ثارت الدماء في عروق هلال جرادات، بعدما قتل مستوطن إسرائيلي شقيقه الأصغر دهساً في وسط شارع عام بمدينة جنين في الضفة الغربية بشكل متعمد، فيما قتل مستوطن آخر شقيقه الأخر بإغراقه داخل البحر أمام أعين والده، بحسب تحليل المعمل الجنائي الذي اقر بقتله اختناقاً، بعدما توجه للتنزه على بحر نتانيا برفقة والده.

وقرر جرادات الانتقام والثأر لشقيقه بقتل ثلاثة من جنود الاحتلال الإسرائيلي في جنين طعناً بالسكين على فترات متفاوتة، وخطف سلاح احدهم بعد قتله على مقربة من سجن إسرائيلي للأسرى الفلسطينيين، وألقي القبض عليه في المرة الثالثة بعد محاصرته من جنود الاحتلال.

جرادات انضم لصفوف حركة فتح منذ نشأته، واتهمته إسرائيل بإفشال مخططاتها بتسميم مدارس بنات جنين على أيدي العملاء المتعاونين مع إسرائيل لإحداث عقم دائم لديهن، وحكم عليه بالسجن 30 عاماً، وأفرج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار، وقررت إسرائيل إبعاده إلى قطاع غزة، بعد مضي 27 عاماً داخل سجون الاحتلال .

وتخللت فترة سجنه داخل السجون الإسرائيلية للتعذيب، واعترافه بقتل جندي واختطاف سلاحه فقط، وبعد مفاخرته أمام المساجين بقتله جنديين آخرين ايضاً قبله، ولم يعترف عليهم خلال التحقيق، ليكتشف أن المساجين هم «عصافير» تابعين لجيش الاحتلال، ليتم اعتقاله من جديد والتحقيق معه وتمثيل المشاهد التي قتل فيها الجنود والمستوطنين، وحكم عليه بالسجن من جديد 99 عاماً.

تعذيب

وفي أول عقوبة لإسرائيل لجرادات تم حبسه في العزل الانفرادي مدة ثلاثة أشهر، كانت من أسوأ الأيام حيث تم فصله عن الحياة بمكان منعزل لا يعرف فيها الأيام ولا التواريخ ولا الأوقات، وجعلته دائم الانتظار لأي صوت يقترب منه. ومارست إسرائيل ضده حرب نفسية بإبلاغه بهدم بيته وبيت والده وإخوانه وأبناء عمومته.

وشعر بالضيق حينها، ولكن في الحقيقية هدموا بيته فقط لحظة اعتقاله، وصادروا الملابس التي تحمل دماء الجندي القتيل، وبقى عارياً بدون ملابس لعدة أيام، لحين وصول ملابس جديدة له عن طريق الصليب الأحمر.

وفور الإفراج عنه قرر تجسيد حياته طوال فترة السجن بفيلم وثائقي قام بتصويره وإخراجه على نفقته الخاصة، ليشرح فيه سنوات الاعتقال والإبعاد عن الأسرة موجهاً رسالته للمشاهد الغربي، تخللها لقطات مصورة قرب السياج الفاصل، متأملاً ومنتظراً للحظة العودة إلى بيته، بعد إزالة السياج الذي يحيط بقطاع غزة.

ولفت جرادات خلال حديثه، أن ما يشعر به ويجسده بالفيلم الوثائقي ليس إلا جزء بسيط من أوجاع الأسرى، حيث يمارس الاحتلال أسوأ أنواع العذاب ضد الأسرى بعد دراسات نفسية ومخططات ممنهجة، لهدم شخصيتهم وقتل نفسيتهم. والتقى جرادات داخل الأسر د.أنور أبو الرب، حيث نصحه أن يغير نمط حياته داخل السجن من خلال القراءة والدراسة والتثقيف، لأن المعركة مع الاحتلال ليس معركة إطلاق نار ورصاص، بل هي معركة تحدي بالعلم والثقافة، وكل الأبواب مفتوحة.

وطبق جرادات نصيحة الأكاديمي، وحفظ سبعة أجزاء من القرآن الكريم، واهتم بقراءة التاريخ وتحليل الكتب التي توثق القضايا الفلسطينية والصراع مع المحتل، حيث قرأ داخل السجن ما يقارب 5000 كتاب. وأتقن 16 لغة محادثة وقراءة،، من ضمنها الانجليزي والعبري والفرنسي والروسي واللاتيني والاسباني واليوغسلافي والصربي والايطالي والألماني والآرامي والسريالي.

وانطلق جرادات بعد عودته لغزة بتوثيق حياة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، بعدما لمس قلة معرفة الناس بتجربة السجون وتفاصيل حياة الأسرى.وبدأ جرادات بتوثيق حياته بأنها ناقصة بعدما انتزع عن أهله وأرضه، وأن حريته منقوصة بعد إبعاده لقطاع غزة، فلم يجد قلباً حنوناً يستقبله ويواسيه في محنته، وكل عبارات المجاملة من الأصدقاء لم تصل للإحساس الحقيقي لديه أو تعويض حنان الأسرة والأب والأم.