عندما أنتجت اللحظة التاريخية عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر فعلت ذلك كأنها عقل بشري درس واستنبط وأخذ القرار المناسب في المكان المناسب وفي الزمن المناسب. فالكم الهائل من المسؤوليات والتحدّيات يحتاج قائداً جديراً بحملها، والتاريخ لا يجود بالقيادات بنفس الغزارة التي يهطل فيها المزايدون وبائعو الكلام وراكبو الأمواج. في فترة حكم الإخوان كانت الدولة المصرية تواجه مخاطر مصيرية، وحتى لو نحّينا النوايا والأجندات المستوردة جانباً، فإن الممارسات الظاهرة للعيان لم تكن تشي بأكثر من القلق المشروع على مصير مصر ومستقبلها، فضلاً عن منجزات انتفاضة 25 يناير.
كانت الانتفاضة المصرية الثانية في 30 يونيو تصحيحاً ضرورياً ومصيرياً يوازي خطورة استمرار الوضع على ما كان عليه في ظل منهج الإخوان الذي كان يسخّر الدولة لمصلحة الجماعة بدل أن يسخّر الفرد والجماعة لمصلحة الشعب والدولة. وكان تدخّل الجيش حاميا للشعب المصري ومنقذاً لمصر من حرب أهلية كان اندلاعها يعني الهاوية. جاءت خارطة الطريق إبداعاً ومنتَجاً وجواباً علمياً وواقعياً على سؤال »ما العمل« في اللحظة التاريخية التي لا تحتمل التردد والتوجس وارتجاف الأيدي.
سارت الأمور كما يجب أن تكون، وتسلّم عبدالفتاح السيسي منصة الرئاسة، وإن لم يجد الوقت الكافي ليجلس على كرسي الرئاسة، لأن عامه الأول أمضاه في ميدان العمل، في إصدار القوانين وابتكار المشروعات القومية الكبرى، وفي ترميم علاقات مصر الخارجية، والعمل على استعادة دورها الريادي ومكانتها التي تضررت بفعل سياسات عمرها أربعون سنة.
فعلى الصعيد الداخلي أو الخارجي، ومنذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه، في يونيو 2014، بدأ السيسي تحركه في أكثر من اتجاه. ومن الطبيعي أن تكون أنظاره منصبّة على الداخل كأولوية، وبخاصة المشاريع التي يعوّل عليها لتحقيق التنمية ومواجهة مشكلة البطالة.
إنجاز داخلي
خلال عام من رئاسة السيسي لمصر يستطيع المواطن المصري أن يقول إنه يحس بأمان أكثر في ظل دولة القانون التي بدأ السيسي بإرسائها، وإن تخللت المسيرة بعض العيوب، تبقى تحت المنسوب الطبيعي لبلد واجه هذا الكم من المشكلات والاضطرابات. فملف الأمن من أبرز الملفات التي تصدى لها الرئيس المصري خلال عامه الأول، الذي شهد مزيداً من الضربات والملاحقات للإرهاب في سيناء وغيرها من المحافظات. واستحق السيسي أن ثقة الظهير الشعبي الداعم له من البداية، إذ أعاد ملكة الحلم والأمل للمصريين، بعد ذلك الأداء الذي عزز من شعور المصريين بالمواطنة وبدورهم. خاصة مع اعتماد السيسي على مبدأ »الشفافية والمصارحة«.
ومن أبرز الانجازات التي تحققت في سبيل الحصول على ثقة المواطن، هي تلك الانجازات الملموسة على صعيد بعض الملفات التي تمس حياة المواطن البسيط، حيث حقق الرئيس طفرة نوعية في منظومة »التموين«، لاسيما مع تطبيق منظومة الخبز الجديدة، والقضاء على أزمة طوابير الخبز. كما شهد العام الأول، القضاء على تلك الأزمة الخاصة بالوقود، حيث استطاع أن يحل أزمة »الأنابيب«، فضلاً عن القضاء على أزمة الوقود.
مشروعات كبرى
ويعتبر مشروع »قناة السويس الجديدة« من أبرز الإنجازات التي حققها السيسي خلال عامه الأول، إذ أعلن في أغسطس 2014 عن إطلاق مشروع لحفر القناة الجديدة، لتكون ممراً تجارياً عالمياً بإمكانه مضاعفة قدرة قناة السويس من 49 سفينة، إلى 97، ومن شأنه إنعاش الاقتصاد المصري بصورة كبيرة، وزيادة الإيرادات لتصل إلى قرابة الـ100 مليار دولار سنوياً.
ومن أبرز إسهامات السيسي وإنجازاته خلال العام الأول إطلاق شارة تنفيذ العديد من المشروعات القومية العملاقة، مثل مشروعات الإسكان والطرق والبنى التحتية، ومشروع المليون فدان، فضلًا عن قائمة المشروعات التي تم الاتفاق عليها خلال المؤتمر الاقتصادي، وعلى رأسها مشروع »العاصمة الإدارية الجديدة«.
وكان تنظيم المؤتمر الاقتصادي في الفترة من 13 وحتى 15 مارس الماضي، بمشاركة حشود دولية وعربية عديدة، من أبرز انجازات الرئيس السيسي، رغم محاولات الإخوان لتشويه الصورة. كان المؤتمر رسالة دعم سياسي واقتصادي، وتجلّت فيه أبهى صور تضامن الأشقاء مع الشقيقة الكبرى، وكان لافتاً الدعم الاقتصادي لمصر خلال المؤتمر من جانب عدد من الدول العربية وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرهما.
علاقات خارجية
بعد عقود من وضع النظام السابق في مصر بيضه في سلة واحدة هي سلّة الغرب وأميركا، جاء السيسي بسياسة جديدة منفتحة على كل الدول، وبخاصة فيما يتعلق بمصادر السلاح، إذ اتجه الرئيس السيسي إلى روسيا أكثر من مرة كوجهة أولى مفضّلة تسليحياً، فضلاً عن صفقة »الرافال الفرنسية«. وأظهر خلال عامه الأول سياسة مصر القوية في التعاطي مع الملفات الخارجية، فتحرك للثأر من تنظيم داعش الإرهابي بضربات قوية ردا على ذبح التنظيم لعمال مصريين في ليبيا، فضلاً عن مشاركة القاهرة في عملية »عاصفة الحزم« باليمن، وقيادتها تنفيذ مقترح تشكيل »القوة العربية المشتركة«، وهو المقترح الذي أقرته قمة شرم الشيخ في مارس الماضي.
حيث بدأت بعدها الخطوات العملية للتنفيذ عبر اجتماعات رؤساء الأركان العرب.تحركات السيسي الخارجية أعادت لمصر دورها ومكانتها بالمنطقة، وفتحت آفاقاً جديدة، بعيداً عن الخضوع للإرادة الأميركية، وكان التوجه لروسيا والصين ودول أوروبية أخرى وللقارة الأفريقية، توجهاً جديداً يضع مصر على سكّة الدور الذي برز في الخمسينيات والستينيات.
زخم
أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي أن العلاقات المصرية الأفريقية اكتسبت زخما كبيراً مع حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي. وأضاف هريدي، في تصريحات صحافية، إنّ الرئيس السيسي حرص على أن تكون أول جولة خارجية له إلى إفريقيا لحضور القمة، موضحاً أنّ مصر عادت مرة أخرى لتنشيط الدوائر الاستراتيجية لسياساتها الخارجية. وتابع أنّ السيسي حرص على إحداث طفرة كبرى في تحسين العلاقات مع أثيوبيا.
مشيراً إلى أن »العالم العربي يعيش الآن حالة مخاض عسير داخليا وخارجيا، وأنّ أنماط التحالفات العربية لاتزال غير ثابتة«، موضحاً أنّ النظام العربي لم ينجح في إيجاد كيفية لمواجهة ما يُقابله من تحديات حتى الآن. ولفت هريدي إلى أنّه »منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي والعلاقات المصرية متميزة لكنها اهتزت في عهد جماعة الإخوان«.