وعلى الرغم من إرساله بعثة للمراقبة إلّا أنّها لم تمنح الاقتراع الاعتراف.

واقع مفتوح

ويرى مراقبون أنّ الواقع السياسي السوداني مفتوح على كل الاحتمالات، أولها وقوع انقلاب عسكري تفرزه حالة التململ داخل الجيش رغم تنحية أكثر من سبعين ضابطاً، كما من شأن إسهام عملية مقاطعة الشعب للانتخابات خلق تحدّيات داخل حزب المؤتمر الوطني، بما يمكن أن يحدث هزّة في صفوفه، الأمر الذي يمكن أن يؤدّي إلى تغييرات كبيرة في قيادته. ولا يقتصر توقّع المراقبون على ذلك فقط بل يمضون إلى توقّع ثالث يترتب على المقاطعة الشعبية للانتخابات والمتمثّل في علو سقف الاحتقان ضد النظام على خلفية معطيات عدّة يتصدرها الضيق الاقتصادي في ضوء ارتفاع معدلات الفساد للنظام السياسي والدوائر المستفيدة منه، فضلاً عن معطى ثان عسكري مرتبط بحملة الخرطوم ضد الحركة الشعبية قطاع الشمال، التي تقود حرباً شعواء في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

أزمة معارضة

ويرجّح المراقبون امتداد المتغيرات المترتبة على الاقتراع الرئاسي في السودان على حكومة الخرطوم فقط بل أن تتعداها إلى أحزاب المعارضة، مشيرين إلى أنّ هذه الأحزاب ربما تشهد انفجارات داخلية عنيفة لاسيّما من الفئات الشبابية، مرشّحين حزب المؤتمر الشعبي برئاسة حسن الترابي كأبرز حزب معرّض لهذه التقلّبات في ضوء انتهازية مارسها الترابي عبر التحالف مع البشير لم تدم طويلاً انتهت بتأكده من أنّ أهدافه من التحالف مع المؤتمر الوطني غير ممكنة التحقّق.