الإمارات الأولى عالمياً في مد يد العون في كل القضايا ذات البعد الإنساني، في أي بقعة من بقاع العالم بصرف النظر عن البعد الجغرافي أو الاختلاف الديني أو العرقي أو الثقافي، وهو الأمر الذي أكسبها الاحترام والتقدير العميق على المستوى العالمي، وقد استدعى هذا الدور القيادي في تقديم العون إشادات عالمية كثيرة، غير أن الدعم والمساعدات التي قدمتها دولة الإمارات إلى الشقيقة العربية مصر، تمثل نقطة مضيئة، وشمعة لا يخبو نورها، ستظل مثالاً على الاستثمار بالمستقبل والتعاون الأخوي.
إن رؤية دولة الإمارات لمصر الشقيقة تنطلق أساساً من منهج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، طيب الله ثراه، وتجسيداً لتوصياته بدعم أمن مصر واستقرارها، إدراكاً لدورها، ومكانتها، وحضارتها.
التزام بالدعم
إن الدعم الذي قدمته الإمارات لمصر طيلة العقود الماضية، وخصوصاً بعد الأحداث الأخيرة، يذهب خيره إلى الشعب المصري، وهو دعم قائم ومستمر، وهناك مشاريع كبيرة تم تطويرها وتمويلها، وتحمل اسم الإمارات منذ عقود، وتمثل إلى اليوم نموذجاً مضيئاً للعلاقات القوية والراسخة بين البلدين الشقيقين.
ويمكن التعبير عن مدى التزام دولة الإمارات بدعم مصر وشعبها، بالاستعانة بلغة الأرقام، فهذه المساعدات بلغت 47.3 مليار درهم خلال الفترة من عام 1971 حتى عام 2014، بينما إجمالي حجم المساعدات الإماراتية المدفوعة لمصر خلال العامين 2013 - 2014 يقارب 29 مليار درهم، منها 17 مليار درهم عام 2013، في حين بلغت المساعدات المدفوعة في عام 2014 ما يقارب 12 مليار درهم.
ويذكر أن إجمالي المساعدات الإماراتية المدفوعة تخطت ما أعلنت الدولة عن تقديمه للشقيقة الكبرى مصر، بالأخص بعد اندلاع ثورة 30 يونيو من التزامات لدعم الاستقرار الاقتصادي والتنموي فيها، حيث ناهزت الالتزامات التي أعلنتها الإمارات نحو 24 مليار درهم، ولكنها تخطت حاجز الـ29 مليار درهم.
تم توجيه المساعدات الإماراتية لمصر خلال العامين المنصرمين 2013 - 2014 لدعم البرامج العامة، وتقديم مساعدات سلعية ومساعدات أخرى لدعم وتطوير قطاعات البنية التحتية والزراعة والنقل والتخزين والتعليم وتوليد الطاقة.
وكدلالة على أهمية دعم الشقيقة الكبرى مصر، فقد احتلت مصر المرتبة الأولى بتلقيها نحو 17.22 مليار درهم كمساعدات خلال الفترة من 2009 حتى 2013. تلتها المملكة الأردنية الهاشمية بنحو 2.08 مليار درهم ثم فلسطين بنحو 1.11 مليار درهم.
الجهات المانحة
خلال عام 2013، قدمت 10 جهات مانحة إماراتية إلى مصر مساعدات بقيمة إجمالية بلغت 16.99 مليار درهم إماراتي على 54 مشروعاً تم تنفيذها في مصر، ويمثل هذا الرقم نسبة 78.57 في المئة من إجمالي التمويل الإماراتي المقدم خلال عام 2013.
احتلت المساعدات الحكومية الإماراتية، ممثلة في دائرة المالية في أبوظبي بإشراف المكتب التنسيقي للإشراف على الشؤون المصرية، المرتبة الأولى بين الجهات المانحة الإماراتية لمصر، خلال عام 2013، حيث قدمت 16.74 مليار درهم، ويمثل هذا الرقم 98.55 في المئة من المبالغ المدفوعة إلى مصر، وكان على رأس قائمة المشاريع التي تم تمويلها في مصر إيداع قرض بقيمة 7.34 مليارات درهم، بهدف دعم احتياطي العملة الأجنبية، وتعزيز النظام المالي والحكومي في مصر، كما تلقى البنك المركزي المصري منحة بمبلغ 3.67 مليارات درهم.
وتضمنت المشاريع الكبيرة الأخرى التي تم تنفيذها في مصر تقديم مساعدة مالية بقيمة 3.52 مليارات درهم لتغطية احتياجات مصر من البترول، خلال الفترة من شهر أغسطس حتى ديسمبر 2013، ليتم بذلك ضمان قدرة الدولة على الحفاظ على قطاعات الاقتصاد والصناعة والتجارة والنقل خلال تلك المرحلة الانتقالية، فيما بلغ حجم المساعدات التنموية لمصر خلال عام 2013 ما يعادل 16.97 مليار درهم وبنسبة بلغت 99.89 في المئة.
وأخذت المساعدات الإماراتية لمصر أشكالاً مختلفة، حيث تم توجيه نسبة 99.55 في المئة، أي ما يعادل 16.74 مليار درهم، مساعدات ثنائية الأطراف للحكومات، ويندرج القرض الكبير بقيمة ملياري دولار والمنحة المقدمة للبنك المركزي المصري بقيمة مليار دولار ضمن قطاع دعم البرامج العامة، بينما تم تضمين المساعدة المالية الممنوحة لمصر لتغطية احتياجاتها من البترول ضمن قطاع دعم الواردات السلعية.
وجاء تطوير البنية التحتية في المرتبة الثالثة بين أعلى القطاعات التي تم تمويلها، من خلال تنفيذ مشروع يهدف لبناء 50 ألف وحدة سكنية جديدة في مصر، وتم إطلاق برنامج تعليمي تم بموجبه إنشاء وتجهيز 100 مدرسة، على أن تقوم هذه المدارس بتوفير التدريب العام والمهني على حد سواء، إضافة إلى تمويل مشروع بناء 25 صومعة قمح بسعة تخزين إجمالية تبلغ 1.5 مليون طن.
حفز النمو الاقتصادي
وأسهمت حزمة المساعدات المالية والعينية الإماراتية لمصر في حفز نمو الاقتصاد المصري، وأدت دوراً محورياً في تغلبه على المصاعب التي واجهته منذ 30 يونيو 2013.
وبحسب خبراء، فإن هذه المساعدات تعادل نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر البالغ 2.2 تريليون جنيه، وفقاً لبيانات العام المالي 2013، أدت إلى «حقن» الاقتصاد بعوامل نمو، لا سيما أنها اتسمت بالتنوع الشديد وشمولها للعديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومن ثم فقد بدأ تأثيرها مضاعفاً على حركة الاقتصاد الكلي.
وتوزعت هذه المساعدات على قطاعات توليد الطاقة والنقل والإسكان وتطوير القرى الأكثر احتياجاً وتطوير مزلقانات السكك الحديدية وبناء المدارس والوحدات الصحية في المناطق الريفية، إلى جانب استخدام جزء من هذه المساعدات في تمويل الإنفاق العام الذي جرى توجيهه إلى المشروعات القومية الكبرى، لا سيما المشروع القومي للطرق البالغ قوامه 4200 كيلومتر.
وشملت هذه المساعدات مساعدات عينية ممثلة في شحنات من المشتقات البترولية والغاز أسهمت في سد احتياجات البلاد من هذه المنتجات، لا سيما في أوقات الأزمات، وهو الأمر الذي أسهم في توفير جانب من العملات الصعبة التي كانت تستورد بها مصر هذه المشتقات البترولية.
وحسب الخبراء، فإن الرؤية التحليلية لمسارات المساعدات في شرايين الاقتصاد المصري تكشف عن آثار إيجابية على صُعُد عدة، منها التشغيل وتوفير الاحتياجات الأساسية ودعم النمو العام، إلى جانب الدخول بقوة في عمق المشكلة الإسكانية التي يعانيها الشعب المصري منذ سنوات طويلة.
كما أن المساعدات الإماراتية لمصر أسهمت بنسبة كبيرة في سد الفجوة التمويلية في مصر، في وقت كانت تعاني فيه نقص المدخرات المحلية وضعف القدرة على تمويل مشاريع التنمية.
تمويل المشروعات المهمة
تم استخدام جانب من المساعدات في تمويل عدد من المشروعات المهمة التي كانت مدرجة في خطة الدولة ولا تجد التمويل الكافي، وفي مقدمتها مشروع تطوير مزلقانات السكك الحديدية التي تعمل بالطرق التقليدية، وتسببت في حدوث الكثير من الحوادث المرورية المؤلمة، وكذلك مشروعات بناء وتجهيز أكثر من 400 مدرسة ابتدائية وعشرات الوحدات الصحية الريفية، وكلها مشاريع ذات عوائد تنموية واجتماعية سريعة على سكان المناطق التي توجد بها هذه المشروعات. أدت المساعدات دوراً غير مباشر في إقدام الحكومة المصرية على تصحيح وتصويب العديد من السياسات المالية التي كانت متبعة في سنوات سابقة، وفي مقدمتها سياسة دعم الطاقة التي كانت تكبد الموازنة العامة للبلاد نحو 130 مليار جنيه سنوياً، توازي 5.5 في المئة من الناتج المحلي.
مشاريع ربط
تقدّم مشاريع الربط الثلاثي بين موانئ الإمارات والسعودية ومصر، أرضية قوية تبشّر بآفاق واعدة لربط أضلاع مثلث الفرص الذهبية «جدة – جبل علي – السويس»، إذ طرحت الدول الثلاث مشروعات الربط الثنائية في إطار تعزيز حركة التكامل الاقتصادي والمبادلات التجارية بينها. وأكّد عبدالوهاب السعدون الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات «جيبكا»، أنّه «من المقرّر الانتهاء من ربط شبكة السكك الحديدية في الإمارات، بمثيلاتها في المملكة العربية السعودية، بحلول 2018، إذ يتم الربط بين ميناء جدة والدمام وميناء جبل علي، ما سيتيح نقل البضائع من البحر الأحمر إلى ميناء جبل علي في فترة زمنية تستغرق يومين على أقصى تقدير.