بعد الإعلان عن تحرير 70 في المئة من سرت الليبية، اتسعت دائرة التساؤل عن لغز «التبخّر» السريع لعناصر تنظيم داعش الإرهابي من المدينة وضواحيها بعد أن سيطر عليها حوالي العامين، خصوصا وأن عدد قتلى التنظيم في المعارك الأخيرة يبقى قليلا مقارنة بعدد عناصره التي سبق وأن رجحت التقارير الاستخباراتية الغربية أنها تتراوح بين خمسة وستة آلاف مقاتل من جنسيات مختلفة.
ويطرح التقدم في سرت، وتأكيد قوات «الوفاق» بأنها تدفع بمقاتلي «داعش» لمحاصرتهم في وسط المدينة، أسئلة كثيرة: ماذا بعد سرت، وأين ستدور المعركة المقبلة مع «داعش»، في طرابلس، أم في الجنوب؟
انحصرت سيطرة تنظيم داعش في ليبيا على منطقة محدودة في سرت وسط الساحل الليبي بعدما كان نفوذه على الساحل الأوسط يمتد من بن جواد شرقاً، والتي تبعد 600 كيلومتر عن العاصمة طرابلس، إلى منطقة السدادة غربا والتي لا تبعد عن شرق مصراته سوى بـ90 كيلومتراً.
وفي ظل عدم وجود حاضنة شعبية للتنظيم في ليبيا، من المرجح أن تكون المنطقة الرخوة في الجنوب الغربي من الصحراء الليبية المحاذية لحدود النيجر والجزائر والقريبة من شمالي مالي ملاذاً آمناً للعناصر الفارة من معركة سرت لتقترب من فرع متطرف في نيجيريا المعروف بجماعة بوكو حرام.
وتعرف منطقة الجنوب الغربي نشاطا واسعاً للمهربين والجماعات المسلحة، والتي تتنازع قبائل ليبية في الجنوب الغربي على السيطرة على طرق التهريب التي تقطع الصحراء الليبية.
توزع خلايا التنظيم
ويرى مراقبون محليون أن تنظيم داعش وإن يبدو أنه خسر معركة سرت إلا أنه لا يزال متواجدا بقوة داخل الأراضي الليبية.
كما أن الوضع يبدو أخطر بعد أن توزعت خلاياه على امتداد جغرافيا هذا البلد الشاسع، إضافة إلى أن الدول المجاورة دخلت مرحلة الاستنفار التام خشية تسلل فلول التنظيم الإرهابي إلى أراضيها، وسط أنباء عن قيام عناصر تنظيم داعش الفارين من مدينة سرت، بتشكيل خلايا جديدة في مناطق أخرى من هذا البلد وفي شمال إفريقيا..
لافتاً إلى «أنّ الضغوط التي تُمارس مؤخرا على التنظيم في ليبيا قد تحمل عناصره بمن فيهم المقاتلون الأجانب، على نقل مواقعهم وإعادة التجمع في خلايا أصغر وأكثر انتشاراً جغرافياً، عبر ليبيا وفي الدول المجاورة».
ولم يكن بوسع قوات البنيان المرصوص المكونة من ميلشيات مسلحة مدعومة من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أن تنتهي من تحرير مدينة سرت لولا التدخل المباشر من قبل الطيران الأميركي والايطالي والبريطاني الذي وجه ضرباته إلى مواقع داعش في المدينة..
كما أن الدعم الخارجي اتسع إلى المعارك الميدانية على الأرض من خلال قوات خاصة أوروبية، ما ساعد في تضييق الخناق على التنظيم الإرهابي الذي اختار عدد كبير من قادته ومقاتليه الفرار من المدينة عبر المسالك الصحراوية البعيدة عن عيون الجيش الليبي..
حيث إلتحق بعضهم بمايسمى بسرايا الدفاع عن بنغازي جنوبي مدينة اجدابيا، والبعض الأخر بفلول التنظيم الفارة من ضربات الجيش بمدينتي درنة وبنغازي بهدف إعادة تنظيم صفوفهم، بينما رجحت بعض المصادر أن يكون المئات من التنظيم قد تسللوا نحو مناطق الجنوب في محاولة منهم للبحث عن مواقع تمركز جديدة بالمثلث الحدودي بين ليبيا وتونس والجزائر.
خلايا نائمة
ويزداد الوضع غموضاً بالحديث عن تسلل عناصر التنظيم من الليبيين إلى مدنهم وقراهم الأصلية أو إلى مدن أخرى مثل طرابلس والزاوية وزليتن والخمس على الشريط الساحلي الغربي لليبيا أو في منطقة الجبل الغربي..
وربما إلى مدينة مصراتة ذاتها، ولا يخفي المسؤولون الأمنيون في العاصمة الليبية الخشية من إمكانية تغلغل التنظيم داخل طرابلس، وهو ما دفع برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إلى الإعلان عن خطة أمنية إستثنائية لحماية العاصمة، بينما أشار مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتن كوبلر، إلى وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش في العاصمة طرابلس.
وأشارمحللون إلى أن «داعش» وجد أرضية خصبة ودعماً من بعض الأطراف التي سلمت له سرت ودرنة في وقت سابق، وهناك حديث عن وجود العديد من الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش في طرابلس والزاوية،
وبحسب ميركو كايلبيرت، وهو خبير وصحافي ألماني مختص في الشأن الليبي وشمال إفريقيا، فإن تنظيم داعش سيغير من تكتيكه، وسيحاول استغلال الاضطرابات الاجتماعية في طرابلس لاستمالة واختراق جيل الشباب الغاضب هناك، مستفيدا من الوضع الاقتصادي المتردي،ومن عجز حكومة الوفاق عن حل مشكلة انقطاع الكهرباء وتوفير السيولة المالية الكافية، وهذا ما يغذي بدوره التطرف، وفق تعبيره
تقرير سري
في الأثناء، كشف تقرير سري، صادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة، تخوفات من أن تؤدي المعركة التي تخوضها القوات الليبية ضد «داعش» في سرت، التي تضم حاليا أكثر من ثمانية آلاف مقاتل تابعين للتنظيم الإرهابي إلى إعادة انتشار هؤلاء المقاتلين في دول الجوار، خصوصا في الدول المغاربية، بما فيها المغرب.
وبحسب التقرير الذي وجهه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مجلس الأمن فإن «الضغط الأخير الممارس على تنظيم داعش في سرت يمكن أن يدفع بمقاتليه، بمن فيهم المقاتلون الأجانب، إلى الرحيل إلى أماكن أخرى وتشكيل مجموعات مقاتلة صغيرة، موزعة على رقعات جغرافية في دول جوار ليبيا».
وحسب التقرير، فإن الجزائري مختار بلمختار زعيم جماعة «المرابطون» الناشطة في منطقة الساحل ينتقل بسهولة إلى ليبيا، كما أن زعيم جماعة أنصار الدين المالية اياد اغ غالي لديه قاعدة في جنوب ليبيا.
فرار
نشرت صحيفة «كوريير ديلا سيرا» الإيطالية تقريرا حول مغادرة العشرات وربما المئات من عناصر تنظيم داعش من سرت إلى إيطاليا متخفين في قوارب التهريب والمهاجرين غير الشرعيين.
وأضاف التقرير، استنادا إلى وثائق سرية لـ «داعش»، كانت الاستخبارات الليبية عثرت عليها في أماكن سرية وتحتوي على أسماء لقادة تنظيم داعش وعناصره وخطط لتنفيذ عمليات إرهابية. وأكد أن بعض أصحاب هذه الأسماء تتواجد على الأراضي الأوروبية وخاصة الإيطالية وتحديدا في محيط مدينة ميلانو.